تزوجها وأخذها من "مملكة زوجها السابق" ليضربها صباح مساء، "ليلى" (28 عاماً)، وهو اسم مستعار لامرأة فلسطينية تعيش في منطقة خزاعة في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، كانت متزوجة من شاب يكبرها بعام وعاشت معه أجمل أيام عمرها كما تقول، وأنجبت منه التوأم (جودي- وأمجد)، لكن تلك الحياة السعيدة لم تدُم طويلاً، حيث استشهد زوجها "صاحب القلب الحنون" خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة "العصف المأكول"، ونظراً لأن العائلات الفلسطينية تفضل أن تتزوج أرملة الشهيد من أخيه، حفاظاً على أبنائه كما يرون، فإن "ليلى" أُجبرت تحت ما يعرف بالعادات بأن تتزوج من شقيق زوجها السابق، خوفاً من حرمانها من أبنائها إذا ما تزوجت من شابٍ من عائلةٍ أخرى، لكن شقيق زوجها لم يُقدّرها أو يحترمها نظراً لأنه كان شاب أعزب و"ليلى" لا تليق بأمثاله فهي المرأة المتزوجة ولديها أطفال، كما تقول.
ولم يكُف هذا الزوج عن ضربها لأسباب "تافهة" بل تمادى في تعنيفها وضربها بشكل مبرح، فالكدمات وآثار الضرب تكاد لا تختفي من كافة أنحاء جسدها ووجهها، كما أنه بات يتحدث عنها بشكل سيء أمام جيرانها، وأقاربها.
قصة "ليلى" نموذج بسيط يختصر قصص العديد من النساء اللواتي يتعرضن للضرب بشكلٍ متكرر من قبل أزواجهن، دون أي رادع.
مرضٌ نفسي أم رجولة ناقصة

الدكتورة فتحية اللولو عميد كلية التربية في الجامعة الإسلامية بغزة قالت في حديثٍ خاص لــ"بصائر": "لا بد للزوج الصالح أن يتحمل أذى زوجته ولا يضربها إلا بقصد التأديب ويكون الضرب غير مبرح"، مستشهدةً بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يعرف متى تكون أم المؤمنين عائشة، راضية ومتى تكون غضبى، وكان يخبرها عن ذلك، فعن عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِنِّي لأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى قَالَتْ، فَقُلْتُ: مِنْ أَيْنَ تَعْرِفُ ذلِكَ، فَقَالَ: أَمَّا إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً فَإِنَّكِ تَقُولِينَ: لاَ، وَرَبِّ مُحَمَّدٍ وَإِذَا كُنْتِ غَضْبَى، قلْتِ: لاَ، وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ، قَالَتْ قلْتُ: أَجَلْ وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ مَا أَهْجُرُ إِلاَّ اسْمَك.
وأضافت أن ظاهرة ضرب الزوجات موجودة في المجتمع الفلسطيني بنسبة أقل من المتوسط، مبينةً أنها تعود لعدة أسباب أبرزها الدوافع النفسية، "حيث يحاول الرجل أن يثبت رجولته وذكورته لأن المجتمع الفلسطيني مجتمع ذكوري أي يفضل الرجل على المرأة، وبالتالي يحاول أن يثبت أمام أسرته وعائلته وجيرانه مدى رجولته وأنه قادر على حكم زوجته وأنه هو صاحب القرار والأمر، وبالتالي هي ليست صاحبة سلطة أو وجود في حياته، وهذا يعطيه نوع من الفخر في نفسه بأنه رجل بمعنى الكلمة، موضحةً في الوقت ذاته بأن ذلك الصنف من الرجال لا يفهم معنى كلمة الرجولة"، على حد تعبيرها.
وتابعت اللولو قائلةً: "كما يمكن أن يعود سبب ضرب الزوجات إلى وجود مرضٍ نفسي لدى الرجل، ربما لأنه كان يرى أباه يضرب أمه مثلا، أو أن أخته قد ضُربت من زوجها عدة مرات مما يجعل ترسبات نفسية لدى هذا الرجل".
