لا شك في أن الحديث عن "نكبة" الفلسطينيين وتشريدهم من أرضهم ومن ديارهم التي بنوا فيها حضارةً متواصلة، يعني الحديث عن "كارثةٍ إنسانية" باغتت شعباً آمناً مستقراً، بتشريد نحو 800 ألف فلسطيني خارج دياره وتهجير وهدم معظم معالم مجتمعهم السياسية والاقتصادية والحضارية عام 1948؛ وهي السنة التي طرد فيها الشعب الفلسطيني من بيته وأرضه وخسر وطنه لصالح إقامة ما تسمى بــ" الدولة اليهودية"، الأمر الذي يتطلب التوقف عند أحداث تلك النكبة بعد مرور سبعة وستين عاماً من النضال المتواصل من أجل العودة، قدم فيها الشعب الفلسطيني خيرة أبنائه من الشهداء والقادة العظام.
فكم مرة تكون ذكرى - نكبة فلسطين- فرصة للتذكير بالمجازر والمذابح التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني، وتارة ما تكون للتأكيد على الأحقية التـاريخية والدينية في أرض الميعـاد، وأخرى بإقـامة فعاليات ونشاطات في الداخل والخـارج للإجماع على أنه لا عودة عن حق العودة.
فهل يمر الكيان الصهيوني بعد 67 عاماً على اغتصاب فلسطين بمأزق حقيقي وغير مسبوق؟ وما هي وسائل المحافظة على حق العودة ومحاربة المكائد التي تحاك ضده؟ وكيف يمكن للشعوب العربية والإسلامية دعم القضية الفلسطينية؟ هذه الأسئلة وغيرها يجيب عليها الدكتور أحمد أبو حلبية النائب في المجلس التشريعي الفلسطيني، فإلى نص الحوار:
بصائر: كيف تنظر إلى الواقع الفلسطيني بعد مرور 67 عاماً على النكبة؟ وهل بتنا على أعتاب تقليص سنين النكبة بتحريرها خاصة بعد الإنجازات التي حققتها المقاومة الفلسطينية خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة – العصف المأكول-؟
د.أحمد أبو حلبية: قدر الله عز وجل أن يُبتلى الشعب الفلسطيني بالخروج من دياره وأرضه على إثر النكبة والعدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني في عام 1948، وذلك الحدث الخطير الذي هجر أهلنا ورحلهم من الديار والأرض إلى الفيافي والقفار في البلاد العربية وما تبقى من فلسطين سواء في قطاع غزة والضفة الغربية وفي الأراضي المحتلة منذ عام 1948.
وحقيقةً هذه النكبة كان لها تأثير كبير في استيلاء العدو الصهيوني على أرضنا الفلسطينية ومن ثم ما قام به خلال عدوانه عام 1967 حيث استكمل احتلال باقي فلسطين، بالإضافة إلى بعض الأراضي العربية في مصر وسيناء والأردن وسوريا وجنوب لبنان، لكن بناءً على حرب عام 1973 استطاع العرب أن يحرروا بعض الأراضي المحتلة (جزء من سيناء بالإضافة الى الجولان)، وتوقيع اتفاقيات سلام "مزعومة" مع العدو الصهيوني حيث فرغ الاحتلال الصهيوني باقي سيناء، لكن بناءً على اتفاقية "كامب ديفيد"، و بناءً على اتفاقيات أخرى انسحب من منطقة وادي عربة التي كانت تابعة للأردن، وكذلك فيما بعد في عام 2005 انسحب من جنوب لبنان على إثر المقاومة الإسلامية للشعب اللبناني والشعب الفلسطيني في ذلك الوقت.
