تصادف في هذا العام ذكرى رحلة الإسراء والمعراج مع حادثة اغتصاب فلسطين واحتلالها، وهي الأرض التي شهد ترابها معراج النبي صلى الله عليه وسلّم، واختارها الله تعالى لتكون مدرج انطلاق البراق؛ ليسرى عن النبي صلى الله عليه وسلم ما لاقاه من خذلان القوم وفقدان الأحباب.
الوقوف مع تفاصيل ودلالات الرحلة في هذه الأيام العصيبة التي تشهدها الأمة الجريحة فيه من التسلية والتسرية، فبالرغم من مرور 67 عاماً على احتلال الأرض؛ إلا أن الصمود أثمر مقاومة قوية قادرة على الردع؛ وشعباً ملتفاً حول بندقية لا تعرف فوهتها سوى نحر الاحتلال، أرض الإسراء اليوم منتفضة، وغداً بإذن الله منتصرة.
الدكتور أحمد الرقب أستاذ التفسير بجامعة العلوم التطبيقية كان ضيفاً على "بصائر" حيث تناول العديد من دلالات الرحلة وجوانبها، لن أطيل عليكم، وأترككم مع نص الحوار.
بصائر: تتوافق في هذا العام ذكرى معجزة الإسراء بالنبي إلى المسجد الأقصى والمعراج به إلى السماوات العلا مع ذكرى اغتصاب فلسطين؛ دعنا نتوقف عند دلالات اختيار بقعة الانطلاقة لهذه الرحلة العظيمة؟
"عندما يفقد الإنسان شيئاً غالياً على نفسه ويحتسب أمره إلى الله يكرمه تعالى بجوائز وحوافز لا حصر لها"
د. الرقب: إن الله عز وجل يجري الأمور لحكمة بالغة تامة زماناً ومكاناً وكيفاً وتفصيلاً وإجمالاً؛ لذا جاء موعد هذه الرحلة العظيمة بعد عام من الحزن والكآبة والشدة؛ عقب فقدان النبي صلى الله عليه وسلّم لعمّه أبي طالب، ولزوجته خديجة بنت خويلد، حيث كان فقدانهما أمراً صعباً للغاية كونهما الرحمين الأقرب له، وعودته صلى الله عليه وسلم من زيارة الطائف وما كان من خذلان أهلها للدعوة.
جاءت هذه الرحلة لتسري عن النبي صلى الله عليه وسلم فقدان الحبيبين، فبعد المحنة تأتي المنحة، وهنا نتعلم أنه عندما يفقد الإنسان شيئاً غالياً على نفسه ويحتسب أمره عند الله يكرمه تعالى بجوائز وحوافز لا حصر لها؛ وقد عانى النبي معاناة زمانية ومكانية وعاطفية ومشاعرية ودعوية؛ لذا جاء الإكرام الإلهي بهذه الرحلة التي لم تحدث لنبي من قبل إلا له عليه الصلاة والسلام.
بصائر: هل من دروس يستلهمها أفراد الأمة من رحلة الإسراء والمعراج في ظل الذكرى الـ67 للنكبة واحتلال فلسطين؟
د. الرقب: أصلّت رحلة الإسراء والمعراج لمبدأ مهم، وهو أن الابتلاء هو سنن أصحاب الدعوات، وهو سنة إلهية إلى يوم القيامة، وهو لا يعني فقط الضيق والاضطهاد والسجن والطرد والتشريد، بل يحمل أحياناً معاني "الفرج"، وهذا واضح من قوله تعالى: "إن مع العسر يسرى" فحين تتكالب الخطوب على الأمة يوحي هذا بوجود فرج قريب قادم بإذن الله، كما حدث في الإسراء والمعراج؛ فقد أكرم الله تعالى النبي صلى الله عليه وسلم برحلة كفكفت دموعه وأعادت له الهمة والعزيمة وفُتحت له بعدها أبواب الانتصارات.
