الزواج. المشروع الأكثر تعقيداً على وجه الأرض، ذلك المشروع المحبوب المخيف، لن يخاف الإنسان من أن يفشل في أي مشروع يقيمه في حياته كخشيته من فشله في الزواج، ولن يكون سعيداً بأي مشروع طالما أن مشروع زواجه لم ينجح، فإن نجح هذا المشروع فإن الدنيا بأكملها لن تتسع له ولفرحه؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من سعادة ابن آدم المرأة الصالحة، والمسكن الصالح، والمركب الصالح". (رواه أحمد بإسناد صحيح). وقوله صلى الله عليه وسلم: "ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله تعالى خيرا من زوجة صالحة، إن أمرها أطاعته، وإن نظر إليها سرته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها نصحته أو حفظته في نفسها وماله". (رواه ابن ماجه).
والزواج ضرورة ملحة، لا يستطيع البشري أن يتخلى عنه سواء أكان رجلا أم امرأة، فهذه حاجة خلقها الله فينا منذ خلق السموات والأرض، فقد ورد في الآثار أن الله تعالى لما خلق آدم عليه السلام وحده في الجنة استوحش، فخلق الله له حواء من ضلعه كي يأنس بها، فالجنة بجمالها وتنوعها لم تؤنس آدم عليه السلام قدر ما آنسته حواء التي خلقت منه وله.
وفي القرآن الكريم يخبرنا الله عز وجل عن الزواج: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} [الروم:21].
فالزوج هو الشق الآخر والمكمّل لقرينه، وهو السكن أي الراحة والطمأنينة، وجعل الله أساس العلاقة تقوم على المودة والرحمة على التواد والتراحم حتى تقوم بذلك الأسرة على أساس قويم.
وحتى لا يقع الطرفان ضحية الاختيار ساهم الإسلام في وضع الشروط والمطالب التي من شأنها أن تساعد على أن يكون الزواج قائما كما أراد الله عز وجل للسكن وبمودة ورحمة، فعن الرجل قال عليه الصلاة والسلام: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير" (رواه الترمذي وغيره)، وعن المرأة قال: "تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك" (متفق عليه).
وهنا لا بد من التفريق بين التدين كمظهر وبين التدين كسلوك، ومعيار التفرقة هو السلوك والأداء وهو ما ينعكس على الأخلاق، أي معيار التدين هو الأدب والخلق، فكثير الصلاة لا يعني بحال التدين ولا كثير الصيام ولا غيرهما فقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لا يعجبنكم طنطنة الرجل، ولكن من أدَّى الأمانة وكفّ عن أعراض الناس، فهو الرجل، فهو الرجل"
وقال رضي الله عنه أيضاً: "لا تنظروا إلى صلاة امرئ ولا صيامه، ولكن انظروا إلى عقله وصدقه".
وقد ورد مثل ذلك في سنة النبي صلى الله عليه وسلم: "قال رجل يا رسول الله إن فلانة يذكر من كثرة صلاتها وصدقتها وصيامها غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها قال: هي في النار قال: يا رسول الله فإن فلانة يذكر من قلة صيامها [وصدقتها] وصلاتها، وإنها تتصدق بالأثوار من الإقط، ولاتؤذي جيرانها[ بلسانها]، قال: هي في الجنة" (أخرجه أحمد في المسند).
وسأل عمر عن رجل شهد عنده بشهادة، وأراد أن يعرف هل له من يزكيه، فقال له الرجل: إني أشهد له وأزكيه يا أمير المؤمنين. فقال عمر: أأنت جاره في مسكنه؟ قال: لا. قال: أعاشرته يومًا فعرفت حقيقة أمره؟ قال: لا. قال: أسافرت يومًا معه؛ فإن السفر والاغتراب محك للرجال؟ قال: لا. قال عمر: لعلك رأيته في المسجد قائمًا قاعدًا يصلي؟ قال: نعم. قال: اذهب، فأنت لا تعرفه.
"طول لحية الرجل ولبس الحجاب للمرأة وكثرة الصلاة والصيام قد لا تكون معياراً حقيقياً لسلوك وأخلاق كل منهما"
فطول لحية الرجل ولبس الحجاب للمرأة وكثرة الصلاة والصيام قد لا تكون معياراً حقيقياً لسلوك وأخلاق كل منهما، وإنما يجب معرفة كيفية تعاملهما مع الناس ممن حولهم من الجيران أو الشركاء أو رفقاء السفر، فلا يغتر أحدهما بمظهر الآخر وإنما يجب عليه التحرز جيداً والسؤال عنه من مصدر موثوق والمستشار مؤتمن.
وفي يومنا الحالي رأينا نسب الطلاق ترتفع بشكل متزايد في وطننا الإسلامي وبشكل مؤسف، ولعل أحد أهم العوامل في ذلك هي نظرة الرجل لزوجة المستقبل وكذلك نظرة المرأة لزوج المستقبل.
فللأسف فإن كثيراً من شبابنا اليوم ينظر للمرأة على أنها خادمة في بيته، تسمع كلمته دون حوار أو نقاش، لا ترد له كلمة، إذا دخل البيت فإن على الجميع أن يصمتوا خشية إزعاجه، لا ينفذ إلا ما يقتنع به، وغير مستعد للدخول مع زوجته في حوار مطلقاً، ويهمه تلبية رغباته وفقط، فالمرأة عليها أن تعد له أحسن الطعام والحلوى وتنظف من ورائه كل البيت وملابسه وكأنها جارية عنده، ولا يتقرب منها إلا إذا أرادها في الفراش، فمنذ البدء تراه يبحث عن الفتاة الجميلة ذات العيون الساحرة وبغض النظر عن سلوكها وأخلاقها وثقافتها ودينها وكثير منهم من يبحث أيضا عن موظفة تدر عليه الدخل نهاية كل شهر.
بينما تحلم المرأة بزوجها المعاصر ذي المال الوفير الذي لا يسألها ولا يحاسبها ولا يتدخل في شؤونها الخاصة وزياراتها وأصدقائها، فهي تنتظر الزوج الذي يلبي لها رغباتها تامة دون التدخل المطلق في أي شأن من شؤونها، والتي ترى وجوب تعاون الزوج معها في النظافة والترتيب في البيت ولها الحق كما له في الخروج من المنزل والعمل دون أن يلزمها بشيء، فهي حرة التصرف كما هو حر التصرف.
وفي الحقيقة فإن البيوت السعيدة تقوم على غير ذلك تماماً، ولكن ذلك كله لا يكون دون حسن الاختيار منذ البدء.
وكل بيت يدار بما يرضي أطرافه الداخلية، فما يصلح لبيت بين الزوجين قد لا يصلح لآخر، وهذا ما يقرره الزوجان من خلال الحوار والنقاش الهادئ والذي يقوم على الحجة والمنطق، على أن القوامة محفوظة للرجل وله حقوق وضّحتها الشريعة، كما للمرأة حقوق وضحتها الشريعة، وأن الرجل مسؤول عن زوجته وعن رعايتها وتلبية ما تحتاجه مما لا تستطيع أن تقوم به وحدها فهذا حق شرعي كفله الإسلام للرجل والمرأة على حد سواء.