أيامٌ قليلة تفصلنا عن خير المواسم وخير الشهور وخير الأيام، وها نحن ننتظر بلهفة وشوق ونعدُّ الأيام ونراقب الأهلة ونزيد وننقص، وحيناً يباغتنا على حين غفلةٍ وانشغال في زحمة الأيام.
البعض يفرح لقدومه ويبتهج والبعض لا يدري كيف دخل وكيف خرج والبعض الآخر تراهُ يتذمر ولو سراً لو أنهُ تأخر يوما، ومع كل هذا يأتي ضيفنا العزيز ولا يخلف موعد زيارته أبدا ولو أخر أو قدم يوما أو بعض أيام.
لذا أقول لكم كما يقول د. أحمد خيري العمري في كتابه (الذين لم يولدوا بعد) (رمضان قادمٌ فلا تفتحوا له الباب، أوصدوها جيداً، وأنزلوا الستائر، وضعوا القطن في آذانكم وانشغلوا في زحمة الأشغال ولا تلتفتوا له).
أجل إن كنتم ستفعلون به كما فعلتم المرة السابقة، إذا لم يزدكم رمضانكم هذا ولو حسنة واحدة، إذا كان سيكون مجرد رمضان آخر، مجرد ضيفٍ يزورك ثم يمضي دون أن يترك أي أثر، إذا كان سيكون شهراً آخرا تجوع فيه وتعطش ثم تملأ بطنك، فلا تفتح له!!
" رمضان على الأبواب يكادُ يطرقها، فأطرق برأسك قليلا وفكّر، ما رأيك لو تفتح له قلبك قبل أن تفتح بابك وجيبك وبطنك"
رمضان على الأبواب يكادُ يطرقها، فأطرق برأسك قليلا وفكّر، ما رأيك لو تفتح له قلبك قبل أن تفتح بابك وجيبك وبطنك، أظنهُ بل وأجزم بأنه سيكون رمضاناً آخراً أو لربما أول رمضان تحياه، فتعالوا نستعد لاستقباله ببعض المعينات على ذلك:
أولا: التوبة وكثرة الاستغفار، فقد جاء رجل إلى الحسن البصري -رحمه الله- وقال له يا أبا سعيد: أجهز طهوري وأستعد لقيام الليل ولكني لا أقوم، ما سبب ذلك؟ فقال له الحسن: قيدتك ذنوبك.
فرمضان موسم التزود بالخير والتنافس بالطاعات، ومن المعلوم أن الذنوب والمعاصي سببٌ للحرمان من كل خير، ونعلم كلنا أن الطاعة شرفٌ ومنحةٌ يهبها الله لمن يرضى عنه ويحبه، فلنبادر جميعا بالتوبة والإقلاع عن كل ذنب سيحرمنا من طاعة الله في خير أيامه، ولنكثر من الاستغفار فهو مغفرة ومطهرة ورزق وفرج.
ثانيا: عقد العزم وتجديد النيّة، قال الله عز وجل: {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ} [محمد: 21] فمن يدرك حقاً عظمة الأجر ومقدار الخير في رمضان سيعقد العزم وسيشدُّ المئزر منذ الآن، فتعالوا نجدد النية الخالصة الصدوق على اغتنام كل دقيقة في هذا الموسم ونشد من أزر بعضنا البعض كلما فترت الهمم.
ثالثا: الدعاء بأن يبلغنا الله رمضان وأن يعيننا على صيامه وقيامه وتحصيل الرحمة والمغفرة والعتق، فالأمور كلها بيد الله، والتوفيق من عنده، والتأييد من لدنه، فاطرقوا باب الكريم قبل دخول الشهر وبعد دخوله وفي كل ساعة وعند كل لحظة، ورددوا اللهم ارزقنا عمرا مديدا، وقولا سديدا، وعملا صالحا كثيرا، اللهم أجز لنا العطية، وأصلح لنا النية، وأحينا فيه الحياة المرضية.
رابعا: الفرح والابتهاج، يقول الحق عز وجل: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:58].
وأيّ فضل يحل بنا خيرٌ من رمضان بكل كراماته، وتختلف مظاهر الفرح والابتهاج ما بين سرور النفس وغبطتها وانتظارها بشوق، إلى تزيين الشوارع والمساجد والمحال، وإعداد الحملات والبرامج الدعوية لطلبة المدارس والمساجد ومراكز تحفيظ القرآن، وما في كل ذلك من إظهار للابتهاج بقدوم خير أيام الله.
" المرء لا يعذر على جهله إن كان قادراً على التعلم والاطلاع والقراءة، فحبذا لو يقرأ الواحد منّا ما يتعلق بأحكام الصيام والكتب في ذلك كثيرةٌ ومتوفرة"
خامسا: الاطلاع على أحكام الصيام، ففي رمضان يكثر الوقوع في المحظورات نظراً لجهل الناس فيها وتكثر الاتصالات على برامج الفتاوى التلفزيونية أو الإذاعية، وما يترتب على الوقوع في المحظورات من أحكام وعقوبات وكفارات، والمرء لا يعذر على جهله إن كان قادراً على التعلم والاطلاع والقراءة، فحبذا لو يقرأ الواحد منّا ما يتعلق بأحكام الصيام والكتب في ذلك كثيرة ومتوفرة.
سادساً: وضع برنامج ليوميات رمضان، وهو أمر تغفل عنه الكثير من الأسر والكثير من الأشخاص فيمر رمضان سريعاً كلمح البصر دون أن نستغله ونحظى بالفوز والمغفرة والدرجات، فعلينا أن نرتب أوقاتنا ونقسمّها ما بين ذكر وقراءة قران وصلاة وخدمة لعباد الله وصلة رحم وغير ذلك من العبادات التي تزيد ولا تنقص أبدا.
وفي الختام، دعونا نعش هذا الرمضان وكأنه أول وآخر رمضانٍ سيمر علينا، ولنغتم فيه كل دقيقة فلا ندري في أيّ ساعةٍ تكون الإجابة ويكون العتق وتكون المغفرة، تعالوا نشد من عزم بعضنا البعض، ونعقد العزم ونجدد النية ونسأل الله أن يبلغنا رمضان غير فاقدين ولا مفقودين.