تجفيف الروافد الدعوية .. استنزاف يؤول إلى الضعف

الرئيسية » بصائر الفكر » تجفيف الروافد الدعوية .. استنزاف يؤول إلى الضعف
يعتبر الرفد الدعوي والحشد الجماهيري عاملاً مساعداً لاستجابة الناس للدعوة، فكثير من الناس من ينظر إلى العدد والأتباع فإن رأى كماً كبيراً سارع بالانتساب واللحاق.
يعتبر الرفد الدعوي والحشد الجماهيري عاملاً مساعداً لاستجابة الناس للدعوة، فكثير من الناس من ينظر إلى العدد والأتباع فإن رأى كماً كبيراً سارع بالانتساب واللحاق.
يعتبر الرفد الدعوي والحشد الجماهيري عاملاً مساعداً لاستجابة الناس للدعوة، فكثير من الناس من ينظر إلى العدد والأتباع فإن رأى كماً كبيراً سارع بالانتساب واللحاق.

فجر الدعوة الإسلامية، سعى النبي صلى الله عليه وسلم جيداً لضم الصفوف الأولى من كبار قريش لهذه الدعوة المباركة، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم جيداً ماذا تعني وجود كثرة العدد مع النخب داخل الصف الدعوي، فقد كان تركيزه كمّاً ونوعاً على أتباع هذه الدعوة وهذا ما تستطيع أن تلمسه بشكل واضح في ما ورد من حديث  عائشة  رضي الله عنها قالت: "أنزل {عبس وتولى} في ابن أم مكتوم الأعمى، أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول: يا رسول الله أرشدني، وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من عظماء المشركين، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض عنه ويقبل على الآخر، ويقول أترى بما أقول بأساً، فيقول: لا، ففي هذا أنزل". (رواه ابن حبان والحاكم في المستدرك).

إن المتتبع لمسار السيرة النبوية يرى جيداً كم كان اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم برفد الدعوة بالأتباع، وكان عمل النبي صلى الله عليه وسلم يقوم على محورين، محور أفقي ومحور عمودي، فتارة تراه يرسل الرجل إلى قومه ويأمره بأن يبقى يدعو قومه حتى يأتوا مسلمين، وتارة تراه يتصدى للرجل القوي العزيز المهاب ليدعوه إلى الإسلام، وتارة يتوجه بنفسه عارضاً نفسه على الناس لعل قوماً بأكملهم يأخذون هذه الدعوة تبليغاً ونصرة وهو ما نال شرفه الأنصار في المدينة المنورة، ولا يخفى على أحد رحلته صلى الله عليه وسلم للطائف، وكذلك إرسال وفد من الصحابة إلى الحبشة، وإرسال مصعب بن عمير إلى المدينة بعد العقبة الأولى، وهذا كله مما يسترشد به في مسار الدعوات والحركات الإسلامية، إذ إن الحركات الإسلامية ينبغي عليها أن تعي جيداً أهمية الرفد الدعوي بالأعداد وبالأشخاص؛ فشخص كعمر بن الخطاب غيّر مسار التاريخ الدعوي للإسلام، وكذلك حمزة، بينما تكون أنت كذلك بحاجة لكم كبير من الأفراد الذين يقيمون معك مشروعك.

"وجود النخب في الصف الدعوي وحده لا يعتبر كافياً، إذ لا بد من عدد تقوم عليه الدعوة، وهم ذلك الجسم المليء والوقود المحرك، وهم السواد الذين تحصل الهيبة بهم"

فوجود النخب في الصف الدعوي وحده لا يعتبر كافياً إذ لا بد من عدد تقوم عليه الدعوة، وهم ذلك الجسم المليء والوقود المحرك، وهم السواد الذين تحصل الهيبة بهم، ويقع في نفوس أعدائهم الرهبة لهم، كما ويعتبر في كثير من الأحيان عاملاً مساعداً لاستجابة الناس لهم، فكثير من الناس من ينظر إلى العدد والأتباع فإن رأى كماً كبيراً سارع بالانتساب واللحاق.
وفي يومنا الحالي بدأنا نرى التفريط من قبل الحركات الإسلامية عموماً بمبدأ الحشد الجماهيري، الذي هو أسُّ العمل فيها ومنبع زادها، وهو العمل الدعوي أو ما كان يسمى فيما مضى بالدعوة الفردية، الدعوة التي تقوم على بناء الشخصية كي تنتظم في صفوف الدعوة.

