تتفاعل أصداء ترخيص الجمعية الجديدة، خصوصاً أن خطواتها سريعة، وتتسابق الجهات الإعلامية لنقل أخبارها، وبعض هذه الجهات يركّز على نحوٍ مقصود أنّ هذه الجمعية هي بحكم الوريث القانوني لجماعة الإخوان المسلمين، كما شهدنا تصريحات وكتابات لزعامات في الجمعية، وقابلتها ردود من أعضاء الجماعة.
وأرغب في هذه الورقة أنّ أمحض نصحي الصريح للإخوة في الجمعية، بدافع حبي لهم، ورجائي الخير لكل مخلص منهم، ووفاء لسنوات من العمل الدعوي معهم، كما ويحمل هذا النصح رسائل أيضاً لإخواني في الجماعة. وسأتناول نصيحتي من خلال ما يلي:
أولاً: الحرص على ترشيد المسار وحساب الخطوات جيداً
1- أدعوكم أن تعملوا بعيداً عن الجماعة، ولا تتوقعوا أن لديكم الكثير من الأنصار في جماعة الإخوان، ولا تركزوا جهدكم على استقطاب أعضاء الجماعة، بل يمكنكم التوسّع على غيرهم. آمل أن تنظروا بعمق لكيمياء الجماعات والأفكار، ستجدون أنّ من أهم عوامل اجتماع البشر على الجماعة والفكرة هما الانتماء والولاء، وهذان معنيان قلبيان، لا يمكن أن يخضعهما قوة ولا جبروت، ولا يمكن للكون ولو اجتمع أن يغيّر من ولاء أحد أو انتمائه إلا بإرادة الشخص، وكل إنسان له ما يستند إليه في تشكيل ولائه وانتمائه.
2- لا تناسبكم لغة التحشيد على الجماعة، واستخدام لهجة التخويف من العقاب المنتظر لأعضاء الجماعة، واستدعاء أنّ الجماعة في الأردن هي جزء من منظمة إرهابية. ومن العجيب أن يقول رئيس الوزراء للإخوان: "كيانكم قائم"، ويقول الأستاذ عبد المجيد ذنيبات: "الجماعة منحلة"، ولا تعتمدوا على يقين أنّ جماعة الإخوان المسلمين في الأردن ستحظر، وبالتالي فإن الأفراد لن يجدوا غير الانضمام للجمعية الجديدة، فبما أنّ الحياة السياسية قائمة في الأردن ولم تمس؛ فسيجد الإخوان في حال استهداف جماعتهم –لا قدر الله- أكثر من صيغة رسمية للعمل، ولو لا قدر الله تمّ الانقلاب على الحياة السياسية فسيكون الجميع في الهمّ شرق، ولو تم استثناؤكم كمكون من الانقلاب على الحياة السياسية فلن ينضم إليكم الإخوان مجبرين. وإن كان ولا بد من عملكم على استقطاب أعضاء الجماعة، فلن ينجح هذا المسعى إلا الإقناع الفكري والإشباع الوجداني.
3- لا تبنوا إستراتيجياتكم في عمل الجمعية على وعدٍ سمعتموه من أحد، أو على مسار ما، وأظن أنّ وضع الجماعة في الأردن لا يمكن النظر له من زاوية واحدة؛ قانونية أو أمنية مثلاً، كما أدعوكم أن لا تتعاملوا مع الجماعة كأنّها طرف ضعيف يوجه له اللكمات، فالجماعة قوية وبخير، ولا شك أنّ ما حدث يشغلها، وبحسب أدبياتها فلن تنجر إلى مناكفة أحد، وليس من منهجها تجريح الهيئات والشخصيات؛ فكيف مع رفاق الدرب وإخوة الدعوة.
4- كون الجماعة منحلة من وجهة نظركم، فلماذا يحرص البعض على البقاء في عضويّة الجماعة؟ ولماذا يمارس بعض المؤسسين للجمعية التعتيم بشأن انضمامهم إليها، أنتم أولى من يبادر بالخروج من هذه الجماعة غير الرسمية، وقطع صلتكم بهذا الكيان المنحل قانونيّا!، وقد لمست من بعض المؤسسين للجمعية حرصاً على الاستمرار في الجماعة، ووضع رجل هنا وأخرى هناك، وهذا له أكثر من دلالة.
