رمضان والثورة المضادة.. الحركيون والدعاة وواجب تنويري عاجل!

الرئيسية » بصائر الفكر » رمضان والثورة المضادة.. الحركيون والدعاة وواجب تنويري عاجل!
المسلمون6

وصلت السياسة المصلحية الضيقة والثورة المضادة إلى فرائض الإسلام، في عالمنا العربي والإسلامي، وهو ليس افتئاتًا أو ظلمًا للقوى الظلامية التي تشرف على تصفية المشروع الحضاري الإسلامي في أمتنا، وإنما هو واقع قائم، وبالدليل الذي لا يجافي الحقيقة في شيء.

وفي حقيقة الأمر؛ فإنه من الأهمية بمكان ضبط أمر أو حقيقة مهمة في هذا الإطار، وهو الحملة الراهنة على الدين، وخصوصًا التديُّن، الذي يعني إقامة الدين ذاته، وتطبيق أحكام الشريعة والمنهاج التي ارتضاها الله تعالى للإنسان، في كل شؤونه، على المستوى الفردي والمجتمعي.

هذه الحملة، لا تعود إلى وقتنا الراهن، وتفاعلات الثورة المضادة، التي ترغب في امتصاص مكتسبات التيارات الإسلامية التي نالتها بعد عقود طويلة من العمل السياسي والمجتمعي العام، ضد أنظمة الفساد والاستبداد القائمة، وإنما هي قديمة، وفقط اكتسبت أبعادًا جديدة في مرحلة ما بعد الربيع العربي.

الضابط المفاهيمي الثاني الذي نود التأكيد عليه في هذا الإطار، هو أن المعركة الحالية التي طالت أركان الدين في بعض مجتمعاتنا العربية والإسلامية، إنما هي ليست ضد مشروعات الإسلام السياسي وتنظيماته، وخصوصًا التنظيمات الصحوية، وإنما هي تخص المشروع الحضاري الإسلامي ككل، استجابة لمخطط أشمل، تفرضه قوى الاستعمار والاستكبار العالمي.

وبمناسبة حضور الشهر الفضيل؛ فإننا نناقش هذا الواقع، ونسعى إلى إبرازه، من خلال قضايا تتعلق بالشهر وما فيه من فرائض.
طالعتنا وسائل الإعلام في غضون الأسابيع والأشهر الماضية، بعدد من التقارير والأخبار التي تتعلق بقضية الجهر بالإفطار في عدد من البلدان العربية، ما بين دعوات نشطاء علمانيين، وبين بعض الإجراءات التي بدأت بعض الحكومات في تبنيها، وتم التراجع عنها بسبب الغضب الذي أثارته في أوساط الغالبية المسلمة في هذه المجتمعات.

الجزائر والمغرب حالتان مهمتان في هذا الإطار، وفي المغرب ظهرت في الآونة الأخيرة حملات من أجل إلغاء القانون الذي يجرم الإفطار العلني في الأماكن العامة في رمضان، ويقضي بالسجن ستة أشهر أو دفع غرامة مالية لمن يُضبط يفطر في أماكن عامة نهار رمضان دون عذر.

هذه الحملة امتدت إلى بعض الأمور الأخرى ذات الأهمية في هذا الذي نتناوله، مثل العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، والسكر العلني.

ولقد ثار جدل عميق في المغرب بسبب تصريحات وزير العدل والحريات مصطفى الرميد، ومسؤولين آخرين في الوزارة، عند مناقشة مشروع مسودة قانون الإجراءات الجنائية الجديد، عندما دافعوا على هذه الأمور، باعتبار أنها تدخل في إطار الحريات الفردية، وأن التدافع ضدها، إنما فقط لمواجهة الفوضى التي يمكن أن تنتج عن حالات السكر العلني أو الإنجاب خارج مؤسسة الزواج!

هذه الآراء الصادمة أنكرها الشعب المغربي، ففي استطلاع حديث للرأي، رفض أكثر من تسعين بالمائة من المغاربة الجهر بالإفطار في رمضان، ونسبة مقاربة منهم رفضت الشواذ وأن يكون لهم حقوق مجتمعية، كما رفض أكثر من ثمانين بالمائة تقنين الإجهاض، والتعري في الأفلام السينمائية، بما يشير إلى فشل المخطط الذي ظل طيلة عقود طويلة، يسعى إلى انتزاع الدين من صدور أبنائه، في المغرب وغيرها من بقاع عالمنا العربي والإسلامي.

ذات الموقف تكرر في الجزائر؛ حيث رفض الجزائريون دعوات أطلقتها جمعية تدعى "ماك"، للإفطار الجماعي جهارًا نهارًا في شهر رمضان.

