تتأكد أهمية التغيير وتطوير أداء الحركة الإسلامية في هذا العصر، الذي تنوعت فيه العلوم، وتعاظم فيه تأثير التكنولوجيا والاتصالات، ويتسارع فيه مسير المجتمعات باتجاه العولمة. والحركة الإسلامية بوصفها منظمة؛ فيجري عليها ما يجري على غيرها من الحاجة لدوام التطوير والتغيير.
ولقد تطوَّرت دلالة مفهوم التغيير خلال السنوات الماضية، وينظر له حالياً باعتباره ظاهرة طبيعية، وحاجة تنظيمية، تقوم على مجموعة من العمليات، وينتج عنها إدخال تطوير بدرجة معينة على عنصر أو أكثر، كما يمكن النظر إليه كسلسلة من المراحل التي يتم من خلالها الانتقال من الوضع الحالي إلى الوضع المراد.
وقد ظهر التطوير التنظيمي كحقل علمي في خمسينيات القرن الماضي، وكان تطوير المنظمات يستند في حينه إلى رؤى فردية، ومن ثمّ تبلور المفهوم ليصبح إطاراً متكاملاً لنظريات وممارسات علمية، قادرة على إيجاد الحلول وتقديم المساعدة للتعامل مع المشكلات التي تواجه التغيير في المنظمات.
"الحركة الإسلامية بوصفها منظمة؛ فيجري عليها ما يجري على غيرها من الحاجة لدوام التطوير والتغيير"
وتتفق التعريفات الحديثة لتغيير المنظمات على أنَّه علمُ السلوك المتصل بالتغيير المخطط، كما أنه يهدف إلى تطوير المنظمة ككل، وغايته زيادة فاعلية المنظمة، وتطوير العاملين.
وتأسيساً على ما سبق؛ فإنَّ جميع جوانب الأداء في الحركة الإسلامية يلزم أن تكون مستهدفة في عملية التغيير والتطوير، وعند تحديد أولويات هذه العملية، ستبرز أهمية التركيز على الجوانب التالية:
- الاهتمام بالتحوّل التنظيمي في الحركة الإسلاميّة، وهو تغيير متعدد الأبعاد والمستويات، يشمل الجوانب الحركية والسياسية والتربوية والتنظيمية والبنيوية، والتحوّل التنظيمي يفرض متطلبات أكثر على القيادة العليا، كما يحتاج إلى رؤية مستقبلية محددة، ويلزم مهارات إدارية متزامنة لعدد من المتغيرات.
- الاهتمام ببناء ثقافة تنظيمية متينة للحركة الإسلامية، ويشمل ذلك تأسيس القيم والأعراف والتوقعات التنظيمية، ومن المهم أن تنصب الجهود لتعريف وقياس وتغيير ثقافة الحركة الإسلامية على نحو دقيق.
- الاهتمام بالتعلم النوعي المستمر، ولجميع العاملين، والتركيز على الجوانب السياسية والاقتصادية، والعناية بالمهارات والمواهب. والعمل على الإفادة من التجارب، والقيام بالمراجعات.
- التوسع بإنشاء فرق عمل، خصوصاً المدارة ذاتيّاً، وهي تعد آليات مرنة لاستثمار أكبر قدر من طاقات الأفراد، وبالموازاة مع التشكيلات التنظيمية المختلفة.
"الاهتمام بالتحوّل التنظيمي في الحركة الإسلاميّة، وهو تغيير متعدد الأبعاد والمستويات، يشمل الجوانب الحركية والسياسية والتربوية والتنظيمية والبنيوية"
- إدارة الجودة الشاملة، ومن خلال جهد شمولي جمعي للحركة الإسلامية، والعمل على إدامة المناخ الذي يطوّر فيه الدعاة باستمرار قدراتهم لتطوير أدائهم الدعوي. ويعتمد التوجّه نحو الجودة الشاملة بشكل أساسي على استخدام وسائل فعّالة. وعلى القيادة العليا إدراك أنه كلما تأخر تحقيق الهدف زادت الحاجة إلى دعم بيئة العمل الدعوي.
- الاهتمام بتحديد الرؤية المستقبليّة للحركة الإسلامية، والعمل لتكون هذه الرؤية هي بوصلة الجميع، وأن تعمل القيادة على حفز ومساعدة العاملين للقيام بوضع رؤى شخصية لهم تدعم الرؤية العامة للحركة.
- إعادة هندسة الاتصالات الإداريّة بين المستويات المختلفة في العمل الدعوي؛ إذ لا يمكن أن يكون هناك اشتراك في الرؤية المستقبلية إلا بوجود مستوى كفؤ من الاتصال بين العاملين في جميع مستويات العمل.
- الاستعداد الدائم للتغييرات الخارجية، والتكيف معها، من أجل تحقيق الأهداف المرجوة، وتهيئة المناخ التنظيمي المناسب من أجل إحداث التغيير المخطط.
- التفاعل مع البيئة الخارجية، وضرورة متابعتها والتأثير فيها، وتطوير الأداء؛ لتصبح الحركة الإسلامية أحد الفواعل في السياسة الدولية.
- إعادة هندسة البنى التنظيمية، لاستيعاب جميع الطاقات ومختلف المواهب، والتقليل من الأعباء الإدارية البيروقراطية. والتركيز على استلهام تطبيقات إدارية موضوعية مرنة، تتناسب وطبيعة الظروف والأعباء الحياتية على الدعاة.
- التغيير النوعي للأفراد، والعناية الفائقة بالمورد البشري، وتعظيم الاستفادة من رأس المال الفكري، وتعميق دراسة وفهم محددات السلوك التنظيمي، والسعي إلى تكوين التنظيم عالي الأداء. وذلك بالتركيز على رفع المهارات وتنمية القدرات أو تعديل أنماط السلوك من خلال نظم التدريب أو تطبيق قواعد المكافآت والجزاءات التنظيمية. ومن الباحثين من ركز على النواحي الإنسانية عند إحداث التغيير التنظيمي في المنظمة، وذلك من خلال إدخال التغيير في مجالين أساسيين هما: المهارات والاتجاهات.
- الاستيعاب والتعامل مع الآثار المتسارعة للعولمة وأطرافها المختلفة، خصوصاً المنظمات الدولية والشركات عابرة القارات، وتأثيراتها المدهشة على الدولة والسلطة، والتربية، والذوق العام، والمشاعر، والأسواق، والتقارب بين المجتمعات، وتطوير أساليب التعامل معها، واستثمار إيجابياتها والتقليل من سلبياتها.