إعلامنا الذي نريد (1-2)

الرئيسية » بصائر الفكر » إعلامنا الذي نريد (1-2)
ما اصطلح عليه "الإعلام الإسلامي" ليس كلية شرعية، ولا مسجداً للتربية، بل هو جزء من حياتنا اليومية التي نعيش، بأفراحنا وأتراحنا ووجعنا وقضايانا.
ما اصطلح عليه "الإعلام الإسلامي" ليس كلية شرعية، ولا مسجداً للتربية، بل هو جزء من حياتنا اليومية التي نعيش، بأفراحنا وأتراحنا ووجعنا وقضايانا.
ما اصطلح عليه "الإعلام الإسلامي" ليس كلية شرعية، ولا مسجداً للتربية، بل هو جزء من حياتنا اليومية التي نعيش، بأفراحنا وأتراحنا ووجعنا وقضايانا.

يمكن اعتبار التجربة الإعلامية للحركة الإسلامية في عالمنا العربي حديثة عهد، لا سيما في ميدانَي المرئي والمسموع.. وأحسب أن الحركة، رغم التجارب المحدودة في بعض الأقطار، لم تعمل حتى الآن على وضع قواعد ومحددات تضبط أداء مؤسساتها الإعلامية، تلبي احتياجات مشروعها الإسلامي العام الذي يتوجه إلى مختلف أطياف المجتمع.

ومع أن كل قطر من الأقطار له ظروفه وخصوصياته، سواء لجهة الحريات العامة والمرونة في أخذ الأحكام الشرعية أو التشدد فيها والإمكانات المتوفرة للحركة.. لكن ما يمكن أن يكون قاسماً مشتركاً بين مختلف التجارب، هو تلك الحالة الضبابية في تحديد طبيعة الخطاب الإعلامي الذي يجب اعتماده.

أحاول في هذا المقال أن أثير نقاشاً هادئاً حول خطاب المؤسسات الإعلامية للحركة الإسلامية، آملاً أن تشكل هذه الأفكار نواة دراسة متخصصة في إعلام الحركة الإسلامية.
وتجدر الإشارة إلى أنني أتحدث هنا عن الإعلام بحالته الطبيعية، وليس المضيّق عليه أو الذي يعيش في بيئة حرب، أو لا يمتلك ترخيصاً قانونياً.

أسئلة لا بد منها

ليس غريباً أن يسعى كل حزب يعمل في الشأن العام ويحمل مشروعاً، على امتلاك منبر إعلامي، لما لوسائل الإعلام من قدرة كبيرة على التواصل والترويج..

لكن ثمة أسئلة مفصلية يجب الإجابة عليها عند التخطيط لإنشاء وسيلة إعلامية (مرئية أو مسموعة أو مكتوبة):
- ماذا نريد من هذا المنبر؟ (الرسالة)
- من نخاطب عبر هذا المنبر؟ (الشريحة المستهدفة)
- ما هو الخطاب الذي سنعتمده في أدائنا الإعلامي: حزبي - ديني – اجتماعي – ثوري...؟

لنبدأ باستعراض خيارات الإجابة على السؤال الأول، تاركاً الحديث عن الخيار الذي أراه الأنسب لمحور "أيّ إعلام نريد".

ماذا تريد الحركة الإسلامية من وسيلتها الإعلامية؟

1- أن تكون منبراً يدعو إلى دين الله وإلى الالتزام بأحكامه:
نقول: ما أكثر المحطات الدينية التي تقوم بهذا الدور، وهي أكثر تخصصاً وقدرة مالية، من فضائيات وإذاعات متخصصة بالقرآن الكريم أو العلوم الشرعية. فأين الإضافة التي ستشكلها هذه المؤسسة الإعلامية؟
وكيف سيؤدي هذا المنبر دور الدعوة إلى الله، فيما أغلب جمهوره هم من المسلمين، بل الملتزمين؟ فهل نتوجه بالدعوة إلى الملتزمين أو غير الملتزمين؟

2- أن تكون وسيلة استقطاب (القارئ أو المستمع أو المشاهد) للانضواء في صفوف الحركة:
نقول: من غير المعقول أن يكون هدف جهة تنظيمية إسلامية هو استقطاب الناس لصفوفها، فهذا لم يرد في أيّ من أدبيات الحركة الإسلامية، والتي لو عدنا إليها لوجدنا الحديث عن "الفرد المسلم، ثم الأسرة المسلمة، فالمجتمع المسلم"، وليس المنتظم في صفوفها.
هل تريد الحركة الإسلامية تأسيس مجتمع (حركيّ) أم مجتمع مسلم يعيش حياته ضمن الضوابط الشرعية التي جعلها الله عزّ وجلّ؟

3- أن تكون وسيلة إخبارية سياسية (صحيفة – إذاعة – تلفزيون) متخصصة:
وهنا نقول: مهما اجتهدت وأنفقت هذه المؤسسة الإعلامية، فهي لن تستطيع منافسة المحطات الإخبارية المتخصصة، التي تمتلك شبكة واسعة من المراسلين والمحللين، وتغطي حركتها إمكانات مالية ضخمة.

4- أن تكون وسيلة تواصل بين قيادة التنظيم وصفه الداخلي:
نقول: إذا كانت النسبة الأكبر من متابعي هذه الوسيلة الإعلامية هي من أبناء الحركة، وهم المقتنعون بفكرها ورسالتها.. فما حاجة هذه الوسيلة الإعلامية؟ هل نخاطب أنفسنا؟

وهذا ينقلنا إلى المحور التالي: من تخاطب الحركة الإسلامية عبر منبرها الإعلامي؟ من هي الشريحة المستهدفة؟

من نخاطب؟

"من الضروريّ تحديد الشريحة المستهدفة، حيث يبنى عليه بعد ذلك طبيعة الخطاب. فكل فئة لها خطابها المختلف"

• أبناء الصف التنظيمي
• الساحة الإسلامية بمختلف أطيافها
• جمهور الطائفة التي ينتمي إليها الحزب أو الحركة (إذا كان البلد يتميز بتنوّع مذهبي)
• عموم أهل البلد

من الضروريّ جداً تحديد الشريحة المستهدفة، حيث يبنى عليه بعد ذلك طبيعة الخطاب. فكل فئة لها خطابها المختلف. ولا يفوتنا أن تحديد الشريحة المستهدفة يجب أن ينطلق من طبيعة الخطاب العام لهذه الحركة، هل هو تنظيم نخبوي منغلق (لظروف معينة)، أو يحمل صفة دينية وينحصر مجال عمله بساحته الدينية؟ أو هو يمارس العمل العام (ومنها السياسة) فيتلاقى مع مختلف أطياف المجتمع، في قضايا وطنية واجتماعية ومعيشية وسياسية... الخ.

وغنيّ عن القول أن من أكثر الأخطاء التي يمكن أن ترتكبها وسيلة إعلامية هي أن تخاطب نفسها، فتحمل الرسالة لمن يتبنى في الأصل هذه الرسالة، أو تخاطب صفها الداخلي، أعني المنتظم وليس "البيئة الحاضنة".

من الصعوبة وضع قاعدة ثابتة تسري على مختلف الأقطار، أو حتى مختلف وسائل الإعلام في البلد الواحد. لكن لو أردنا أن نأخذ الحالة اللبنانية نموذجاً، فإنه يمكن القول أن الشريحة المستهدفة بالدرجة الأولى هي "المسلمون السنّة" في لبنان، بملتزميهم وغير الملتزمين. ويأتي بالدرجة الثانية مختلف أطياف وتنوعات الساحة الإسلامية. ومعلوم أن الحالة اللبنانية فريدة بالتنوّع الطائفي والمذهبي، حيث يشكل لبنان عدة مجتمعات داخل بلد واحد.

وقبل الانتقال إلى النقطة الأهم، وهي: ما هو الخطاب الذي يجب أن تعتمده مؤسسة إعلامية أنشـاتها حركة إسلامية، لا بدّ من التوقف قليلاً عند مفهومنا لدور الإعلام في خدمة مشروعنا الإسلامي.

أيّ إعلام نريد؟

ثمة مفاهيم يجب أن تتوفر لدى إدارة المشروع الإعلامي في الحركة الإسلامية: ما هو دور "الإعلام الإسلامي" في مجتمعاتنا؟
قد يفهم البعض من مصطلح "الإعلام الإسلامي" أنه ذاك الإعلام الديني المتخصص، الذي يعبّر عنه بالتلاوات القرآنية والفتاوى والأحاديث النبوية والبرامج الدينية وقصص الصحابة وتفسير القرآن الكريم والمسلسلات التاريخية.

يعتبر د. عبد القادر طاش هذا التوصيف "مجحفاً وغير منطقيّ، ويحجّم هذا الإعلام ويفصله عن الواقع"، ويرى أن لهذه النظريات "أثراً خطيراً في حياة المسلمين؛ لأنها تفصل الإعلام بنشاطاته الواسعة وممارساته المتنوعة عن الهدي الإسلامي، وكأن هذا المفهوم يقترب من المفهوم الغربي العلماني في فصل الدين عن الحياة".

وعليه نقول: لا يمكن لنا أن نعيش هذه الحالة من الازدواجية في ممارساتنا اليومية، فينحصر إعلامنا في الشؤون التعبدية الدينية والروحية فقط، فيما نتحول إلى وسائل الإعلام الأخرى (الموجّهة أو غير الموثوقة أو غير المنضبطة) في بقية شؤون حياتنا، من السياسة إلى المعاملات المالية إلى الترفيه إلى الثقافة والتنمية... الخ.

"مطلوب من إعلامنا أن يكون صوت المواطنين ويسلط الضوء على مشاكلهم وقضاياهم المطلبية الاجتماعية والمعيشية والتربوية"

وهنا أستحضر النظرية الدعوية للدكتور محمد أحمد الراشد والتي أسماها "صناعة الحياة"، يدعو فيها إلى "منح العمل العام أهمية أكبر، والنزول إلى ساحة المجتمع وعموم الناس ما أمكن، ومحاولة ترك العزلة والانطواء فى المجتمع الخاص".

إن المجتمع ينتظر من العاملين للإسلام أن يحملوا وجع الناس، يخدموهم ويخففوا عنهم، لا أن يثقلوا عليهم بالوعظ والتوجيه...
مطلوب من إعلامنا أن يكون صوت المواطنين ويسلط الضوء على مشاكلهم وقضاياهم المطلبية الاجتماعية والمعيشية والتربوية... الخ، ويعترف بالجمال والفنون واحتياجات النفس البشرية.

ما اصطلح عليه "الإعلام الإسلامي" ليس كلية شرعية، ولا مسجداً للتربية، بل هو جزء من حياتنا اليومية التي نعيش، بأفراحنا وأتراحنا ووجعنا وقضايانا.

كما نريد الإعلام الذي يساهم في تعزيز مفاهيمنا الفكرية والدينية بأسلوب ممتع غير مباشر، ويؤدي رسالة إعلامية متوازنة من خلال البرامج السياسية والثقافية والاجتماعية والدينية.

.. الإعلام الذي يستشعر المسؤولية الكبيرة في هذه المرحلة التي تجري فيها شيطنة المشروع الإسلامي وتشويه صورة العاملين له، فيعرض الإسلام بصورته المشرقة، ويؤكد أن الالتزام بتعاليم الإسلام لا يعني العنف أو الإرهاب، وأن الإسلام دين سمح يحب الخير للجميع، ويدعو لحب الوطن والاندماج الإيجابي فيه، وأننا كملتزمين دينياً نلتزم قوانين الدولة التي نعيش فيها ومؤسساتها، العسكرية والسياسية والاجتماعية...

.. إعلام يعمل على تنمية الحسّ الوطني لدى المواطنين، ويساهم في إعادة سلطان الفضيلة إلى النفوس، وتغذية الوازع الإيماني في النفوس.

ليس مطلوباً من إعلامنا أن يعلم الناس أمور الشرع وحدودها، بل أن يعينهم في شؤون حياتهم بما لا يخالف الشرع. وإذا كانت الحركة الإسلامية تتبنى شعار "القرآن دستورنا" فعلينا أن نترجمه عملياً في تطبيق أحكام هذا القرآن على مختلف شؤون الحياة، وليس معنى هذا الشعار على الإطلاق بث الآيات القرآنية طوال النهار.

نريد إعلاماً يتبنى قضايا أمتنا العادلة، ويحقق قول النبي صلى الله عليه وسلم "من أصبح ولم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم".. على أن يكون الهمّ المحلي والخطاب المحلي هو الأساس.

وقبل أن أنتقل لفقرة الخطاب الواجب اعتماده، أود أن أتوقف قليلاً عند مصطلح "الإسلامي" في حديثنا عن الإعلام، وهو ما سأتعرض له في المقال القادم.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
إعلامي لبناني - مدير عام إذاعة الفجر في لبنان

شاهد أيضاً

إلى أي مدى خُلق الإنسان حرًّا؟

الحرية بين الإطلاق والمحدودية هل ثَمة وجود لحرية مطلقة بين البشر أصلًا؟ إنّ الحر حرية …