إن الباحث في أدراج التاريخ سيجد ولا بد أن من يصنع الحضارات ويقود الأمم هم فئة قليلة نذرت نفسها لهذه المهمة وسعت في عمل دؤوب لجعل المجد والرفعة واقعا في حياة الناس، وبحسب الدراسات فإن 2% فقط من مجموع الأمة كفيلة بتحريك الناس والتأثير فيهم بل وصناعة مجد الأمة ورسم تاريخها بمداد الشرف والكبرياء.
وقد لا تخفى هذه المعلومة على أحد، ولكن المشكلة تكمن في صناعة هذه الفئة، بل والأهم الثقة بها وإفساح المجال أمامها لكي تأخذ دورها. فَشبابنا متحمس وجاهز، والكثير منهم انطلق في دروب الحياة يشق طريقه بنفسه ليضيف لبنة في صرح الحياة ويترك من خلفه الأثر، ولكنّ الشاب النهضوي لن يصمد طويلاً وقد وقف وحيداً دون تشجيع وثناء ووقوف إلى جانبه ومساندته.
"الشباب هم العمود الفقري في مجتمعاتنا والقلب النابض فيه، وهم اليد القوية والعزم الفتي، بما يحملونه في قلوبهم من إيمان وإخلاص وحماسة"
ولذا فإن على أهل الرأي والخبرة وأصحاب القرار أن يؤمنوا بالشباب ويأخذوا بأيديهم قدماً نحو مشروع النهضة والتغيير، فالشباب هم العمود الفقري في مجتمعاتنا والقلب النابض فيه، وهم اليد القوية والعزم الفتي، بما يحملونه في قلوبهم من إيمان وإخلاص وحماسة، وعليهم أيضا أن ينظروا جيدا لكي يروا بأن الأشبال الصغار قد كبرت وباتت قوية يافعة، تبحث عن دورها لكي تخوض وتساهم في بناء مشروع آمنت به وترعرعت عليه.
ولكن ما زالت الشريحة الأكبر من قيادات الصف الأول لا تؤمن بالشباب وتنظر إليهم نظرة الفتية الطائشة المتحمسة وليس ذلك غريباً؛ لأن الأسباب قائمة والمبررات معدة مسبقة والحواجز لا يمكن تجاوزها ومنها:
1. غياب ثقافة الإشراك الإيجابي في البيئات التنظيمية.
2. حقيقة صراع الأجيال بين النخب القيادية والثقافة الموروثة والمكتسبات الشخصية التي يجب المحافظة عليها.
3. نقص القدرات والكفاءات بين الشباب، والتي تعود بشكل رئيسي إلى ضعف التكوين.
4. ضعف برامج بناء القدرات وسوء التخطيط من جانب القيادات.
5. عدم استيعاب اللوائح والأنظمة لمشاركة الشباب في أطرها القيادية الأولى.
ولكن اليوم والمتغيرات تعصف بالمنطقة والعالم لا بد من تعليق الجرس وأخذ زمام المبادرة ورفع يد الوصاية "المعطلة" عن الشباب ليأخذوا دورهم، ولتتاح لهم فرصة المشاركة الحقيقة في صناعة القرار واستلام دفة القيادة بتدرج ودربة تحولان دون خسارة أو انحراف.
"لا بد من وجود لجنة وهيئة تحرص على اكتشاف العناصر الواعدة المبدعة في كل مجال اكتشافا مبكرا ورعايتها في ظل مناهج واضحة محددة المعالم"
ولتكن البداية من خلال العمل على:
1. الرقي بالتربية التطويرية:
فلا يكاد يخلو مجلس من الشكوى والتذمر بكثرة الأعمال والمهام التي تحتاجها الأمة وبقلة الرجال القادرين على حمل هذه المهام والقيام بتبعاتها، ولأجل ذلك لا بد من وجود لجنة وهيئة تحرص على اكتشاف العناصر الواعدة المبدعة في كل مجال اكتشافا مبكرا ورعايتها في ظل مناهج واضحة محددة المعالم.
2. تطوير الهياكل التنظيمية لإشراك الشباب في صناعة القرار:
وعلى الصعيد الآخر لا بد من إعادة قراءة النظم والهياكل المعمول بها، لتصعيد الشباب بشكل أكثر إلى مستوى السلم القيادي والإداري لتتاح لهم فرصة الالتحام والاشتباك والمخالطة، فيتعلموا بالمشاهدة والمحاولة والتجريب، ولا يكتفون بدور الجمهور أو من يعمل على تكثير سواد فقط.
وهذه جملة من الاقتراحات لعلها تكون شعلة البدء في هذا الأمر:
1. إيجاد اللجان والهيئات التطويرية التي تعنى بكشف المواهب والقدرات مبكرا وتوظيفها بالشكل المناسب.
2. فتح مجالات أوسع للعمل من خلال مؤسسات تخدم هذا الأمر.
3. الاهتمام بالدورات المتخصصة.
4. مراجعة الهيكل التنظيمي بما يخدم هذا الهدف.
5. البحث عن برامج التدريب التي تقدمها منظمات المجتمع المدني.
6. تطوير برامج بناء القدرات المستهدفة التي تركز على تعزيز المهارات والخبرات.
7. نقل الخبرات عن المشاركة الفعالة للشباب في بعض المناطق والبلدان.
هي صيحة لتجديد الثقة بهذه العناصر الشابة الصاعدة، صيحة لنتعهدهم ونتابعهم ولا نقتل روح الإبداع والتغيير فيهم، بأن نسير معهم بمشية الهوينا دون أن نبتعد عنهم كي لا يتيهوا أو يضلوا ويحلقوا خارج السرب مغردين.
ولنستمع لقول الشاعر محمد براح:
أشبالنا كبروا .. ويكبُر شوكنا
مَن كان يحبو .. صارَ لا يهوى الرُقود
إنَّا عَرفنا كيفَ نُبدع؟
كيف نصنعُ من جماجمِنا الصُعود