بين أهم ما أُثِرَ عن الرسول الكريم "صلَّى اللهُ عليه وسلَّم"، مقولة تعبر عن المحتوى القيمي والأخلاقي الذي في الإسلام، والذي ينبغي أن نكون عليه كمسلمين، وبما أنه أيضًا "صلَّى اللهُ عليه وسلَّم"، هو أسوتنا الحسنة.
تقول هذه العبارة: "علمني ربي!"..
وما علمه ربه إياه، "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"، كثير، يبدأ بأصغر سلوك في حياة الإنسان، وصولاً إلى عظائم الأمور، من شؤون السياسة والحرب والسلم، ونشر دعوة الإسلام في العالم.
كل هذه الأمور؛ لم يكن تلقين الإله الواحد لرسوله الخاتم "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"، إياها، لتزكية شخص النبي "عليه الصَّلاة والسَّلامُ" فحسب، على أهمية ذلك في نشر دعوة الإسلام في أحرج فترات هذا الدين، وهي سنوات التأسيس والترسيخ الأولى؛ وإنما كان أيضًا لعدد من الأهداف والغايات الأخرى، وعلى رأسها التأسيس للقواعد والأصول الثابتات المفترض على المسلمين، في كل زمان ومكان.
وفي هذا الإطار، لم يترك الخلق النبوي صغيرةً ولا كبيرةً إلا وكان له فيها مما علمه "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"، ربُّه جل وعلا.
وكان حرص الرسول الكريم "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"، على التأكيد على أن هذا الأمر هو من عند الله عز وجل، وبالتالي؛ فهو لا يجوز لأي مسلم الخروج عنه، باعتبار أنها قواعد التربية الإلهية التي علمها الله عز وجل لنبيه "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
وهو ما أكد عليه القرآن الكريم في أكثر من موضع، مثل {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [سُورة "الحَشْر"- من الآية 7]، وفيه أيضًا {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} [سُورة "النِّساء"- الآية 80].
وفي صحيح السُّنَّة النبوية، فعن أبي هريرة "رَضِيَ اللهُ عَنْه"، قال: سمعت رسول الله "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"، يقول: "ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم" [متفق عليه].
والمتتبع لحياة الصحابة "رَضِيَ اللهُ عَنْهم أجمعين"؛ فإنه سوف يجد أن هذا الأمر، كان بمثابة قانون لحياتهم، ولذلك استطاعوا في عقود قليلة، أن يتوجوا العالم القديم بأسره بنور الإسلام، والله متمٌّ نوره ولو كره الكافرون.
ومن نافلة القول في هذا السياق، التأكيد على أن الرسول الكريم "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"، كان أحسن الناس خُلقًا وأكرمهم، وأكثرهم تقوى.
ففي الصحيحَيْن، يقول أنس "رَضِيَ اللهُ عَنْه": "كان النبي "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" أحسن الناس خُلُقًا"، وعن صفية بنت حُيَي "رَضِيَ اللهُ عَنْها"، أنها قالت: "ما رأيت أحسن خُلُقًا من رسول الله "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" [أخرجه الطبراني في الأوسط].
"حسن الخلق مع الله يكون بتلقي أحكامه الشرعية بالرضا والتسليم، أما مع الناس فيشمل كف الأذى والصبر عليهم وطلاقة الوجه وغيرها"
ويقول الشيخ العثيمين، في شرحه للحديث السابع والعشرون، من الأحاديث الأربعين النووية، إن حسن الخلق، يشمل حسن الخلق مع الله عز وجل، وحسن الخلق مع عباد الله سبحانه وتعالى.
وحسن الخلق مع الله؛ يعني تلقِّي أحكامه الشرعية، بالرضا والتسليم، وألا يكون في نفس الإنسان حرج منها، أما مع الناس، فيشمل كَف الأذى والصبر على الأذى، وطلاقة الوجه وغير ذلك مما كان عليه حال الرسول الكريم "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
ومما اشتُهِر عنه "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"، الصدق والأمانة، والصدق يعني قول الحقيقة، مهما كانت، ومن دون اجتزاء، أما الأمانة فتعني أداء الحقوق، والمحافظة عليها، وكلاهما خلقٌ جاء في القرآن الكريم أهميته؛ بل إن لأهمية الصدق؛ فإن الله عز وجل وصف به رسالته وتعاليمه، وربط اتباع شريعته بالتقوى، والتي هي أهم ما يجب على المسلم؛ أن يتقي الله تعالى، في كل قوله وفعله.
فيقول تبارك وتعالى في كتابه العزيز: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [سُورة "الزُّمَر"- الآية 33].
"لينظر كل مسلم منَّا إلى نفسه، إلى ما يفعل. هل هذا الذي يفعل؛ مما علمه له ربه، أو أراده منه؟! هل يتفق مع الهدي النبوي؟! وخُلُق الرسول الكريم؟"
وفي هذا الإطار؛ فلينظر كل مسلم منَّا إلى نفسه، إلى ما يفعل؛ هل هذا الذي يفعل؛ مما علمه له ربه، أو أراده منه؟!.. هل يتفق مع الهدي النبوي؟!، وخُلُق الرسول الكريم "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"؟، الذي كان خُلُقه القرآن الكريم، كما قالت السيدة عائشة "رَضِيَ اللهُ عَنْها"؟..
قد يرى البعض في هذا الحديث خطابًا سياسيًّا، تبعًا لما شهدته مواقف بعض المنتمين أو المحسوبين على الحركة الإسلامية والتيار الصحوي، من تحولات في الخطاب والآليات، قادتهم إلى الخروج عن المنهج القويم الذي وضعه الآباء الأوائل للدعوة، وعلى رأسهم الإمام الشهيد حسن البنا، مما أدى إلى تقديم خدمات مجانية لأعداء المشروع الحضاري الإسلامي.
وقد يكون الحديث في الإطار التربوي، والقيمي الأخلاقي، وهو الأساس الذي بُنِيَتْ عليه دعوة الإسلام، سواء في العهد النبوي، في سنوات البعثة الأولى، أو في مرحلة بناء الدولة، أو في القرون التي سادت فيها دولة الخلافة الإسلامية، العالم.
لا فارق يكمن في طبيعة الحديث في هذا الموضع، ولكن المهم المحتوى، وأهم ما فيه هو أننا نؤكد على الثوابت، تلك الثوابت التي تاهت في خضم زحام العشوائية والفوضى الفكرية والإعلامية السياسية الراهنة، والتي تفاعلت في إطار الحرب السوداء الراهنة على المشروع الحضاري الإسلامي، والذي حمله التيار الحركي الصحوي، وفي القلب منه الإخوان المسلمين.
هذه الثوابت تؤكد على المحتوى الأخلاقي والقيمي للإسلام كدين وحضارة وحياة، وأن هذا هو الأساس الذي علم اللهُ سبحانه وتعالى، لنبيه "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"، ولذلك هو أساس قبول رب العزة سبحانه، للعمل، وللجهد المبذول، وصبغه بصبغة النصر والدعم والتأييد!