5- لا تحاولوا أن تثبتوا أنّ الجمعية هي الوريث القانوني للجماعة، لأنّه يبدو أنّكم تركّزون على إمكانية الاستحواذ على بعض ممتلكات الجماعة، لكنّكم تنسون أنّ الوريث القانوني – في حال كان لذلك وجاهة قانونية - كما يمكن أن يستحوذ على الممتلكات، فإنّه سيستحوذ على الديون المستحقة والموثقة قانونيّاً كذمم على الجماعة، والتي لا يطالب أصحابها بها قيادة الجماعة حاليّاً، ولكنهم بالقطع سيطالبون بها أي جهة قد تعتبر وريثاً قانونيّاً، وقد تكون هذه الديون كبيرة جداً تفوق قيمتها ما تتوقعون من ممتلكات. كما أنّ التركيز على هذا البعد أراه يضركم، مع تقرير أن أغلى ما تملكه الجماعة هو إنسانها، وستتحول جميع بيوت الإخوان شعباً، كما سيتضامن جميع الإخوان لتعويض خسارة أي شيء ماديّ.
6- كونكم ستعملون كجمعية أردنية، وتحملون فكر الإخوان المسلمين وتدعون له كما صرحتم، وجاء في بيانكم للناس، فهناك الكثير من الأسئلة التي ستظهر لكم، وأظنها لن تتناسب مع مسيركم، ولا بد أن تجتهدوا بالإجابة عنها، وسأختار من جملة الأسئلة سؤالاً واحداً:
والسؤال: إنّ فكر جماعة الإخوان المسلمين يستند إلى رسائل الأستاذ حسن البنا رحمه الله، وذكر في رسالة التعاليم في ركن العمل من أركان البيعة، أنّ للعمل مراتب، وفي المرتبتين السادسة والسابعة ما نصه: "إعادة الكيان الدولي للأمة الإسلامية, بتحرير أوطانها وإحياء مجدها وتقريب ثقافتها وجمع كلمتها, حتى يؤدى ذلك كله إلى إعادة الخلافة المفقودة والوحدة المنشودة. وأستاذية العالم بنشر دعوة الإسلام في ربوعه"، فهل سيكون من دوركم العمل على إعادة الكيان الدولي للأمة الإسلامية؟ وهل ستعملون على إعادة الخلافة المفقودة؟ وكيف ستعملون على هذا؟ وهل ستنسقون مع غيركم خارج الأردن؟ وهل هذا كله ينسجم مع التشريعات الأردنية؟.
ثانياً: أسئلة التصويب
سأصارحكم أني تابعت باهتمام جميع المقابلات والتصريحات التي قام بها مؤسسو الجمعية، لكن لم أجد إجابات محددة على بعض التساؤلات، والتي من الواجب أن تكون إجابتها واضحة، كون ما حدث من ترخيص أصبح شأناً عامّاً، كما ستبقى تعرض هذه الأسئلة باستمرار، ومنها:
"لماذا قامت أجهزة الإعلام الرسمية بنقل بيانات الجماعة واستضافة قياديها وعلى التلفزيون الأردني وهي فرع من جماعة محظورة؟! بعد استهداف الجماعة في مصر وحظرها مؤخراً بدعوى الإرهاب"
1- لماذا لم تنتبه أو سكتت جميع الحكومات الأردنية منذ عام 1946م وعلى مدار 69 عاماً إلى أنّ جماعة الإخوان المسلمين في الأردن ليست قانونية كونها فرع من الجماعة في القاهرة، علماً أن جماعة الإخوان في مصر كانت غير رسمية في معظم هذه المدة؟
2- وفي حال كان سكوت الحكومات السابقة عن وضع الجماعة القانوني غير المصوّب من باب التسامح مع الجماعة، فمن أعطاهم الحق لعدم تطبيق القانون على الجماعة بحجّة التسامح؟ ولو كان السكوت والتسامح سياسة؛ فما وسعته السياسة قديماً تسعه الآن.
3- لماذا كان يتعامل ويلتقي جميع ملوك الأردن رحمهم الله مع قيادة الجماعة وهم فرع من جماعة محظورة طيلة الفترة السابقة؟ وعلى هذا دأب جميع المسؤولين في الأردن.
4- كيف يمكن التعامل مع التشريعات الصادرة عن مجالس النواب من عام 1989م وما قبل؟ علماً أنّ الجماعة تشارك في البرلمان منذ عام 1954م. ومع أنّ أعضاء الجماعة كانوا يتقدموا للترشح بأشخاصهم؛ إلا أنّهم حازوا ثقة الناس بناء على بياناتهم المستندة لانتمائهم لجماعة الإخوان المسلمين، بل إنّ بعض النواب كان في موقع القيادة العليا مثل الأستاذ محمد عبد الرحمن خليفة رحمه الله الذي كان مراقباً عامّاً للجماعة.
5- لماذا قامت أجهزة الإعلام الرسمية بنقل بيانات الجماعة واستضافة قياديها وعلى التلفزيون الأردني وهي فرع من جماعة محظورة؟ وقد تمّ هذا ولمرات بعد استهداف الجماعة في مصر وحظرها مؤخراً بدعوى الإرهاب.