في مثل هذه الأيام قبل آلاف السنين كان النبي صلى الله عليه وسلم يعاني فقد الحبيبين، العم والزوجة، والأمة اليوم تعاني فقد حبيبين أيضاً وهما فلسطين المباركة وأقصاها الشريف؛ والخلافة الراشدة، وبالرغم من حلكة المشهد إلى أن الأمة ستكون على موعد مع تطهير المسجد الأقصى وإرساء خلافة إسلامية راشدة ترافق هذا الانتصار.
بصائر: في ظل أجواء التسرية عن النبي صلى الله عليه وسلّم فُرضت الصلاة في السماء، ما دلالة ذلك؟
د. الرقب: الإنسان عبد لله عز وجل؛ "وما خلقت الإنس والجن إلا ليعبدون"، ولا شك أن النواميس التي تجري في الكون من ابتلاءات ومصائب وعقبات تحتاج لصمود ووقفة قوية لن تتحقق سوى بوجود غذاء روحي، وهو العبادة؛ وهذه العبادة تتمثل بالصلوات الخمس؛ لذلك نجد أن فرضها جاء في رحلة إظهار النواميس الرّبانية، فقُدّم لنا هذا الغذاء الروحي في حلكة الأزمات التي مرّت بها الدعوة لنستعين بها في تجاوز الابتلاءات والامتحانات على مستوى الفرد والأمة.
بصائر: ما أبرز الرسائل التي وجهت لكفار قريش من خلال رحلة الإسراء والمعراج؟
"في هذه الرحلة إشارة إلى أن الله عز وجل لا يتخلى عن عبده محمد عليه السلام، وأن المعونة الإلهية والربانية للنبي لا تنقطع"
د. الرقب: كانت هناك رسائل عديدة لكفار قريش منها: إظهار حظوة النبي صلى الله عليه وسلم؛ وهو النبي العربي الهاشمي القرشي المنبت؛ يصل إلى القدس ويتجاوز ذكره في بلاد الفرس والروم؛ ويصل إلى القمم السماوية؛ في إشارة إلى أن الفرصة لا تزال أمامكم أيها العرب لتستفيدوا من هذه اللحظة وتعرفوا قدر محمد عليه السلام وقدر الرسالة التي يحملها؛ وكأنها دعوة لتتصالح قريش مع نفسها وتمد يدها لهذه الدعوة لتجنب نفسها الخسارة الفادحة.
وكانت في هذه الرحلة إشارة إلى أن الله عز وجل لا يتخلى عن عبده محمد، وأن المعونة الإلهية والربانية لمحمد لا تنقطع، وأعداؤه خاسرون.
بصائر: على ماذا يدل تسمية بعض السور بالقصص والأحداث التي تمر بها آياتها؟
د. الرقب: لا شك أن القرآن الكريم عندما يسمي السورة بلمحة أو قصة أو حادثة مرت بها فهذا يدل على أهمية هذا الحدث وإن قصرت الآيات المذكورة فيه، ولا شك أن سورة الإسراء معجزة عظيمة {سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى} ففي جزء من الليل يقطع النبي محمد مسيرة 40 يوماً لا تقطع إلا بالجمال الضامرة السريعة، هذا يدل على عظمة ما أكرم الله به صاحب المعجزة الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه المعجزة تحتاج للتدبر.
بصائر: هل اختصت ليلة السابع والعشرين من رجب بفضائل؟
د. الرقب: ليس ثمة فضائل لليلة السابع والعشرين من رجب، ولم يثبت فيها شيئ من القرآن والسنة النبوية، والمطلوب منا إجمالاً في هذه الشهور أن نتعبد الله ذكراً وتلاوةً وعبادةً وفكراً وصلاةً وعمرةً واستغفاراً وصلة رحم، كما ينبغي أن نهتم بهذا الموسم فهذا الشهر يسبق شعبان، وشعبان يسبق رمضان، وعلى المسلم أن يستنهض نفسه وعزيمته وهمته في الاستعداد بقلبه وجنانه لاستقبال الشهر العظيم.