حتى نحرر فلسطين ونحقق الانتصار

الرئيسية » بصائر تربوية » حتى نحرر فلسطين ونحقق الانتصار
440

سبعة وستون عاماً مرت على إقامة الكيان الصهيوني على الأرض الفلسطينية المباركة، وطرد أهلها وتشريدهم في أصقاع الأرض وبلدانها المختلفة. وما زالت تتوالى الذكريات على نكبة فلسطين عام 1948م، وما تبعها من ضياع القدس وباقي الأرض في عام 1967م، والفلسطينيون يمنّون النفس وينتظرون بلهفة وشوق ذاك اليوم الذي يتمكنون فيه من العودة إلى أرضهم ومقدساتهم، ويطوون فيها صفحة أطول استعمار عسكري عنصري في وقتنا الراهن.

كثيرٌ من الناس يبثون الأمل بقرب الانتصار والحرية، لكنه لا يصح أن يكون مجرداً عن العمل والسعي والتضحية لتحقيق ذلك.

نعم إن تحرير فلسطين أمنيتنا جميعاً، لكن ما نيل المطالب بالتمني، ولا تحرر فلسطين بالكلمات أو الشعارات البرّاقة وما شابهها.

كيان واهن

بلا شك أن الاحتلال الصهيوني يمارس أبشع صور اللاإنسانية والعنصرية للتغطية على حالة الضعف والوهن التي يعاني منها، فالاحتلال لا امتداد حقيقي له على هذه الأرض، والمغتصبون اليهود كلهم جاؤوا من دول خارجية، ليس لهم ارتباط حقيقي مثل ذاك اللاجئ الذي ورث الأرض عن آبائه وأجداده، ويربطه بها تاريخ يمتد لمئات أو آلاف السنين.

"الله أكد أنه مع المتقين، والتقوى لا تكون مجرد شعار مرفوع فحسب، وإنما تحتاج إلى جهد ومتابعة، وصبر ومجاهدة"

لذلك فالاحتلال الصهيوني يقوم على ركيزتين اثنتين فقط، هما الأمن والاقتصاد. ونظرية الأمن تعززها القوة العسكرية، وترسخها اتفاقيات التنسيق والتعاون الأمني مع السلطة الفلسطينية. أما الاقتصاد فإن ما يساهم في وجوده التعامل الاقتصادي والانفتاح على المحيط العربي أو التطبيع معه بالإضافة إلى الهدوء العسكري، أقصد عدم وجود حرب ضد الفلسطينيين أو غيرهم.

والحقيقة التي لا يمكن إنكارها أن الفلسطينيين خصوصاً كتائب القسام، قد برعوا في الجانب الأول، وضربوا النظرية الأمنية الصهيونية، بدءاً من العمليات الاستشهادية، وانتهاء بالصواريخ التي تساقطت على كافة الأراضي المحتلة، والتي كشفت عن مدى هشاشة الكيان الصهيوني، حتى كانت الهجرة العكسية في بعض الفترات تفوق نسبة الهجرة إلى فلسطين. ولو كان الإعلام الصهيوني شفافاً وينقل الحقيقة، لتفاجأنا بحجم الضعف والوهن الذي دب فيهم خلال حرب العصف المأكول الأخيرة. الأمر الذي يؤكد على أن الخيار العسكري، ومواجهة الاحتلال كفيلة بتحقيق هذا الحلم الذي يراود كل فلسطيني منذ ما يقارب السبعة عقود.

"لا تحرير دون سلاح، و"السلام" أو الاستسلام لا يجلب حرية أو ينتزع أي حقوق"

في الوقت نفسه فإن الجانب الاقتصادي، يتأثر بشكل طردي مع حجم الخسائر العسكرية وبلا شك أن الاحتلال تكبد خسائر فادحة في كل حرب أو مواجهة عسكرية شارك فيها، بالإضافة إلى حملات المقاطعة التي تعرض لها. لكن ما يعيب تلك الحملات أنها في غالبها وقتية فقط، أي لا تقوم على أسس وخطط منظمة. لكن في المجمل فإن المعلوم أن المغتصب الصهيوني لا يأتي إلى فلسطين المحتلة إلا لأجل الامتيازات الاقتصادية والأرباح المادية، فإذا غابت أو قلّت كان ارتباطه بالأرض ضعيفاً إن لم يكن معدوماً!!

