الاهتمام بالنشء الصغير وحسن التعامل معهم..صور نبوية

الرئيسية » بصائر تربوية » الاهتمام بالنشء الصغير وحسن التعامل معهم..صور نبوية
أطفال29

كان صغيراً لعوباً مزعجاً، يتجنبه جيرانه ويشكوا منه معلموه، ويطأطئ الأهل رأسهم من أفعاله، وتبادر أمه بالاعتذار من أخطائه وتصرفاته، بل وكانوا يُسمعونه مختلف أنواع الكلام السلبي والإهانات من أفعاله، ولربما أصبح نكتة المجتمع ومضرب المثل. حكم عليه الجميع بالفشل! ولم يتوقعوا يوماً أن يكون له إنجاز أو مستقبل يذكر.

ثم كانت المفاجأة!! لقد كبر الغلام الصغير وتغيرت أحواله، وأصبح ذو شأن في المجتمع، لقد نسي كل الماضي وما فعله بأقربائه أو جيرانه أو معلميه، ولام نفسه على ما كان يفعل، ثم أقنع نفسه أنها شقاوة الصغار، لكنه لم يستطع أن ينسى تلك الكلمات والإهانات والسخريات، مازالت كل تلك المواقف مطبوعة في ذهنه، حاول نسيانها ولكنه لم يستطع، ولم يسامح أصحابها، بل ويكن لهم العداوة والبغضاء.

هكذا نعامل صغار المسلمين في مجتمعاتنا، فموقف واحد كفيل بأن يزرع في ذهن الصغير كره الأب والأم، والمعلم والمربي، هم صغار ولكنهم يشعرون ويحزنون ويفرحون، حركتهم زائدة ولكنها تضبط بتوجيهات راشدة.

فكيف نتعامل مع الصغار؟ ومادور الدعاة في هذا المجال؟

سنة النبي– صلى الله عليه وسلم- في التعامل مع الصغار:

لن تجد في هذا المقام أعظم من رسول الله – صلى الله عليه وسلم- فهو خير مربٍ، وهو صاحب الخلق العظيم، وهو أوثق حجة يُتبع في تعامله مع الناس، ومنهم الناشئة وصغار السن:

أولاً: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعامل الصغار كأنهم كبار سن؛ فيسلم عليهم إذا لقيهم في طريقه، ويجلسهم معه ويحادثهم، ويعظهم وينصحهم، فعن أنس بن مالك -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قال: أتى رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- على غِلْمانٍ يلعبون فسلَّم عليهم"( رواه أبو داود).

وعلَّم عبد الله بن عباس وهو غلام صغير كان يردفه خلفه على دابته معانٍ عظيمة، فقال له: «يا غلام احفظ الله يحفظك...» (رواه الترمذي).

ثانياً: لم يرد عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنه عنّف صغيراً أو ضربه، أو حتى لامه، بل كان يتجاوز عنهم، ويعفوا عن زلاتهم، فعن أنس بن مالك، قال: "لقد خدمت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عشر سنين، فوالله ما قال لي أف قط، ولم يقل لشيء فعلته لم فعلت كذا، ولا لشيء لم أفعله ألا فعلت كذا "(رواه مسلم).

ثالثاً: كان النبي - صلى الله عليه وسلم – يلاعب الصبيان ويمازحهم، ويُدْخِل السرور على قلوبهم، يقول يعلى بن مُرَّة: خرجت مع النبي- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- على طعام، فإذا الحسين بن علي يلعب في الطريق، فأسرع النبي أمام القوم، ثم بسط يديه ليأخذه فطفق الغلام يفر هنا ويفر هنا، ورسول الله يلاحقه ويضاحكه، بل كان يأخذ أسامة بن زيد والحسن بن علي فيقعدهما على فخذه كل على ناحية ثم يضمهما ويقول: "اللهم ارحمهما فإني أرحمهما" (رواه البخاري).

"كان النبي صلى الله عليه وسلم يحترم شخصيات الصغار وذواتهم وعقولهم، فلا يجيز الكذب عليهم رغم صغرهم"

رابعاً: احترام النبي- صلى الله عليه وسلم-لشخصيات الصغار وذواتهم وتقديرهم، فعن عبد الله بن عامر، قال: جاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيتنا وأنا صبي صغير، فذهبت ألعب فقالت لي أمي: يا عبد الله، تعال أعطيك، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم" :-ما أردت أن تعطيه؟ قالت: أردت أن أعطيه تمراً، قال: "أما إنك لو لم تفعلي لكتبت عليك كذبة "(رواه البيهقي). فمع أنه صغير لم يجز الكذب عليه؛ بل احترم عقولهم وشخصياتهم.

وعن سهل بن سعد الساعدي: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أُتِي بشراب فشرب منه، وعن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ، فقال للغلام: "أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟ فقال الغلام: لا والله لا أؤثر بنصيبي منك أحدًا" (رواه البخاري).

خامساً: تحبيب الصغار بالعبادة ومظاهرها، والدعوة لذلك بلين ولطف، فقد روي عنه –صلى الله عليه وسلم-أنه كان يعلق في المسجد عرق البلح فيدخل الصغار فيأكلون منه ثم يخرجون.

مما سبق يتبين أهمية العناية بالنشء الصغير، وتعليمهم وتربيتهم، وترك الأثر الطيب عندهم عن الدعوة والداعية، فكم من داعية غليظ نفَّرَ الصغار عن الدعوة، وأضر بها من حيث لا يدري، فالصغار هم مستقبل هذه الأمة، فلن يبقى الصغير صغيراً ولا الجاهل جاهلاً.

فقد يكون على يديك تربية مجاهد، أو قائد، أو عالم، أو مسؤول ذو شأن عظيم، فارفق بهم وكن كحبيبك محمد- صلى الله عليه وسلم- خير من ربى وعلم وأنشأ جيلاً طيب الأخلاق.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
تربوي وإداري بخبرة تزيد عن خمسة عشر عاماً، حاصل على درجة الماجستير في الفقه وأصوله من جامعة اليرموك في الأردن، مدرس علوم اسلامية وشرعية، بالإضافة للعمل في عدد من المراكز والهيئات التربوية والدعوية المتنوعة، مدرس علوم قرآن وخبرة في تدريس التلاوة والتجويد.

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …