الكذب .. آفة كل عصر

الرئيسية » خواطر تربوية » الكذب .. آفة كل عصر
الكذب

الكذب كلمة بسيطة في مبناها، عظيمة وكبيرة في دلالتها ومعناها ولدى سماعها يتغير المزاج وتتقلب الأنفس فكم نستصغر الشخص الكاذب ونستحقره.

إنه من أبشع العيوب والجرائم، ومصدر الآثام والشرور، وهو من آفات العصر الشائعة، فكثير من المسلمين -للأسف- يعتقدونه شيئاً أساسياً ولا يمكن الحياة بدونه، ففي المثل الشعبي يقال: (الكذب ملح رجال)، متناسين بذلك كل النصوص الشرعية والأحاديث الصحيحة الواردة في تحريم هذه العادة، فلطالما كان الكذب صفة دنيئة وضيعة، صاحبها في أعين الناس مخادع غير موثوق به، وتتسبب بخسارته الدنيوية والآخروية.

فكيف للنفس المؤمنة أن ترتاح بالكذب؟!

وكيف لها أن تهنأ بنومها؟ وأنى لها ذلك..!! فسيأتي ذلك اليوم وتدرك حجم المعاناة النفسية بسبب ذلك الفعل.
فالكذب هو: الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو، أو مخالفة القول للواقع كما عرفه الإمام النووي، فقد قال عليه الصلاة والسلام: "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب واذا وعد أخلف واذا اؤتمن خان" (متفق عليه). وفي ذلك دلالة واضحة على ذم هذه العادة السيئة، واتصاف صاحبها بصفة النفاق.

وقد يأتي أحدهم ويقول: لا نقوم بهذا الفعل –الكذب- لتضليل الناس، أو خداعهم، وإنما للترفيه عنهم، وإثارة أجواء من المتعة في مجالسهم، وربما للفت الأنظار، جاهلاً أو متجاهلاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً" (رواه أبو داود).

لذا فقد أُمرنا بالصدق دوماً في أقوالنا وأفعالنا، وكان رسولنا الكريم هو نعم القدوة عليه الصلاة والسلام، فقد كان لقبه من قبل بعثته (الصادق الأمين)، وقد روي أنه قد قيل لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: "أيكونُ المؤمنُ جبانًا ؟ قال: نعم، فقيل له: أيكون المؤمنُ بخيلًا ؟ فقال: نعم، فقيل له: أيكونُ المؤمنُ كذَّابًا ؟ فقال:لا". (رواه مالك في الموطأ وفي سنده ضعف).

وبناء على ما سبق، فقد بين الحديث الشريف أن المؤمن قد يكون جباناً خائفاً، وقد يكون بخيلا، وهذان خلقان مذمومان قد استعاذ منها النبي صلى الله عليه وسلم في أدعيته، ولكنه لم ينفهما عن المؤمن، بينما نفى عنه صفة الكذب، وبين أن المؤمن لا يكون كذاباً مخادعاً، أي تغلب عليه صفة الكذب وتلازمه لتصبح من خُلقه وعادته المشهور بها عند الناس.

وترى أحدهم لا يبالي بكلمة قالها وحُسبت له كذبة، ففي زمننا يتساهل الكثيرون بالكذب ولا يلقون له بالاً، ولا يستشعرون مراقبة الله لهم، وقد جهلوا جزاء الكاذب وجهلوا خطره، وقد يكون الشخص قد اعتاد على ذلك منذ صغره وهذا الخطر الأكبر، فكما يقال: (من شبَّ على شيء شاب عليه)، ومنهم من له نظرة أخرى، فهو يرى في الكذب مباهاة أمام الناس، ونوع من الذكاء، وحسن التصرف، ولا يعترف بأنه كذب حرام.

فأمثال هؤلاء يجب توعيتهم بمخاطر الكذب، وتوضيحه لهم، فليجبر نفسه على تحمل المسؤولية، وقول الحق حتى وإن كان هذا صعبا، فمع الوقت سيعتاد ذلك، وعليه انتقاء أصدقائه الخيرين الصالحين، والابتعاد عن أصدقاء السوء، فالصحبة هي أقوى مؤثر على عادات وأخلاق المسلم.

ولنستشعر قول نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم دوما: "عليكم بالصدقِ فإنَّ الصدقَ يهدي إلى البرِّ وإنَّ البِرَّ يهدي إلى الجنةِ وما يزالُ الرجلُ يصدُقُ ويتحرَّى الصدقَ حتى يُكتبَ عند اللهِ صِدِّيقًا، وإياكم والكذبُ فإنَّ الكذبَ يهدي إلى الفجورِ وإنَّ الفجورَ يهدي إلى النارِ، وما يزالُ العبدُ يكذبُ ويتحرَّى الكذبَ حتى يُكْتَبَ عندَ اللهِ كذَّابًا" (رواه مسلم).

فما أجمل وما أرقى أن يعرفك الله ويناديك ويسجلك عنده بـ (الصديق) وهي صفة مبالغة للصدق، ويهديك ربك تعالى لطريق الجنان بسبب صدقك، وما أبشع أن تعرف عند الله (كذاباً)، فكيف ستكون حال من عرف بهذا في الآخرة يا ترى؟!

إذن هما طريقان واضحان، إما للجنة وإما للنار، وعليك الاختيار، قال تعالى: {إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا} [الإنسان:3].

اللهم اجعلنا من الشاكرين الذاكرين الصادقين، في أقوالنا وأفعالنا، واهدنا سواء الصراط.

معلومات الموضوع

الوسوم

  • الصدق
  • الكذب
  • اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
    كاتبة في موقع بصائر الإلكتروني، حاصلة على درجة البكالوريوس في تخصص الدعوة والإعلام الإسلامي/ الدراسات الإسلامية.

    شاهد أيضاً

    مسؤولية التعلم ولو في غياب “شخص” معلم

    ربما من أوائل ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن العلاقة بين المعلم والمتعلم، قصيدة …