"استطاع شعبنا أن ينتصر على العدو الصهيوني خاصة في حروبه الثلاث الأخيرة، الأمر الذي أعطى أملاً جديداً للشعب الفلسطيني بأن أبناء المقاومة على طريق تحرير فلسطين"
ولا شك أن هذه النكبة خطيرة، لكن أعتقد بعد أن يئس كثير من الفلسطينيين في إمكانية العودة إلى ديارهم وأرضهم خاصة بعد محاولات المفاوضات العبثية التي امتدت لعشرات السنين مع العدو الصهيوني ولم تجدِ نفعاً، بالإضافة إلى ما كان العدو الصهيوني يقوم به بين الفينة و الأخرى بشن عدوان جديد على البلاد العربية والمناطق العربية، لكن الحمد لله حينما تسلح الشعب الفلسطيني بمقاومته الباسلة وحافظ على هذا الثابت المهم من ثوابته وهو مقاومة العدو الصهيوني وهو حق مقدس وشرعي، تقدم شعبنا الفلسطيني في مقاومته المسلحة حيث استطاع هذا الشعب الفلسطيني أن ينتصر على العدو الصهيوني خاصة في حروبه الثلاث الأخيرة، الأمر الذي أعطى أملاً جديداً للشعب الفلسطيني بأن أبناء المقاومة على طريق تحرير فلسطين والقدس والأقصى بإذن الله تعالى، واستطاعت المقاومة لأول مرة أن تضرب مراكز تجمعات العدو الصهيوني، ومراكز القوة عند العدو، لاسيما تل أبيب التي تعتبر بمثابة العاصمة عند الكيان الصهيوني، وكذلك ضرب صواريخ باتجاه القدس حيث وقعت في أماكن للعدو الصهيوني، حتى وصلت الصواريخ إلى كل أنحاء فلسطين المحتلة، في رسالةٍ واضحةٍ من الشعب الفلسطيني بأنه لن يتخلى عن أرضه وعن مقدساته وتراثه وحضارته في هذه الأرض المقدسة، وأنه سيعمل جاهدًا على تحرير الأرض، وذلك أيضاً أعطى أملاً كبيراً للعرب والمسلمين بأن هناك أهلاً كراماً لهم في فلسطين المحتلة وخاصة في قطاع غزة يقاومون الاحتلال الصهيوني وينتصرون عليه، واختارهم الله ليكونوا في خط الدفاع الأول عن أرض المسلمين وأرض الوقف في فلسطين والقدس والمقدسات في هذه الأرض المباركة.
بصائر: تحل الذكرى الـ67 لاغتصاب فلسطين والكيان الصهيوني يمر بمأزق حقيقي غير مسبوق؟ إلى أي مدى هذا الكلام صحيح؟
د.أحمد أبو حلبية: الحقيقة أن العدو الصهيوني عاش في مرحلة من المراحل بأن يكون هو القوة الضاربة في المنطقة العربية، وليكون هو اليد التي يبطش بها الغرب الصليبي في بلاد العرب والمسلمين من خلال ما قام به العدو الصهيوني في الـ 67 وانتصاره على الجيوش العربية واستيلاءه على باقي فلسطين، بالإضافة إلى بعض الأراضي العربية في مصر وسوريا ولبنان.
في الحقيقة كان هناك تسويق من قبل جيش الاحتلال الصهيوني بأنه الجيش الذي لا يقهر، لكن بفضل الله تبارك وتعالى، يبدو أن المشروع الصهيوني في المنطقة، والمتمثل باحتلال فلسطين ومحاولة التوسع في البلاد العربية، بدأ ينحسر على نطاق واسع في مناطق عديدة خاصة بعد انسحاب العدو الصهيوني من جنوب لبنان، وبعد ذلك انسحابه من قطاع غزة، بالإضافة إلى ما حدث بالضفة الفلسطينية من وجود مقاومة للعدو الصهيوني وتثبيت أركانه بالضفة، بالإضافة الى انسحاب اليهود من جزء من الجولان والأردن وسيناء بناء على اتفاقيات.
" الحرب الأخيرة على القطاع غيرت موازين الردع والقوة في المنطقة لصالح الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة وهذا باعتراف القيادات الصهيونية، مما يدلل على أن هذا المشروع الصهيوني بات بانحسار كامل"
وكل هذا يؤكد على أن العدو الصهيوني يسير بانحسار كبير وشديد ليتقلص بإذن الله سبحانه وتعالى، بالإضافة إلى أن العدو الصهيوني الآن حينما يقيم نظام الضم والتوسع الصهيوني في الضفة الفلسطينية وفي مدينة القدس، فهذا يؤكد على أن العدو الصهيوني حسر نفسه في إطار ضيق من أرض فلسطين رغم أنه يعيش على أمل في استمرار المفاوضات مع الجانب الفلسطيني وسلطة رام الله، وما إلى ذلك ليستفيد من هذه المفاوضات ويفاوض ما يشاء على أرض الواقع في القدس والضفة الفلسطينية ومصادرة أراضي بآلاف الدونمات وتوسيع المغتصبات، والعمل على تهويد الأرض والمقدسات كما يفعل الآن في محاولته لتقسيم القدس وترحيل أهلنا وسحب هويتهم المقدسية، فهذا كله يؤكد على أن العدو الصهيوني بدا على قناعة خاصة بعد الحرب الأخيرة على قطاع غزة أن هذا الشعب الفلسطيني لا يمكن أن تحسم معه الأمور مادام يقاوم بهذه الصورة وأسلحته بيده ويعد قوته بيده، بفضل الله.
لذلك الحرب الأخيرة على القطاع غيرت موازين الردع والقوة في المنطقة لصالح الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة وهذا باعتراف القيادات الصهيونية، مما يدلل على أن هذا المشروع الصهيوني بات بانحسار كامل، إلى أن يأتي الوقت الذي نأمل فيه من الله تعالى، أن لا يكون بعيدًا وهو تحرير القدس والأقصى وفلسطين، وهناك توقعات في أن بدايات التحرير الرسمية ستكون في عام 2017 وبعض التوقعات ترى أنه سيكون بعد عام 2020، وهذه التوقعات على أرض الواقع يؤكدها استعداد الشعب الفلسطيني بمقاومته الباسلة، وتمسك فصائل المقاومة الفلسطينية والوطنية والإسلامية بخيار مقاومة العدو الصهيوني والحفاظ على هذا الخيار.
بصائر: هل تعتبر أن الفعاليات التي تقام سنوياً في ذكرى النكبة تليق بحجم ومستوى النكبة؟ وما الذي تضيفه للشعب الفلسطيني؟ وما هي الرسائل التي توجه خلال تلك الفعاليات للاحتلال؟
د.أحمد أبو حلبية: ما نقوم به من احتفالات سنوية هي استذكار بواقع النكبة وما حدث في عام 1948، ثم بعد ذلك ما حدث في عام الـ 67، وهي محاولة لتذكر القضية الفلسطينية وتذكير الأجيال من الأطفال والشباب من أجل استمرار تمسك الجيل القديم والجديد بالأرض الفلسطينية ودياره وهذا يحقق الهدف المهم والاستراتيجي لتذكر ذلك.
وأستذكر مقولة قالها موشيه ديان في عام 1967 حينما قال "الكبار يموتون والصغار ينسون" فهم راهنوا على هذه القضية، لكن الواقع يؤكد بحمد الله أن الكبار وإن ماتوا وتوفى الله الغالب منهم إلا أنهم سلموا الراية ومفاتيح العودة للأبناء، والأبناء الآن يسلمون الراية للأحفاد شامخةً بإذن الله، ونأمل أن يتم تحرير جميع أراضينا بسواعد أبنائنا وأحفادنا.
"يجب عدم الاقتصار على المقاومة السلمية فقط، بل لابد أن يكون معها بالتوازي العمل بالمقاومة المسلحة لأن هذه المقاومة هي التي تدك مضاجع العدو الصهيوني وتجعله يحسب لها ألف حساب"
بصائر: ما هي وسائل المحافظة على حق العودة ومحاربة المكائد التي تحاك ضده؟
د.أحمد أبو حلبية: نحن نستذكر أن القانون الدولي والمواثيق الدولية، مثل اتفاقيات لاهاي عام 1907 و 1950 والملاحق التابعة لها، ثم اتفاقيات جنيف الأربعة وغيرها من الاتفاقيات والمواثيق الدولية، جاءت من أجل منع الشعب الذي يتم احتلاله أن يقاوم المحتل بشتى وسائل المقاومة وعلى رأسها المقاومة المسلحة، والتي تعتبر أهم وسيلة لاسترداد الأرض والديار والمقدسات، وكما هو معروف بالمثل الشهير "ما أُخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة " ولا مانع في كون المقاومة سلمية، كما يفعل الشباب الفلسطيني في بعلين ونعلين كل جمعة خلال المواجهات رفضاً لجدار الضم والفصل العنصري، لكن يجب عدم الاقتصار على المقاومة السلمية فقط بل لابد أن يكون معها بالتوازي العمل بالمقاومة المسلحة لأن هذه المقاومة هي التي تدك مضاجع العدو الصهيوني وتجعله يحسب لها ألف حساب.
بصائر: كيف يمكن للشعوب العربية والإسلامية دعم القضية الفلسطينية؟
د. أحمد أبو حلبية: الشعب الفلسطيني قدر الله له أن يكون في خط الدفاع الأول عن فلسطين ومقدسات الأمة، وعن المعالم والآثار الإسلامية والمسيحية في هذه الأرض المباركة والمقدسة وخاصة في القدس الشريف، وهذا الشعب مازال صامداً وسيستمر في مشاريع صموده بكل ما أوتي من قوة.
والحقيقة أنه يستلزم على العرب والمسلمين أن يكونوا داعمين بقوة لهذا الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة بكل وسائل الدعم سواء كان مالياً أو اعلامياً أو قانونياً أو تثقيفياً وتعليمياً في قضية القدس، ومطلوب من العرب والمسلمين أن يكونوا على قدر المسؤولية، فنحن نرى القادة العرب الذين يجتمعون بين الفينة والأخرى في اجتماعات القمة ونطالبهم بأن يكونوا على مستوى الحدث، بدعم الشعب الفلسطيني وتنفيذ قراراتهم التي يتخذونها في هذه المؤتمرات لصالح الشعب الفلسطيني.
ولا يخفى على أحد أن العرب مقصرون في دعم القضية الفلسطينية وإلى الآن لم تنفذ القرارات التي تم اتخاذها في التعامل المالي مع الشعب الفلسطيني، ونذكر هنا أن مشاريع الصمود في القدس لوحدها تحتاج سنوياً ما لا يقل عن نصف مليون دولار، فالأمر يحتاج من العرب والمسلمين الكثير من أموالهم لأجل دعم إخوانهم، والعرب قدر الله لهم أن يمتلكوا مقدرات وأموال ضخمة وكبيرة، وشعبنا له حق مقدس في هذه الأموال حتى يستمر في صموده ومواجهة المخططات الصهيونية.
بصائر: هل من كلمةٍ أخيره في نهاية هذا الحوار، توجهها للفلسطينيين المرابطين على أرض قطاع غزة والضفة الغربية وفي الشتات وأراضي الـ48؟
د.أحمد أبو حلبية: رسالتنا أولاً- لأهلنا في فلسطين عامة والقدس خاصة، بضرورة الاستمرار في الثبات والصمود والحفاظ على الثوابت الفلسطينية، وفي مقدمتها الحفاظ على القدس والمسجد الأقصى والمقدسات، وكذلك الأسرى والحفاظ على المقاومة المسلحة، ثم نطالب فصائل الشعب الفلسطيني بضرورة تفعيل دورها دائمًا في المقاومة المسلحة للعدو الصهيوني، لأن العدو يحسب ألف حساب لهذه المقاومة المسلحة لأن لها تأثير إيجابي لصالح القضية الفلسطينية.
أما رسالتي إلى العرب والمسلمين-فأقول لهم ارتفعوا وارتقوا إلى مستوى القدس والقضية الفلسطينية من حيث المكانة والأهمية، ونطالبكم بضرورة نصرة القدس والأقصى وفلسطين وشعب فلسطين، ومن ثم عليكم أن تقدموا كل دعم ممكن سواء كان مالياً أو إعلامياً أو قانونياً للفلسطينيين.
كما نطالب المنظمات الدولية ومنظمة الأمم المتحدة ومجالس الأمن ومنظمة اليونسكو والإنسان بأن يكون لهم دور بارز في تفعيل القوانين الدولية التي يدافعون عنها في حق الشعب الفلسطيني وقضيتهم العادلة وهذه الرسائل من المهم أن نركز عليها ونوجهها إلى الجهات المعنية.