لقد رأينا من حركاتنا الإسلامية اليوم من انشغل بالسياسة وترك للعمل الدعوي أو إهماله، ومنهم من اشتغل بالبحث عن الرزق وفتح المشاريع وكل ذلك على حساب العمل الدعوي، ومنهم من اشتغل بإخوانه فأقعدهم عن العمل؛ فلا هو عمل لدعوته ولا ترك العاملين يعملون، فمن فتنة إلى فتنة داخل الصف الدعوي ومن تحريش إلى تحريش، ومن عرقلة لمسيرة الحركة إلى عرقلة أكبر وأشد، ومن الحركات من انشقت على نفسها، ومن الحركات من طمعت في الحكم وتركت العمل الدعوي كذلك، حتى في الجامعات بات كثير من الطلاب الإسلاميين اليوم يسعون خلف الانتخابات الطلابية بكافة أشكالها تاركين خلف ظهورهم الخط الدفاعي الأول ألا هو الدعوة الفردية، ومما لا شك فيه أن العمل الطلابي والنقابي والبرلماني والوزاري والسياسي بكافة أشكاله مطلوب، وهو ميدان على الحركة أن تخوض غماره، لكن ذلك كله من الخطأ أن يكون على حساب الرافد الدعوي، الرافد الذي يضاعف لك أعداد أتباع الدعوة.

"تعبئة الصفوف اليوم يجب أن تكون هي الهم الأول لدى الحركة الإسلامية والتي يجب عليها أن تبذل كل الجهد وترسم الخطط وتبتدع الوسائل لضم الناس إليها"

إن دعوتنا تقوم على التربية الإسلامية الصحيحة، بدءاً من الفرد إلى بيته إلى أن يصلح المجتمع عموماً، إنك لن تستطيع أن تصلح المجتمع بأكمله، لكن الكثرة تغير المظاهر وتنشر الشعائر، فكثرة مؤمنة ستمنع الانحلال الخلقي في الشوارع دون مجهود، وإنما هي الكثرة التي تشيع مظهراً عامّاً أمام الناس، فكثرة المشركين في مكة حالت دون سقوط الأصنام، ولما كثرت الفئة المؤمنة زالت الأصنام أمام من يعبدوها، فدين الناس دين الأكثرية والمشاعر العامة والشعائر تتبع للأكثرية والأغلبية، لذا فإنك لن تجد في مجتمع ملتزم ذلك الفحش الذي تراه عند المجتمع الإباحي.

إن تعبئة الصفوف اليوم يجب أن تكون هي الهم الأول لدى الحركة الإسلامية والتي يجب عليها أن تبذل كل الجهد وترسم الخطط وتبتدع الوسائل لضم الناس إليها، وهذا من شأنه تغيير المجتمع دعوياً، وزيادة مهابة الحركة في نفوس الناس سواء أكانوا مؤيدين لها أم معارضين لها، فالعدد جزء من معادلة النصر، وليست السياسة وحدها، وعلى الحركة الإسلامية السعي خلف النخب، وعليها أن تحتوي متنفذين من هنا وهناك خاصة في مفاصل الدولة لتسهيل مهمة دعوتها ولمجابهة دعاة الإباحية والإلحاد في عالمنا الإسلامي، وللإبقاء على شعائرنا حية في النفوس وعلى أرض الواقع، ولقد رأينا الحركة الإسلامية ذات يوم قد وقفت في وجه المد الشيوعي في عدد من البلدان العربية بسبب تمثيلها في البرلمان وغير ذلك من المؤسسات الفاعلة.

أما الالتفات عن الدعوة والانشغال بغيرها عنها كالسياسة والعمل النقابي والجامعي مع إهمالها، سيؤدي إلى تناقص وتآكل جسم الحركة الإسلامية كما وستبدو الحركة هزيلة ضعيفة يمثلها مجموعة من كبار السن دون الشباب.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

إلى أي مدى خُلق الإنسان حرًّا؟

الحرية بين الإطلاق والمحدودية هل ثَمة وجود لحرية مطلقة بين البشر أصلًا؟ إنّ الحر حرية …