و"ماك"، جمعية ناشطة في مجال حقوق الإنسان والحريات العامة، وترفع شعارات على غرار "حرية الضمير والمعتقد وممارسة الشعائر الدينية"، وتنشط أساسًا في منطقة القبائل، في ولايتَيْ تيزي أوزو، وبجاية، شرقي البلاد.

الشعب الجزائري الذي يكن لشهر رمضان قدسية خاصة، تفوق شعوبًا عربية ومسلمة أخرى، بسبب ظروف الاستعمار الطويل الذي مرت به البلاد، حوالي 132 عامًا، وكان صيام رمضان أحد أهم وسائل الجزائريين، بمن فيهم مَن هم من أصول عربية، أو من أصول بربرية على حد سواء، في التعبير عن هويتهم الإسلامية، في وجه المستعمر المسيحي.

واستمر هذا الوضع حتى بعد خروج الاستعمار الفرنسي من البلاد، ولذلك الرفض الشعبي الجزائري لهذه الأمور، طالت حتى وزير الأوقاف محمد عيسى، عندما لم يتخذ الإجراءات الكافية للتعامل مع مثل هذه الدعوات المارقة.

ورد الجزائريون على مثل هذه الدعوات بوسائل لطيفة، يمكن أن تكون نماذج عمل أمام الحركيين والدعاة عند البحث في كيفية التصدي لمثل هذه الدعوات المشبوهة، التي تتستر وراء دعوات حقوق الإنسان والحريات الفردية.

ومن بين هذه الوسائل دعوات مضادة لإقامة صلوات وإفطارات جماعية في الميادين وفي المساجد الكبرى، مع وعظ المجاهرين بالإفطار بالصورة التي تحقق الآية القرآنية الكريمة: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)} [سُورة "النَّحل"].

ويمكن تفسير موقف بعض الحكومات العربية والإسلامية من مثل هذه الدعوات المشبوهة، وعدم القيام بما يجب عليها لحفظ وصيانة القيم الأساسية للمجتمعات التي هي قيِّمةٌ عليها؛ لأكثر من اعتبار.

الأول منها هو عدم رغبتها في انتشار الحسِّ الديني في المجتمعات التي تحكمها، وهو ما يصب في صالح القوى السياسية التي تعتبرها هذه الأنظمة خصومها؛ لكونها البديل الحضاري لها، وهي القوى الإسلامية الصحوية، وفي القلب منها الإخوان المسلمين.

الثاني، هو رغبتها في المحافظة على مصالحها مع الغرب، فأحد التفسيرات المطروحة لموقف الحكومة الجزائرية على سبيل المثال، من مثل هذه الدعوات، هو تقارير الخارجية الأمريكية عن حالة حقوق الإنسان في دول العالم المختلفة، والتي تُبدي – هذه التقارير – ملاحظات جمَّة على أوضاع الحريات العامة والخاصة في الدول العربية والإسلامية.

المؤسف أن هذه الحكومات والأنظمة لا تتحرك إلا فيما يخص هذه الأمور؛ فنجدها تفرط في قيم الدين الحنيف، بينما تتجاهل بالكُلِّيَّة الانتقادات الأخرى الموجهة إليها هي ذاتها، وانتهاكاتها لحقوق معارضيها في التعبير عن آرائهم ومواقفهم، واحترام قواعد الديمقراطية السليمة.

وبالرغم من وضوح الحس الديني للشعوب؛ إلا أن هناك واجب عاجل وممتد زمنيًّا، أمام الدعاة والحركيين، وهو تنوير هذه الشعوب؛ ليس بمحتوى دينها؛ فهي تعرفه جيدًا، ولكن بحقيقة مثل هذه الدعوات، والسياق الأكبر الذي تتحرك فيه، على هذا النحو!

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
"باحث مصري في شئون التنمية السياسية والاجتماعية، حاصل على بكالوريوس في العلوم السياسية والإدارة العامة من جامعة القاهرة عام 1997م، كاتب في موقع "بصائر"، عمل سكرتيرًا لتحرير مجلة "القدس" الشهرية، التي كانت تصدر عن "مركز الإعلام العربي" بالقاهرة، وعضو هيئة تحرير دورية "حصاد الفكر" المُحَكَّمة، له العديد من الإصدارات، من بينها كتب: "أمتنا بين مرحلتين"، و"دولة على المنحدر"، و"الدولة في العمران في الإسلام"، وإيران وصراع الأصوليات في الشرق الأوسط"، وأخيرًا صدر له كتاب "أسس الحضارة والعمران في القرآن الكريم"، وله تحت الطبع كتاب بعنوان "الدولة في العالم العربي.. أزمات الداخل وعواصف الخارج".

شاهد أيضاً

إلى أي مدى خُلق الإنسان حرًّا؟

الحرية بين الإطلاق والمحدودية هل ثَمة وجود لحرية مطلقة بين البشر أصلًا؟ إنّ الحر حرية …