وأضافت أنه من الممكن أن يرى الرجل الذي يقوم بضرب زوجته بأن الجميع من حوله يقومون بتحقيره في شخصيته، وعندما يتعرض للتحقير والاستهزاء، فالمجال الذي يستطيع أن يثبت فيه نفسه هو ضرب زوجته الضعيفة في البيت، بحسب اللولو.
وأشارت إلى أن البعض يصنف ظاهرة ضرب الزوجات تحت بند السلطة الضائعة وغير محددة الهوية، مؤكدةً على أن الأصل في السلطة، معروفة بأن الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض، "فالقوامة للرجل وكل امرأة تعترف بذلك، لكن.. هل القوامة تعني الضرب؟!! القوامة لها أحقية بما أنفقوا، وبما فضل الله بعضهم على بعض، فعندما ينفق الرجل تكون له القوامة، فهو سيد البيت وله حق الإدارة، ولأن الزوجة تتعامل وتتصرف مع أولادها والأمور الأخرى بعاطفتها فوضع هذا الجانب للرجل وأصبحت القوامة له".
تأثير ضرب الزوجات على العلاقات الأسرية
وأوضحت اللولو بأن ضرب الزوجات له تأثير مدمر سواء على الزوجة أو الأطفال، "لأن أي إنسان يرى أمه تضرب سيصبح يكره أباه وتسلطه ودكتاتوريته، ولن يحب عملية انهيار أمه وبكائها وضعفها، وفي الوقت ذاته سيكره أمه لأنها لا تستطيع أن تدافع عن نفسها، وبالتالي ستتراكم ترسبات يكون لها أثر كبير جدًا على نفسية الأطفال خصوصاً".
ونوهت إلى أن تلك الترسبات النفسية من الممكن أن تسبب للأطفال تأخراً دراسياً، وحالات انطواء أو حالات تبول لا إرادي، بالإضافة إلى ترسيخ النزعة العدوانية تجاه الآخرين وقد تتطور لتصل إلى مرحلة الجنوح والجريمة.
أما على الصعيد الأسري، فشددت اللولو على أن الزوجة التي تتعرض للضرب والإهانة وتسمع كلمات نابية أو قاسية، تشعر بأن زوجها لا يحبها ولا يقدر جهدها، وبالتالي هي أيضاً لن تقدره ولن تحبه وستصبح العلاقة مفككة بينهما، بالإضافة إلى أنها تتمنى أن تحدث مصيبة لزوجها حتى تتخلص منه وبالعكس.
وتساءلت قائلةً: "كيف سيبحث الرجل عن سعادته الأسرية في ظل اعتداءه عليها وضربه لها ومن ثم يطلب منها أن تكون له زوجة، فهل هي إنسانة مقسمة إلى عدة شخصيات لتتعامل مع هذا الشيء؟! بالإضافة إلى حدوث التفكك الأسري بسبب عدم الانتماء للأسرة، وعدم الحب لتحقيق أي أهدافٍ لها، فكل منهم يسعى إلى إفشال مخططات الآخر".
رؤية المجتمع العربي
ولفتت اللولو إلى أن المجتمعات العربية باتت ذات تنوع فكري وتحضر في السلوك، مستدركةً "لكن ما زال بعض الرجال يتصرفون إلى هذا الوقت بتصرفات الجاهلية".
وقالت: "إن القرآن الكريم أوضح الكيفية التي يتم فيها ضرب الزوجة مستدلة بالآية الكريمة {وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا}، مبينةً أن الضرب وكيفيته فسره الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأنه الضرب بـ"السواك" وذلك عند وصول الشقاق إلى مرحلة متقدمة وحينها يتم الضرب بالسواك، وهو مثل فرشاة الأسنان"، على حد تعبيرها.
واسترسلت قائلة: "لا يقصد بالضرب على الوجه أو على الكليتين، أو ضرب رأسها بالحائط، ولكن بالتشويح بالسواك، ليدلل لها على أنها وصلت إلى مرحلة متقدمة من العصيان، فهي عظة لكن بصورة حركية عامة وليس الضرب المبرح والإهانة، وكسر يدها أو رجلها أو ضربها بأداةٍ حادة أو تمزيق شعرها.. وهذه كلها أفعال إجرامية وعدوانية، فكيف يكون زواج عن مودة ورحمة في ظل هذه التصرفات؟!
