العدلوني: الرنتيسي رجل يحمل صفات الشدة تجاه عدوه والرحمة مع شعبه

الرئيسية » تحقيقات وحوارات خاصة » العدلوني: الرنتيسي رجل يحمل صفات الشدة تجاه عدوه والرحمة مع شعبه
أم محمد الرنتيسي

الشهيد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، مجاهد، وطبيب، وسياسي محنك، يعيدك إلى زمن الأبطال العظام، ضحَّى بحياته من أجل إعلاء لواء الإسلام، وتحرير فلسطين من دنس الاحتلال الصهيوني، وكان يؤمن بأن فلسطين لن تتحرّر إلا بالجهاد في سبيل الله.

يعتبر الرنتيسي أحد أبرز مؤسسي حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في غزة عام 1987م، وكان بمثابة الذراع الأيمن للشيخ الشهيد المجاهد أحمد ياسين.

برز الرنتيسي كناطقٍ رسمي باسم المبعدين الذين رابطوا في مخيم العودة في منطقة "مرج الزهور" بالجنوب اللبناني لإرغام سلطات الاحتلال على إعادتهم، وتعبيراً عن رفضهم لقرار الإبعاد الصهيوني، وقد نجحوا في كسر قرار الإبعاد والعودة إلى الوطن وإغلاق باب الإبعاد إلى الأبد.

اختارته حركة "حماس" لقيادتها خلفًا للشيخ أحمد ياسين، إلى أن استُشهد بتاريخ 14 نيسان/ أبريل 2004م، وذلك بعد أن اغتالته طائرات الاحتلال مع اثنين من مرافقيه، ويمر الآن 11 عامًا على رحيله.

(بصائر) التقت بزوجة الدكتور الرنتيسي أم محمد العدلوني، وأجرت معها حوارًا عن "أسد فلسطين"، فإلى نص الحوار:

بصائر: بداية، الدكتور عبد العزيز الرنتيسي من الوجوه المعروفة سواء على النطاق المحلي أو الدولي، فهل من بطاقة تعريفية عن زوجته؟

العدلوني: اسمي رشا صالح أحمد العدلوني، ولدت في 1955/11/17م، وحصلت على درجة البكالوريوس في أصول الدين من الجامعة الاسلامية بغزة، ثم حصلت على درجة الماجستير في التفسير وعلوم القرآن.

أكرمني الله عز وجل بستة أبناء، اثنين من الذكور وأربعة من الإناث، وما يزيد عن 35 حفيد بفضل الله، وأشغل حالياً منصب رئيس مجلس الإدارة بجمعية الزاهرة الخيرية التي تهتم بالارتقاء بالمرأة أخلاقياً ودينياً في قطاع غزة المحاصر.

بصائر: عُرف الرنتيسي بكثرة انشغالاته فهو طبيب أطفال، ومحاضر في الجامعة، ورجل سياسة، فكيف استطاع أن يجمع بين كل تلك الأعمال إلى جانب حياته الأسرية؟

العدلوني: عندما نتحدث عن الدكتور عبد العزيز فإننا نتحدث عن شخصية إسلامية متكاملة، حيث فهم القرآن الكريم وطبقه في كل أمور حياته سواء في أخلاقه وعبادته وجهاده وعلاقاته الأسرية، فهو إنسان وهب نفسه لله عز وجل، ووهب وقته كله لله، وبذلك استطاع أن يجمع بين حياته اليومية الأسرية وحياته خارج البيت، إن كانت دعوية أو إن كان يؤدي عمله كطبيب، أو محاضر في الجامعة، أو القائد السياسي، أو غير ذلك من باب التزامه بقوله تعالى: { قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 162و 163].

بصائر: تمتع الرنتيسي بالهيبة، وحظي باحترام ومحبة أغلب شرائح الشعب الفلسطيني والعربي والإسلامي، كما اتصف بشخصية قوية وجريئة وقادرةً في الوقت ذاته على إثارة حنق الصهاينة. برأيك من أين استمد تلك القوة؟

"استمد الرنتيسي تلك القوة، أول شيء من أمٍ ربت هذه الشخصية على القوام السليم، بعدم اعطاء الدنية لا في دينه ولا في وطنه ولا في نفسه، وأضيف إلى ذلك قوة صلته بالله"

العدلوني: حقيقة، عندما أتحدث من أين استمد تلك القوة؟ أول شيء من أمٍ ربّت هذه الشخصية على القوام السليم، بعدم اعطاء الدنية لا في دينه ولا في وطنه ولا في نفسه، وأضيف إلى ذلك قوة صلته بالله، فعندما نتحدث عن القوة نتحدث عن رجل كان يقوم الليل بأربعة أجزاء أو ثلاثة من القرآن أو أكثر أو أقل، مما أُعطي من العافية.

ولعلي هنا أذكر ما قاله سيد قطب -رحمه الله- في هذا المقام: (إن من لا يصبر على الوقوف ساعة بين يدي الله متعبداً في جوف الليل، لا يصبر على الوقوف ثابتاً أمام الطواغيت خمس دقائق).

وأعتبر أن قوة صلته بالله عز وجل هي بسبب قيام الليل، وأضيف هنا الحديث القدسي الذي قال فيه الحق تبارك وتعالى: "مَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ" (صحيح البخاري). فالإنسان الذي يمشي في الحياة الدنيا بمعية الله عز وجل لا شك بأنه سيكون بهذه القوة.

بصائر: صفات الرنتيسي التي اشتهر بها كثيرة، وأبرزها أنه كان عزيزًا أبيًا، قويًا في الحق، جريئًا، وشجاعًا ولا يخشى أعداءه، لكن ماذا عن صفاته التي تميزه داخل أسرته ومع محيطه؟

"الرنتيسي كان يتصف بالعزة والإباء، مضافًا إليها الحياء، فلقد كان حيياً حتى في داخل البيت، فهو ليس بالسهل أن يطلب من أحدٍ أن يناوله شيئاً يخصه"

العدلوني: إن تحدثت عن صفةٍ تميزه فإنني سأتحدث عن العزة والإباء، مضافًا إليها الحياء، فلقد كان الدكتور حيياً حتى في داخل البيت، فهو ليس بالسهل أن يطلب من أحدٍ أن يناوله شيئاً يخصه، بل كان يحرص على القيام بما يخصه بنفسه، وكان إذا ذهب ليشتري أي شيءٍ من البضاعة أو من محلٍ تجاري كان حيياً لدرجة أنه لا يراجع صاحب المحل بالسعر، بالإضافة إلى أنه كان مرهف الإحساس، وهذه القوة التي كان يمتلكها الدكتور أمام الجميع، كان لا يمنع أن يكون مرهف الإحساس ليعبر عن مشاعره وحبه لكل من حوله، إن كان على صعيد الزوجة أو الابن أو البنت، وكل ذلك كان مضافًا إليه الرحمة، ولا أخفي أنه رغم صلابته وقوته إلا أنه كان رحيما وحنوناً لدرجة أنه كان يبكي عندما يأتيه طفلٌ مصابٌ بمرضٍ خطير.

بصائر: ما هي أبرز المواقف التي أثرت فيكِ خلال فترة زواجك من الرنتيسي وما زالت محفورة في ذاكرتك؟

العدلوني: حياته كلها مواقف، لكني إذا أردت أن أتحدث عن مواقف من حياة الدكتور فسأذكر موقفاً حيث أنه كان يأخذ الأمور ببساطة أكثر بكثير من الشباب في أيامنا هذه، حيث جاء إلى البيت في أحد الأيام وكان قد وقع مني جهاز التلفزيون على شاشته، وقد تدمر الجهاز بالكامل، وكنت حينها متضايقة جداً، فلما جاء الدكتور إلى البيت، وسألني عن سبب حزني، فأخبرته، فإذا به يقول: (للآنية أجيال)، أي أن كل شيء له عمر محدد وجهاز التلفزيون انتهى أجله، فلماذا تتضايقين؟.

ومن المواقف التي لا تنسى أيضاً أنه كان حريصاً على توفير كل سبل الراحة للمرأة، سواء كانت أمًا أو أختًا فكان من ضمن ذلك، أنه اشترى (بوتاجاز) وكان حريصاً على توفير لفات ألمنيوم كبيرة الحجم حتى لا نضطر لجلي الغاز، فذهب في إحدى المرات إلى محلات البوتاجاز ليسأل عن الألمنيوم، فقال له صاحب المحل أن البوتاجاز ينظف بسرعة، والألمنيوم غير ضروري، فرد عليه قائلاً: أعلم أنه ينظف لكن أنا أسألك هل يتوفر عندك؟ فكان مُصِراً على توفير الراحة لأهل بيته.

كما أنه كان سريع البديهة وسريع كتابة الشعر، ففي أحد الأيام كان قد جاء إلى البيت وكنت قد ضربت إحدى بناتي ليس ضرباً مبرحاً، ولكنها كانت في المرحلة الإعدادية فأثر فيها، وكنا دوماً حريصين على المشاركة والتعاون في حل مشاكل البيت، وحينما جاء الدكتور إلى البيت، فقلت له أن فلانة متضايقة مني فخذ دورك وتحدث إليها، فنادى عليها مباشرةً وتحدث بأبيات من الشعر فقال: "لا تعجبوا يا إخوتي من قصتي فأنا التي بـالشوبك الملفوف كانت علقتي"، والشوبك هو أداة تستخدم لرق الخبز، وحلت المشكلة ببيتٍ من الشعر.

"أقول للمرأة الفلسطينية أنتِ امرأة متميزة، وغير عادية، لقد قدمتِ وبذلتِ وضحيتِ وواجهتِ الحصار والحروب والاعتقالات، لكن كل ما قدمتيه يحتاج لإكمال الرسالة"

بصائر: ما هو الدور الذي تقومين به كزوجة "أسد فلسطين"، وكامرأة فلسطينية؟

العدلوني: ما أقوم به ليس فقط كزوجة "أسد فلسطين"، ولكني أقوم بدوري كمرأة مسلمة فلسطينية فهمت رسالتها نحو تحرير فلسطين والأقصى الشريف، وفهمت رسالتها بالإسلام من باب (النساء شقائق الرجال)، و كامرأة مسلمة فهمت رسالتها العقائدية نحو المجتمع والأمة جميعها، من باب "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته".

بصائر: هل من كلمة توجهينها إلى زوجات الشهداء خاصة، وإلى المرأة الفلسطينية عامة؟

العدلوني: أقول للمرأة الفلسطينية أنتِ امرأة متميزة، وغير عادية، لقد قدمتِ وبذلتِ وضحيتِ وواجهتِ الحصار والحروب والاعتقالات، لكن كل ما قدمتيه يحتاج لإكمال الرسالة فالأقصى ما زال أسيراً، والقدس ما زالت تهوّد، وأبناؤنا في حاجةٍ إلينا لكي يكملوا رسالة آبائهم، وعلينا أن نربيهم على العزة والإباء، وأن نحصّن بيوتنا من اختراق العدو بدايةً، ومن الانحراف والانحلال، ومن هذه المفاسد وهذه التقنيات المتواكبة. فاحرصي على ملاحظة ومتابعة أبنائك خلال استخدام تلك التقنيات لأن العدو يتربص بنا ويستغل كل الثغرات.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
صحفية فلسطينية مقيمة في قطاع غزة، حاصلة على درجة البكالوريوس في الصحافة والاعلام من الجامعة الاسلامية بغزة عام 2011م، وكاتبة في موقع "بصائر" الإلكتروني، وصحيفة "الشباب" الصادرة شهرياً عن الكتلة الاسلامية في قطاع غزة. وعملت في العديد من الصحف والمواقع الإلكترونية أبرزها صحيفة فلسطين، وصحيفة نور الاقتصادية، وصحيفة العربي الجديد.

شاهد أيضاً

طفلي بلغ السابعة.. كيف أبدأ بتعويده على أداء “الصلاة” ؟

مما ينعش قلب الأبوين أن يقف إلى جوارهما طفلهما الصغير في سنوات عمره الأولى وهو …