تغيير القيادات التنظيمية.. نظرة تأمل

الرئيسية » بصائر الفكر » تغيير القيادات التنظيمية.. نظرة تأمل
Teamwork concept

لا شك بأن القيادة التنظيمية واجبةُ الوجود فإذا كان في السفر ثلاثة نفر وجب عليهم أن يؤمروا أحدهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم" (رواه أبو داود)؛ فكيف الحال في تنظيم كبير مترامي الأطراف؟! وهو ما يفرضه العقل والمنطق كذلك مما تعارف عليه البشر، فلكل مؤسسة مدير ولكل مجلس رئيس ولكل حكومة ودولة زعيم تعقد له البيعة ويأمر فيطاع ولا يخرج أحد عليه إلا إذا استحق الخروج عليه.
وفي الحركة الإسلامية اليوم تجد القيادات بمختلف صفوفها ومستوياتها التنظيمية وبمختلف قدراتها ومؤهلاتها والتي تأتي عادة بنظام شوري ديمقراطي ألا وهو الانتخاب.

"أبرز مشاكل فرز القيادات الضعيفة هو نظام الانتخاب التقليدي القائم على تزكية الأفراد للمرشحين، مع ترك البرامج الانتخابية الحقيقية"

والانتخابات لا تفرز بالضرورة أصحاب الكفاءة خاصة إن أُخذتْ بعض العوامل التنظيمية بعين الاعتبار مثل: الشعبية، والانتشار الاجتماعي، أو وجود اصطفاف داخل صف الحركة الإسلامية، أو ربما إقليمية معينة، وربما بعض الأحيان المخزون الفقهي والقدرة الخطابية، كل ذلك قد يكون مؤثراً بارزاً وواضحاً في التأثير على نتيجة الانتخابات الداخلية للحركة الإسلامية بمختلف المستويات، من مجالس محلية أو مجلس الشورى أو حتى المراقب العام أو الأمين العام.

وبالتالي فإن وجود الإخفاقات وارد وبشدة ضمن الصف الأول للقيادات التنظيمية خاصة إذا بنيت نتيجة الانتخابات على اصطفاف أو إقليمية، وبعيداً عن هذا المدى أي البعد الاستراتيجي في وجود الاصطفاف أو الإقليمية فإن نتيجة الانتخابات لن تكون عادلة مطلقاً، خاصة أن هذه النتيجة لم تقم على أساس البرامج الانتخابية؛ لأن الحركة الإسلامية لا تزال ترفض فكرة التكتلات والبرامج الانتخابية المعلنة، بل لا زالت تتبع النظام التقليدي والذي يعتبره الكثير متخلفاً أو رجعياً خاصة أنه لا يحقق الهدف منه ألا وهو عدم تزكية النفس وأن يكون الترشيح من قبل الأفراد لا من المرشح مباشرة على أن الحقيقة الكاملة غير ذلك تماماً.

كما أن الانتخابات في كثير من الحركات الإسلامية عبر العالم لا تزال تستثني المرأة من الترشح والانتخاب مما يقلل أعداد المنتخبين إلى قرابة النصف، وهذا مما لاشك فيه بأنه مؤثر في نتيجة الانتخابات لو سمح لهن بممارسة حقهن الشرعي في الترشح والانتخاب، وفي فترة طويلة ممتدة لوحظ بأن الكثير من قيادات الصف الأول في أغلب الانتخابات كانوا ممن يحملون شهادةً في الشريعة الإسلامية بعيدة كل البعد عن العمل الإداري معلومة وتطبيقاً.

"في العمل المؤسسي على الأفراد أن يتنبهوا إلى أن القيادي المنتخب يجب أن يكون الأكفأ لا الأتقى"

وفي العمل المؤسسي على الأفراد أن يتنبهوا إلى أن القيادي المنتخب يجب أن يكون الأكفأ لا الأتقى؛ لأننا ابتداء لن نستطيع تمييز الأتقى، وثانياً لأن هذا الموقع يحتاج إلى رجل خبير به لا إلى رجل كثير التعبد. كما سئل الإمام أحمد: عن الرجلين يكونان أميرين في الغزو وأحدهما قوي فاجر والآخر صالح ضعيف مع أيهما يغزى؟ فقال: أما الفاجر القوي فقوته للمسلمين وفجوره على نفسه وأما الصالح الضعيف فصلاحه لنفسه وضعفه على المسلمين فيغزى مع القوي الفاجر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر".

ويشتكي كثير من أفراد الحركات الإسلامية اليوم ضعف قيادتها خاصة الصف الأول، وغيابها عن واقع الأمة، وتأخر ردة فعلها وهوانها على الأنظمة، وخوفها المفرط وقلة خبرتها السياسية، وكثرة اعتذاراتها وهمجية تصريحاتها، وغياب الخطاب السياسي الوازن الوسطي، وعدم قدرتها على تدارك الأزمات الداخلية، عدا على أن تكون هي جزءٌ من الأزمة وتهميش الشباب وعدم وضوح الرؤية وغياب التخطيط؛ ويبقى السؤال المحير: كيف تتم إزالة هذه القيادات واستبدالها بأصلح منها؟

إن أولى خطوات النجاح في الفرز الانتخابي التنظيمي هي الوعي التنظيمي، فإذا كان الأفراد مدركين لطبيعة المرحلة، متبصرين بصفات القائد والقيادة عالمين بالأصول التنظيمية، همُّهم الإصلاح والتغيير والسعي إلى أستاذية العالم فسيعرفون جيداً من ينتخبون، والذي يتم انتخابه ولا يحقق برنامجه فسيسقط في الانتخابات التالية وهكذا حتى يصلوا إلى مرادهم. إن التغيير الطبيعي والمنطقي هو ما يكون من خلال صناديق الاقتراع خاصة أن الانتخابات في التنظيمات غالبا ما تكون نزيهة.

"التغيير في الحركة الإسلامية مقبول بل ومطلوب، دون أن يشق صفاً أو يعطل التنظيم"

أما إذا كانت القيادة قد نجحت في الانتخابات بطريقة غير شرعية فعلى الأفراد أن يقفوا بوجهها صفاً واحداً، وأن لا يسمعوا لها وأن لا يطيعوا مهما كلف الأمر من ثمن لأن القيادة أصبحت غير شرعية ولكن ذلك يحتاج إلى البرهان لإثباته لا مناكفات فئوية تخرج العاقل عن عقله بحيث يبدأ بترديد كلام غير ثابت مثل الببغاء.

وأخيراً إذا اجتمع رأي الأفراد على أن القيادة غائبة عن الواقع، ضعيفة في الأداء، غير قادرة على تحمل تبعات القيادة وكان أكثر الصف مع هذا الرأي فعليهم أن يبدؤوا حراكهم لتغيير هذه القيادة؛ على أن هذا الحراك يجب أن يكون غير شاقٍّ للصف ولا معطل للحياة التنظيمية، فدرء المفسدة أولى من جلب المصلحة، وطالما أن القيادة جاءت بالصندوق فلا تغيير إلا بالصندوق، وإذا خالفت السياسات العامة فهناك جهات مختصة داخل الحركة قادرة على محاكمة كل من يتجاوز أو يغير أو يبدل، وتبقى دائماً أولى خطوات الإصلاح هي التوعية وإصلاح الأفراد لأنهم هم من سيقومون بفرز هذه القيادات مستقبلاً.

شاهد أيضاً

إذا طال حلم الله… فانتظروا الغضبة الكبرى!

في حياتنا البشرية، إذا ما تعرّض أحدنا لضغط كبير، فإن تنفيسه عن هذا الغضب في …