ماذا نحتاج للتحرير؟

أستحضر في هذا المقام قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين} [التوبة:123]. وفي كلمة غلظة إشارة إلى وجوب إلحاق الخوف بهم ودب الرعب في نفوسهم، بالإضافة إلى الجرأة والصبر، ولا يقصد بها الوحشية أو التمثيل، وإنما الصمود والقوة وضرب النظرية الأمنية التي يقوم عليها الاحتلال على هذه الأرض.

"لابد من الواقعية ودراسة الأمور بحيادية، بعيداً عن التفاؤل المفرط، أو التشاؤم السلبي المحبط، بحيث تحدد مكامن الضعف والهوان لدولة الاحتلال"

وتطبيقاً للمعاني التي تشير إليها هذه الآية، فإننا يمكن أن نجمل متطلبات التحرير والانتصار بالأمور الآتية:

  • تحقيق التقوى، وقوة الإيمان والتربية، فالله عز وجل ربط تغيير الأحوال بتغيير ما بالنفوس، فقال عز وجل: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيرا ما بأنفسهم} [الرعد:11]. والله عز وجل أكد في الآية الماضية أنه مع المتقين، والتقوى لا تكون مجرد شعار مرفوع فقط، وإنما تحتاج إلى جهد ومتابعة، وصبر ومجاهدة، ويدخل في ذلك الوعي التربوي، وانعكاسه على السلوك، وقوة الصف، وزيادة لحمته وتماسكه.
  • الخطاب السياسي الواضح، المتمسك بثوابت القضية ومعالمها، والذي لا يفرّط بالحقوق أو يعترف بشرعية الكيان، وهذا النوع هو الجهاد أو "القتال" السياسي. وكلما كانت الرؤى السياسية واضحة، تقوم على أسس وخطى مدروسة، كلما أضعفت الكيان الصهيوني وساهمت باندحاره، ويدخل فيها المقاطعة الاقتصادية، وإلحاق الخسائر به.
  • لحمة الصفوف مع أبناء الشعب الفلسطيني بكافة فئاته وأطيافه، وحشد التأييد الشعبي؛ لأن لها دور في تحقيق الغلظة، والمساهمة في الصبر والتحمل، خصوصاً أن المواجهات العسكرية يعقبها خسائر فادحة في الأرواح والأموال. فوجود العمق الشعبي، وتبينه خيار المقاومة والصمود، يسرّع بالنصر ودحر المحتل. يقول ابن خلدون في مقدمته: ".. وأحوال الملوك والدول راسخة قوية، لا يزحزحها ولا يهدم بناءها إلا المطالبة القوية التي من ورائها عصبية القبائل والعشائر". وإذا كان هذا حال الدول "الراسخة" فكيف بالدول الهزيلة من حيث التركيب والانتماء كالكيان الصهيوني!!
  • من مستلزمات تحقيق الغلظة في قتال العدو، الواقعية ودراسة الأمور بحيادية، بعيداً عن التفاؤل المفرط، أو التشاؤم السلبي المحبط، بحيث تحدد مكامن الضعف والهوان فيه. ولا بد أن يقوم به أهل الاختصاص، مع المعنيين بكافة الشؤون المختلفة، بالإضافة إلى تقييم العمل إيجاباً أو سلباً. ولا تعني الواقعية الخضوع والرضا بالاحتلال ووجوده.
  • المقاومة الراشدة المبدعة، التي تجمع بين أصالة القضية، وإبداع الأسلوب، وثبات وتضحيات الأفراد. فلا تحرير دون سلاح، و"السلام" أو الاستسلام لا يجلب حرية أو ينتزع أي حقوق، وهو ما أثبته التاريخ، ومارسته الشعوب. وهي تحتاج إلى التخطيط المستمر، بحيث تحوي على مراحل وخطوات تسير نحو تحقيق الهدف الأسمى وهو تحرير كل فلسطين من بحرها إلى نهرها.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتب فلسطيني، متخصص في الشريعة الإسلامية والسياسة، مهتم بالإعلام والتربية والتعليم.

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …