ثلاثة مسلمين قتلوا بدم بارد على يد إرهابي مجرم في كارولينا الشمالية في أمريكا، في جريمة بشعة للغاية، حيث أزهقت أرواحهم في ظل تعتيم إعلامي متآمر، ناهيك عن إخراج القضية عن سياقها، عبر تشويه الحقيقة، وقتل أصحابها مرة أخرى عبر وضع الذرائع للقاتل باعتبار أن خلفية الجريمة هي خلاف شخصي متمثل بالخلاف حول موقف سيارة فقط لا غير!!
في الوقت نفسه، انتشر مقطعاً مرئياً لشرطي في السويد وهو يقوم بخنق طفل ينطق الشهادتين، في مشهد يتنافى مع أبسط حقوق الكائنات الحية – لا أقول الإنسان بل ما هو أدنى منه - ثم يكون التبرير بأن السبب في ذلك أن "الطفل" تهرب من دفع فاتورة القطار هو وزميل له، وجاري التحقيق في ذلك!!
ناهيك عن مشاهد الاعتداء على المسلمين في كل أنحاء المعمورة كان آخرها حرق مركز إسلامي في أمريكا في تحد لمفهوم التعايش واحترام الآخر. ويكفي أن نسلط الضوء على ما يجري في الدول الغربية، التي تدعي حماية حقوق الإنسان، ورعاية السلم والانفتاح. مع عدم التطرق لما يجري في دولنا "العربية"؛ لأن معظم دولنا لا تهتم بقيمة الإنسان وحقوقه بأي حال، بل قتل المسلمين هي المهنة الوحيدة التي تتقنها، وتتباهى بها. فلا غرابة أن يقتل "المسلم" –إن صح إسلامه- شعبه لأجل الحفاظ على منصبه وسلطته وكرسيه.
اضطهاد مستمر
بحسب الكثير من المتابعين والمحللين، فإن المسلمين في شتى البقاع والمناحي في الدول الغربية، ما زالوا يعانون من الظلم والتمييز والاضطهاد، ليس فقط من حادثة "شارل إيبدو" الفرنسية، بل من قبل ذلك بكثير، وما حركات العنصريين في ألمانيا والسويد والتطرف الغربي في فرنسا وبريطانيا وأمريكا وغيرها إلا مظهر يؤكد على ذلك.
"ما زالت شريحة واسعة من المجتمع الغربي تتعامل مع المسلمين وفق مبدأ الطبقية والتمييز، وهو ما يعكس آلية التعامل حينما يكون الاعتداء على المسلمين مقارنة بغيرهم"
ورغم أن المسلمين في أوروبا وأمريكا منخرطون في المجتمعات التي يعيشون بها ويضربون صوراً رائعة من التعايش مع الآخر، انطلاقاً من تعاليم ديننا الحنيف الذي ينص على المعاملة بالحسنى كما في قوله تعالى: {لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة:8]. فالآية القرآنية تنص بشكل واضح على التعامل بالبر والقسط مع كل من لم يقاتلنا، وهي المنطلق الذي ينطلق منه المسلمون للتعامل مع الآخرين دون تمييز بينهم على أساس عرق أو دين. لكن في المقابل ما زالت شريحة واسعة من المجتمع الغربي تتعامل مع المسلمين وفق مبدأ الطبقية والتمييز، وهو ما يعكس آلية التعامل حينما يكون الاعتداء على المسلمين مقارنة بغيرهم.
لقد كانت حادثة الصحيفة "شارل إيبدو" شماعة يعلق عليها الكثير من الغربيين تمييزهم واضطهادهم ضد المسلمين، رغم أن الحادثة ما زال يكتنفها الكثير من الغموض، بالإضافة إلى أن من قتلوا اعتدوا بشكل واضح وصريح على أمر من أقدس الأمور التي عند المسلمين، وهو المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم. ومع ذلك فإن الأمر لو صحت نسبته للمسلمين، لا يمكن أن يقارن بقتل ثلاثة أبرياء لأجل موقف سيارة فقط!!!
لماذا يضطهد المسلمون؟؟
سؤال مهم في هذا الوقت، وحري بالإجابة عنه خصوصاً في ظل تزايد حالات الاعتداء على المسلمين، ويمكن إرجاع أسباب الاضطهاد والعوامل المشجعة له إلى الأمور الآتية:
1- الطبقية والتمييز بين الأجناس البشرية. فالناس اعتادت على أن الأوروبي والأمريكي أعلى شأناً وأهم من الإنسان العربي ذو الطبقة الأدنى، وهو ما كرسه أصحاب السلطة عنا مع بالغ الأسف، فالأجنبي تفتح له أبواب بلداننا العربية قاطبة، في حين يوصد الكثير منها في وجه غالبية إخوة الدين والتاريخ واللغة. وهذه الطبقية كرست لدى الكثير من الغربيين أننا لا قيمة لنا في أوطاننا فكيف نعيش بينهم، ونتشارك معهم في الحقوق والواجبات حالنا كحالهم!
" الفئة الحاكمة العربية سبب من أسباب اضطهاد المسلمين؛ لأنها رسخت مفهوم اللاقيمة للمسلمين أينما حلوا أو ارتحلوا، فهي لا تحترم حقوق الإنسان في بلدها، ولا تدافع عنه إن تعرض للأذى، وتقوم بقتله وسجنه دون حسيب أو رقيب"
2- الفئة الحاكمة العربية. والتي رسخت مفهوم اللاقيمة للمسلمين أينما حلوا أو ارتحلوا، فهي لا تحترم حقوق الإنسان في بلدها، ولا تدافع عنه إن تعرض للأذى، وتقوم بقتله وسجنه دون حسيب أو رقيب. ثم بعد ذلك تشبع شعوبها بالشعارات الواهية التي لا تسمن ولا تغني من جوع وإنما للتغطية على تقصيرها وتقاعسها في توفير الحد الأدنى من الكرامة لمواطنيها. لكنها في نفس الوقت تستنفر وتغضب إن تعرض لأحد من رعايا أسيادهم للأذى، تماماً كما فعل رئيس السلطة الفلسطينية حينما شارك في مسيرة فرنسا ضد الإرهاب، ليقف مع نتنياهو الذي قتل الآلاف من شعبه، وكأنهم ليس لديهم قيمة. وكذلك حال الأردن، حينما شارك حاكمهم مستنكراً قتل فرنسيين أساؤوا للرسول، ثم في المقابل يسكت عن قتل حملة جنسية بلده لأنهم قتلوا على يد أمريكي فقط!!
3- القادة السياسيون الغربيون، والذين يتعاملون حتى مع حملة جنسيات دولهم بطرق مختلفة، فهم مستعدون لسجن أي شخص يتعرض لليهود ببنت شفه تحت شعار معاداة السامية، في حين يسكتون على الإساءة للمسلمين، من باب حرية الرأي، أو أمر فردي لا يحتاج إلى التعليق وغير ذلك.
4- الخطاب الإعلامي الإسلامي الضعيف نسبياً، الذي يحتاج إلى مزيد من التطوير في المحتوى والوسائل، إذ إننا نحتاج إلى خطاب إعلامي قوي لا يقوم على الأعمال التطوعية فحسب، بل وفق مؤسسات وخطط مدروسة ودعم مستمر، بحيث يتم إرسال الرسالة الإسلامية الصحيحة للناس، وبيان معالمها وتغيير النظرة الغربية عنها.
5- وسائل الإعلام الغربية، التي يترأسها اليهود والحاقدون من الأوروبيين والأمريكان، والتي تتعامل مع القضايا المتعلقة بالمسلمين بطريقة بعيدة عن المهنية والحيادية، بل تعتمد على التحريض وقلب الحقائق وتشويه صورة الإسلام والمسلمين.
6- جماعات الإسلاموفوبيا في أوروبا، والتي تنطلق من منطلقات عنصرية تجاه المسلمين، ناهيك عن الحقد الدفين على رسالة الإسلام التي تحمل الخير لكل الناس، بالإضافة إلى شعورها بالتهديد الحقيقي على التركيبة المجتمعية بسبب زيادة أعداد المسلمين في الغرب.
ختاماً.. إن مسلسل الاعتداء والاضطهاد ضد المسلمين، قابل للزيادة والاستمرار، طالما ما زالت العوامل السابقة موجودة، خصوصاً في ظل السكوت الرسمي العربي والغربي عما يجري، الأمر الذي سيكون له نتائج وخيمة على الجميع، خصوصاً المسلمين هناك.