من بين أهم السمات التي تميِّز شهر رمضان المبارك، هو تنوعه، ففيه الروحانيات والاجتماعيات، فيه من الأحداث التاريخية، الكِبار العِظام، والتي رسمت ملامح مستقبل هذه الأمة.
ففي القرآن الكريم وصحيح السُّنَّة النبوية الشريفة، هناك الكثير من التعاليم والتوجيهات الإلهية والنبوية فيما يتعلق بكيفية قضاء الشهر الفضيل، والعبادات المفروضة فيه والمستحبة، مثل الصوم وقراءة القرآن الكريم وقيام الليل، أما كتب التاريخ فتخبرنا كم مرَّ في هذا الشهر من معارك وأحداث وانتصارات، من بينها غزوة بدر الكبرى، وفتح مكة، ومعركة حطين، وفتح الأندلس على يد طارق بن زياد، وغيرها من الحوادث الكبرى.
أما كتب السير الذاتية والكتب التي تتناول عادات وتقاليد المجتمعات العربية والإسلامية، ومجتمعات المسلمين في بلدان الأقليات؛ فإنها تبرز كيف أن شهر رمضان، هو شهر الزيارات والتواد والتراحم، ومن بين أبرز مظاهر ذلك الإفطارات الجماعية وموائد الرحمن وجلسات السمر بعد صلاة التراويح.
"الطابع المتنوع والمتميز لهذا الشهر الفضيل، يفرض على المسلم الذكي إعداد جدول متنوع ومتوازن بدوره؛ حتى لا يفوته أي فضل من فضائل الشهر الكريم"
هذا الطابع المتنوع والمتميز لهذا الشهر الفضيل؛ يفرض على المسلم الذكي إعداد جدول متنوع ومتوازن بدوره؛ حتى لا يفوته أي فضل من فضائل الشهر الكريم.
وفي الهدي النبوي الشريف ما يؤكد على ذلك، وبما أن الرسول الكريم "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"، هو قدوتنا وأسوتنا، بنص القرآن الكريم؛ فإن ذلك يستوجب على كل مسلم أن يستقبل رمضان أولاً بتدارس الكيفية التي كان عليها الرسول الكريم "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"، في رمضان، وأن يعدَّ – ثانيًا – بناءً على ذلك جدوله خلال الشهر الفضيل، بناء على سمة الموازنات؛ أي كيف توازن بين عاداتك وعباداتك في الشهر الفضيل، من واقع الممارسة النبوية الشريفة.
فبجانب الصيام والقيام، كان للرسول الكريم "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"، الكثير من السمات والأمور التي يقوم بها في هذا الشهر المبارك.
ففي مجال العبادة، تنوعت ألوان العبادات المختلفة التي كان "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"، يقوم بها، فقد كان كثير القراءة للقرآن الكريم في رمضان، وكان كثير الاعتكاف؛ حيث ورد في صحيح "البُخاري"، عن السيدة عائشة "رَضِيَ اللهُ عَنْها"، أن النبي "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" كان يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، وفي العام الذي قُبِض فيه، اعتكف عشرين يومًا، وكان يزيد في الاجتهاد في العبادة في العشر الأواخر، ففي صحيح "مسلم" عن السيدة عائشة "رَضِيَ اللهُ عَنْها"، أن النبي "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره.
ولكن هذا لم يكن يصرفه "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"، عن باقي جوانب الشهر الكريم، مثل الجود والصدقة؛ ففي الصحيحين، عن ابن عباس "رَضِيَ اللهُ عَنْهما"، قال: "كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، وكان جبريل يلقاه كل ليلة من ليالي رمضان فيدارسه القرآن".
وله "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" الكثير من التوجيهات في الجانب الأخلاقي، في شهر رمضان؛ فقد كان يحث على الحفاظ على الصيام من كل خلق يمس فضيلة العبادة وثوابها، ففي صحيح "البُخاري"، عن أبي هريرة "رَضِيَ اللهُ عَنْه"، أن الرسول "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"، قال: "مَن لم يدَعْ قَوْل الزُّور والعمل به فليس لله حاجة في أنْ يَدَعَ طعامه وشرابه".
خطوات عملية
والآن؛ كيف تقضي رمضان؟!، وما هو جدولك اليومي فيه؟!.. البعض يظن أن البداية تكون في الصباح؛ بل إن البعض بحجة الإرهاق والتعب بسبب الصيام؛ يبدأ يومه بعد الظهيرة، وربما استمر في السهر طيلة الليل؛ بحيث ينام طيلة النهار؛ فلا يشعر بمرور اليوم ولا بتعب الصيام، وهو ما يخالف سُنَّة الصيام الأصلية، وهي المشقة والتعب، والتي يكون الثواب على قدرها.
البداية الحقيقية ليوم الصائم، تكون ما قبل الفجر؛ حيث يستيقظ لتناول السحور، والذي كانت سُنَّة الرسول الكريم "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"، في تأخيره، ثم بعد ذلك الاستعداد لأداء صلاة الفجر وسننها، ثم العبادة حتى طلوع الشمس.
يستكمل المسلم بعد ذلك يومه؛ فيذهب إلى عمله، أو تنشغل ربة المنزل بأمور بيتها وأسرتها، وإعداد الإفطار للصائمين، والذي ما يكون أفضله في "الَّلمات" الأسرية والعائلية، وجماعات الأصدقاء؛ حيث يجتمع الناس حول ذكر الله تعالى، والمحبة فيه.
ومن بين أفضل أوقات اليوم في الشهر الفضيل، ما بين صلاتَيْ العصر والمغرب؛ حيث الذكر والدعاء؛ فلا تردُّ دعوة الصائم كما قال "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
بعد ذلك تكون أكثر فترات يوم الصائم تنوعًا، ما بين الراحة؛ انتظارًا لصلاة العشاء ثم التراويح، ثم تأتي الواجبات الاجتماعية ومظاهر البهجة الإنسانية احتفالاً بالشهر الفضيل، قبل العودة إلى جدول العبادة بقيام الليل.
ولا بأس بالتأسي بالصحابة الكرام رضوان الله تعالى عليهم، والسلف الصالح، في الكيفية التي كانوا يقضون بها شهر رمضان المبارك.
ومن خلال السير والتراجم الخاصة بهؤلاء؛ سوف نجد أن الهم الأكبر لهم كان هو العمل على كسب أكبر قدر ممكن من رضوان الله تعالى وفضله وحسناته المضاعفة في هذا الشهر الكريم، وفي المقابل السعي إلى غسيل الصحائف مما فيها من ذنوب.
فقد ورد عن عمر بن الخطاب "رضيَ اللهٌ عنه"، أنه كان يقول عن شهر رمضان: "مرحبًا بمطهرنا من الذنوب"، وكان عبد الله بن عمر "رضيَ اللهُ عنهما"، إذا أفطر يقول: "اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيئ أن تغفر لي".
كما كانوا شديدي الاهتمام بالقرآن الكريم، فكانوا يتعاهدون القرآن بالتلاوة والتدبُّر، وكان أنس بن مالك على وجه الخصوص، يفضل تلاوة القرآن الكريم على مجالسة أهل العلم في الشهر الفضيل.
وفي الأخير؛ فمهما قلنا عن فضائل رمضان؛ فلن يمكن جمع كرم الخالق عز وجل، فيه مع عباده، ويبقى أن يقف الإنسان أمام نفسه، ويعاهدها على الحصول على أكبر قدر من عطايا الرحمن فيه.