وذكرت اللولو بأن الناس في الوقت الحالي بدؤوا يرجعون إلى الإسلام بشكل أكبر، ويتفهموا بأن كل المشاكل تحل بالود والتفاهم.
الحل الأمثل عندما تشب نيران الغضب
" اللولو: يجب على الزوج أن لا يتصور بأن زوجته ملاك ولن تخطئ فهذا تصور غير سليم، لأنها من الممكن أن تخطئ وهو عليه أن يكتم غضبه، أو يحاول أن يخرج من البيت، أو يغير مكانه"
ونوهت إلى أنه لا بد من الرجل أن يضبط نفسه أولاً عند حدوث أي شيء لا يعجبه من زوجته لأن ضبط النفس مهم جدًا وكل إنسان يخطئ، ويجب على الزوج أن لا يتصور بأن زوجته ملاك ولن تخطئ فهذا تصور غير سليم وغير صحيح، لأنها من الممكن أن تخطئ وهو عليه أن يكتم غضبه، أو يحاول أن يخرج من البيت، أو يغير مكانه، مستدلةً بما أرشد إليه النبي –صلى الله عليه وسلم- بقوله: "إذا كان الإنسان قائماً فليجلس، وإذا كان قاعداً فليضطجع، وإذا كان يتكلم فليسكت؛ لأن تغيير الهيئة في حال الغضب تساعد في زواله".
وأردفت قائلةً: "أيضاً على الزوجة أن لا تحاول أن تزيد شدة غضب زوجها بالتحدي، لأن ذلك سيوصلها إلى جانب الضرب، وبالتالي إن التزم كلاً من الزوج والزوجة بذلك سوف تنفرج الأمور".
صورة الأسرة لدى الجيران
ولفتت اللولو إلى ضرورة أن تبقى المشاكل في بيت الزوجية، "لأن خروج المشكلة من بيت الزوجية هو بحد ذاته مشكلة، نظرا لأن الزوجين سوف يتعرضان لانتقادات الآخرين وكل شخص منهم سوف يبدي وجهة نظره، وبالتالي سوف يحرضون الزوج على زوجته، مما سيزيد الطين بِلة، فالرجل سوف يثبت بأنه لن يتنازل وهي تريد أن تثبت أنها على حق، وبالتالي هذا الشيء سيؤجج الخلاف بينهما".
وأضافت بأن الأزواج الذين يخرجون مشاكلهم خارج بيوتهم تكون صورتهم أمام الجيران خاصة والناس بشكل عام سيئة وينظرون على أنهم غير محبوبين وغير محترمين، مشددة على أن الناس في وقتنا يبحثون عن قصة ليتداولوها، وعند ذلك سيجعلون من أنفسهم قصة وأضحوكة أمام الناس، "فالمشاكل تحل بهدوء داخل بيت الزوجية دون إخراجها خارج المنزل".
نصيحة للزوجة
ووجهت اللولو رسالةً إلى الزوجة قائلةً: "يجب على الزوجة أن لا تتقبل عملية الضرب، كما يجب أن يكون هناك من يحاول أن يوقف الزوج عند حده، لأن الاستمرار بهذا الشكل خطأ فادح، مؤكدةً على ضرورة أن يكون حكماً من أهله وحكماً من أهلها كما هو في الشرع، وإذا استعر الخلاف بينهما يتدخل الحكمان ويعظوا الزوج بأنها ليست جارية لتقوم بضربها بصورة مستمرة وعليها هي أيضاً أن ترفض هذا الأسلوب ولا تقبل فيه".

ومن جهته، قال الدكتور أحمد عودة أستاذ الحديث الشريف وعلومه المساعد ورئيس قسم تعليم التربية الإسلامية في الجامعة الإسلامية بغزة: "يجب أن يتعرف كلٌ من الزوجين على حقوق وواجبات الآخر، فإذا عرف كل منهما ما له وما عليه عندها أنا أعتقد أن كل هذه الخلافات ستزول".