6- كيف تقوم الحكومة بقبول طلب بخصوص تصويب وضع الجماعة من أشخاص ليسوا مفوضين عن الجماعة؟ وبغض النظر عن دوافعهم؟ إلا إذا كان ما قدم هو طلب لجمعية جديدة.
7- لماذا يقرن طلب التصويب بوضع قيادة انتقاليّة من خارج أعضاء مجلس الشورى المنتخبين؟ ولو تمّ التسليم أنّ بعض أعضاء مجلس الشورى جاؤا بفعل المال السياسي، لكن هناك من لم يأت حتى بحسب رأي المتقدمين للتصويب إلا من خلال إرادة القواعد ولا شبهة على انتخابهم، فلم لم تقترحوا أن تكون القيادة من هؤلاء المنتخبين الشرعيين؟ إنّ هذا يقوي دافع الانقلاب على قيادة الجماعة بذريعة التصويب.
ثالثاً: دعوى وراثة الحركات والأفكار
في إحدى الحوارات التي شاركت فيها، كانت هناك فكرة مركزية تستند إليها فكرة وراثة الجماعة الأم، ومدارها أن الجماعات مثل الإنسان، يولد فينمو فيكبر فيشيخ فيموت، وأن القراءة التاريخية تشير إلى أنّ بعض الدول ما قامت إلا من خلال فعل تصحيحي أو وراثة للدولة السابقة، مثل الدولة العباسية قامت على أنقاض الدولة الأموية، وأن حزب العدالة والتنمية في تركيا قام وقوي بعد انشقاقه عن حزب السعادة، وغير ذلك من الأمثلة.
ومثل هذه القناعة ليست حكماً نهائيّاً على طبيعة حركة الدول والجماعات والأفكار، بل إن التفسير التاريخي لا يصلح للتعميم، وسيجد الباحث عشرات الاستشهادات المناقضة لذلك، فلكل واقعة تفسيرها، والمطلوب ممن يقوم بالتخطيط قراءة المعطيات الراهنة وتقدير المصالح والمفاسد وموازنتها.
وإنّ الدول التي قامت على أنقاض غيرها، بعضها لم يستمر وقام من انشق عنها، ومع كل التغيرات التي جرت على الفكر الماركسي وانهيار الاتحاد السوفيتي، إلا أنّ الفكر الماركسي لم ينته بل وبالعكس ينمو في بعض الدول الغربية، وتشير الدراسات إلا أن التحالفات والتجمع وتشابك المصالح والتعاون أفضل لبقاء الدول، وهذا ما دعى الأوربيين للوحدة.
"أدعوكم أن تعودوا عن فكرة الجمعية، وترجعوا لجماعتكم، وتصلحوا من داخلها ما تظنون أنّه يحتاج إلى إصلاح، فكلكم له أيد بيضاء ناصعة في خدمة هذه الدعوة المباركة"
وليست كل الأحزاب المنشقة نمت وكبرت مثل حزب العدالة والتنمية، بل أغلبها وخصوصاً في الأردن إما اندثرت أو أصبحت ضعيفة. ولست بصدد التناول التفصيلي لأوجه الخلاف بين ظروف الجمعية الجديدة وقيادتها والدواعي والوضع الأردني، وما يقابله في حزب العدالة والتنمية وتركيا.
ومن خلال قراءتي لدواعي الترخيص والقائمين عليه ووضع الجماعة واتجاهات الأفراد والقيادات والوضع السياسي في الأردن، والمصالح العليا، فيرجح لدي أنّ فرص النجاح للجمعية ضعيفة.
ختاماً:
أدعو الله لكم بالخير، وأن يوفقكم لما فيه مرضاته، وأن يبعد عنكم الزلل، وأدعوكم أن تسلكوا واحداً من طريقين:
1- أن تعودوا عن فكرة الجمعية، وترجعوا لجماعتكم ودعوتكم، وتلتفوا حولها، وتصلحوا من داخلها ما تظنون أنّه يحتاج إلى إصلاح، فكلكم له أيد بيضاء ناصعة في خدمة هذه الدعوة المباركة. وهذا هو الطريق الأحب إلى نفسي، والأقرب إلى نصحي.
2- أن تعملوا في الجمعية بعيداً عن الجماعة، وتنشطوا في الكسب لفكرتكم، ولعل الله يجري الخير على أيديكم، فلا تناسبكم المناكفات، ولا تضيعوا الأوقات بغير المفيد، فليس في العمر متسع إلا لكل خير ونفع. والله يحفظكم.