من الآفات التي تصيب الداعية في مسيرته الدعوية وعمله الدؤوب في تأديتها.. آفة الفتور.. بعد أن كان نشيطاً مثابراً.. ليصبح مغبوناً وهو يملك الصحة والفراغ، قال صلّى الله عليه سلم: ((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس؛ الصحة والفراغ)). ذلك أن احتفاظ المؤمن عموماً والأخ والداعية على وجه الخصوص بصحة وفراغ دون عمل غبن كبير، وسلبية مفرطة.
هلْ مِنْ علاج؟
نضع بين يديك جملة من الوسائل تساعد على التخلّص من هذه الآفة الخطيرة التي تحدّ من همّة المسلم ونشاطه، وقد يكون في قطع الأسباب المذكورة آنفاً وسائل مهمّة في تجديد الهمّة والقضاء على الفتور:
- مراقبة القلب الدائمة: ومراقبة الحالة الإيمانية تجعل العبد على علم بمكانه من الله، وهل هو في ازدياد أو نقصان؟ ودوام محاسبة النفس يعيد الأمور إلى نصابها ويجعله يستدرك الأمور قبل استفحال خطرها، ومعالجة الأمر في البدايات أيسر كثيرا من المعالجة في النهايات، والوقاية دائما خير من العلاج.
- المواظبة على عمل اليوم والليلة: من ذكر ودعاء وضراعة، أو استغفار، أو قراءة قرآن، أو صلاة ضحى، أو قيام ليل، ومناجاة ولاسيما في وقت السحر.
- ترصّد الأوقات الفاضلة والعمل على إحيائها بالطاعات: فإنَّ هذا مما ينشط النفوس، ويقوّي الإرادات.
- دفن النفس في أحضان الجماعة: وعدم اعتزالها أو الشذوذ عنها بحال من الأحوال.
- الانتباه إلى سنن الله في الإنسان والكون: من استفراغ الطاقة وبذل الجهد الإنساني أولاً، ومن التدرّج في العمل.
- الوقوف على معوقات الطريق من أول يوم في العمل: حتى تكون الأهبة، ويكون الاستعداد لمواجهتها والغلب عليها فلا يبقى مجال لفتور أو انقطاع.
- إعطاء البدن حقه: من الراحة والطعام والشراب مع الاعتدال في ذلك، فإن هذا مما يجدد نشاط الجسم ويعيد إليه قوته وحيويته.
- الدقة والمنهجية في العمل: على معنى مراعاة الأولويات وتقديم الأهم، وعدم الدخول في معارك جانبيه، أو مسائل جزئية هامشية.
- صحبة الصالحين المجاهدين من عباد الله: إذ أنَّ هؤلاء لهم من الصفاء النفسي والإشراق القلبي، والإشعاع الروحي، ما يسبي، ويجذب بل ما يحرّك الهمم والعزائم، ويقوّي الإرادات.
"من وسائل تجديد الهمّة والقضاء على الفتور: مراقبة القلب الدائمة، ومراقبة الحالة الإيمانية التي تجعل العبد على علم بمكانه من الله"
عبّاد بن بشر.. نموذج من أهل الهمم
بعث النبيُّ عليه الصّلاة والسّلام عبَّاد بن بشر وعمار بن ياسر، حارسين للمسلمين، فجاء الليل فقال عباد لـعمار: تنام أوّل الليل أو آخره؟ قال عمار: بل أنام أول الليل، فنام عمار بن ياسر، وقام عباد بن بشر يحرس ثغراً من ثغور المسلمين، فقام يصلي، لم يقرأ الجريدة، أو يتحدث ويتسامر مع نفسه، أو ينظم الأشعار وغيرها، بل لا أحلى ولا أجمل عنده من أن يقوم الليل، فقام يصلي، فنظر إليه أحد المشركين في الليل فرماه بسهم فوقع فيه، فنزع السهم وأكمل صلاته، والدم ينزف منه، ثم رماه الثانية، فوقع فيه ونزعه وأكمل صلاته، ثم رماه الثالثة فانتبه عمار فقال: لِمَ لم توقظني من أول رمية؟! فقال له عباد بن بشر: كنت في سورة أقرأها فلم أحبّ أن أقطعها حتى أفرغ منها، وأيم الله لولا خوفي أن أضيع ثغراً أمرني رسول الله عليه الصَّلاة والسَّلام بحفظه لما قطعت السورة حتى تنقطع روحي.
انظر كيف يشعرون بالمسؤولية، بعض الناس إذا حدثته بهم الدعوة، قال: وما شأني؟ تخبره بأمور المسلمين، فيقول: ماذا أفعل؟ تقول له: تضيع أوقاتك الثمينة، يا من كنت تحفظ بعض آيات في القرآن، يا من كنت تقرأ السنة، يا من كنت تحضر الدروس، ما فعلك اليوم في أمة الإسلام؟ ما دورك؟ ما نصيبك في نصر المسلمين؟ هل أنت من الذين يتفرجون، وينتظرون الساعة تلو الأخرى، لا هم له إلا أن يقرأ الأخبار، انتصر المسلمون، أو لم ينتصروا؟
إن حدثته بمصيبة، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، إنا لله وإنا إليه راجعون، أما أن يقوم ويتحرك فهذا لا هم له، ولا يبالي بهذا، يقول الله عزّ وجل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ}. ]التوبة: 38[.
نعم. إنه يفتح محلاً تجارياً بعد أن كان داعية إلى الله، أصبح الآن مشغولاً بالتجارة، نهاره تجارة، ليله تجارة، كلامه تجارة، همه الدنيا، قال عليه الصلاة والسلام: ((تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس وانتكس)). إذا سألته أن يضحي بشيء في سبيل الله قال: أبنائي وزوجتي، البيت يحتاج، أريد أن أشتري سيارة فلان، أريد أن ألبس كفلان، أريد أن أسكن كفلان.
صهيب يخرج من مكة وكان غنياً ثرياً، فلا يسمح له كفار قريش أن يهاجر إلى المدينة، فيقول لهم: ماذا تريدون؟ يقولون: لا نسمح لك أن تجمع المال منا ثم تهاجر بمالك إلى المدينة وتأخذ أموالنا، قال: ماذا تريدون؟ إذا كنتم تريدون أموالي فهي مدفونة في مكان كذا وكذا، خذوها واتركوني أهاجر إلى رسول الله، باع دنياه، وضحى واشترى نفسه في سبيل الله: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} ]التوبة:111[.