وأضاف أن المرأة إذا كانت مأمورة بطاعة زوجها وبطلب رضاه فالزوج أيضا مأمور بالإحسان إليها واللطف بها والصبر على ما يبدو منها من سوء خلق وغيره وإيصالها حقها من النفقة والكسوة والعشرة الجميلة لقول الله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ}.
كيفية تعامل النبي مع زوجاته؟
وأوضح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو القدوة الحسنة لنا في كل الأمور حتى في بيته، ورد الكثير عن تعامله مع زوجاته، واستشهد بقول عائشة رضي الله عنها عندما سألت: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله، تعني خدمة أهله، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة وكأنه لا يعرفنا" أي أنه كان مقسم أموره بين بيته والقيام بما عليه من واجبات، بحسب عودة.
هل الضرب مباح في الإسلام؟
وذكر عودة أن الضرب "وارد في شرعنا، ولكن بآداب، وقواعد، وشروط، وليس مفتوحاً بشكل مطلق كما يعتقد بعض الرجال، مؤكداً على أن كيفية الضرب تكون بالسواك، بالإضافة إلى أنها يجب أن لا تمس الوجه، أو الضرب المبرح، أو الكسر،كما يجب أن يستصحب الرجل أثناء هذه المعاملة، أن القصد حصول المقصود من صلاح الزوجة وطاعتها زوجها، لا أن يكون قصده الثأر والانتقام، فالله سبحانه وتعالى يقول: {واللاتي تخافون نشوزهن}، مؤكداً على أن العلاج في آخر الآية الكريمة هو الضرب، وليس الضرب المبرح بل بالضوابط التي ذكرت سابقاً".
واستنكر عودة ما يحدث عندنا في الوقت الحالي، حيث "يأتي الرجل بحل المشكلة من النهاية وهي الضرب، فيجعلها تتفاقم بشكل أكبر، منوهاً إلى أنه لو عمل كما جاء بالقرآن، فلن يصل إلى حد مشكلة الضرب".
كيف ينظر الإسلام لمن يقوم بضرب زوجته؟
"عودة: يحق للزوج تأديب زوجته في إطار واجباته وحقوقه، لكن الكثير من الرجال لا يفهمون ما لديهم من حقوق وواجبات"
وأشار عودة إلى أن الضرب في الأصل مذموم في ديننا، كما أن له قواعد في الإسلام ذكرت سابقاً، ومن يخالف هذه القواعد فهو بعيد عن منهج النبي -صلى الله عليه وسلم- ويجب على الإنسان أن يكون على قدر المسؤولية ويفهم جميع الضوابط.
ونوه إلى أنه يحق للزوج تأديب زوجته في إطار واجباته وحقوقه، مؤكداً على أن الكثير من الرجال لا يفهمون ما لديهم من حقوق وواجبات، الأمر الذي يؤدي إلى قيامهم بضرب زوجاتهم دون وجه حق.
وذكر أن الحل يكمن في التحلي بتقوى الله -سبحانه وتعالى- وأن يعظ كل منهما الآخر، "وأقول للزوجات عليهم أن لا يجاروا أزواجهم في التحدي والحديث، وعليهم أن يستعيذوا بالله من الشيطان الرجيم".
رسالة للأزواج والزوجات
ووجه عودة رسالة في ختام حديثه لــ "بصائر" قائلاً: "رسالتي للأزواج بتقوى الله -سبحانه وتعالى- ومعرفة بأنه إذا أفلت من عقاب الدنيا فهناك عقاب أخروي ينتظره، والرسول يقول: "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي".
وقال عودة: "أوصى رسولنا الكريم في نهاية حجة الوداع على النساء وقال: "اتَّقُوا اللَّهَ في النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذلك فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غير مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ".
وقال أيضاً: "ألا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ" أي كأسيرات عندكم، فالأصل أن يعاملها بكل ود واحترام، وإعطائها كل ما لها من حقوق مقابل أن تؤدي المرأة كل ما عليها من واجبات، مبيناً أن الرجل المتدين والمتفهم للدين سيحترم هذه المرأة مهما حدث بينهما".
أما رسالتي للنساء: "الصبر والاحتساب وإذا تفاقمت الأمور عليها أن تخبر أهل الإصلاح"، على حد تعبيره.