الأرحام في اللغة جمع رحم وهي علاقة القرابة، والراء والحاء والميم أصل واحد يدل على الرأفة والرقة والعطف. وقد سمي رحم الأنثى رحماً من هذا، لأنّه منها ما يكون ما يرحم ويرق له من ولد" (ابن فارس، معجم مقاييس اللغة).
والرحم اسم مشتق من اسم الله عز وجل الرحمن الدال على صفة الرحمة، وهي شجنة من الرحمن أي المشتبكة كاشتباك العروق، لذلك حث الإسلام على صلة الأرحام ودعا إليها ورغب فيها، وحذر من قطيعة الرحم، ولا شك أنّ صلة الأرحام في شهر رمضان شهر الرحمة تعد من الأمور التي يتوجب على المسلمين القيام بها والمحافظة عليها.
وجوب صلة الأرحام
صلة الارحام واجبة وقطيعتها من الكبائر قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]، وقال تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ، أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد:22،23].
وأوجب الإسلام الإحسان إلى الأرحام وصلتهم ولو كان الرحم كافرا، "إذا آنس منه رجوعاً عن الكفر، أو رجا أن يخرج من صلبه مسلم" (ابن حجر: فتح الباري). قال تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9)} [الممتحنة]، يقول السعدي في تفسيره: "لا ينهاكم الله عن البر والصلة والمكافأة بالمعروف والقسط للمشركين من أقاربهم وغيرهم حيث كانوا بحال لم ينتصبوا لقتالهم في الدين والإخراج من ديارهم". كما و ودعا إلى صلة القريب الفاجر، قال ميمون بن مهران: "ثلاث تؤدى إلى البر والفاجر _ذكر منها_ الرحم توصل برة كانت أو فاجرة".
"صلة الرحم طاعة لله تعالى، وشعار بالإيمان بالله واليوم الآخر، وسبب في عون الله وتأييده، وزيادة الرزق وطول العمر"
ولصلة الأرحام ثمرات في الدنيا والآخرة فهي طاعة لله تعالى، وشعار بالإيمان بالله واليوم الآخر، وتوجب صلة الله تعالى للواصل، وسبب في عون الله وتأييده، وسبب لزيادة الرزق وطول العمر، وهي من أحب الاعمال الى الله تعالى، وسبب في مضاعفة الأجر والثواب، وسبب لدخول الجنة والنجاة من النار، وسبب لشيوع المحبة والترابط، وسبب في رفعة الواصل، ودليل على كرم النفس، وتدفع ميتة السوء.
ولقطيعة الأرحام عقوبات في الدنيا والآخرة، فقد استحق القاطع اللعنة أي الطرد من رحمة الله تعالى، وقطع الرحم قطع للوصل مع الله، وتعجيل العقوبة في الدنيا، وسبب في المنع من دخول الجنة.
كيف نحقق صلة الرحم؟
تكون صلة الأرحام بزيارتهم، والسؤال عنهم، وتفقد أحوالهم، والتصدق على فقرائهم، وكذلك التلطف مع أغنيائهم، بالإضافة إلى احترام كبيرهم، ومشاركتهم بأفراحهم ومواساتهم في أحزانهم، وعيادة مريضهم، وسلامة الصدر نحوهم، والتناصح وتقديم العون والمساعدة لهم، وكذلك بالكلمة الطيبة والوجه الطلق واللقاء الحسن والابتسامة الودود، وجماع ذلك كله كما قال ابن أبي حمزة: "إيصال ما أمكنه من الخير إليهم قدر طاقتك بنية القرب إلى الله تعالى".
وذهب ابن عثيمين إلى أنّ صلة الأقارب بما جرى به العرف واتبعه الناس؛ لأنّه لم يبيّن في الكتاب ولا السنة نوعها ولا جنسها ولا مقدارها، لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يقيدها بشيء معين، بل أطلق، ولذلك يرجع فيها للعرف، فما جرى به العرف أنه صلة فهو الصلة، وما تعارف عليه الناس أنّه قطيعة فهو قطيعة" (ابن عثيمين: شرح رياض الصالحين).
"في هذا الشهر تتآلف القلوب، وتزول الشحناء، ويزداد الإيمان وينكسر قلب الصائم وتذل نفسه وتزداد رحمته وشفقته، وأحق الناس بهذه الرحمة وهذا البر هم الوالدين والأرحام"
وتتأكد صلة الأرحام في شهر البر والرحمة والصلة شهر رمضان، هذا الشهر الذي تتجلى فيه كل معاني الألفة والمحبة والصلة بين الناس عامة والأرحام خاصة والوالدين خاصة الخاصة، ففي هذا الشهر تتآلف القلوب، وتزول الشحناء، ويزداد الإيمان وينكسر قلب الصائم وتذل نفسه وتزداد رحمته وشفقته، وأحق الناس بهذه الرحمة وهذا البر هم الوالدين والأرحام.
ومن التطبيقات العملية لصلة الأرحام في رمضان:
• التنافس في أعمال الخير كختم القرآن الكريم، أو تفطير صائم، أو صلاة التراويح والقيام.
• تفقد الأرحام بعضهم البعض في رمضان، وخاصة الفقراء والمحتاجين.
• عمل صندوق خاص في رمضان يجمع فيه الزكاة والصدقات، وصدقة الفطر، وتوزع على المستحقين من الأرحام سواء كانوا فقراء أو ايتاماً أو طلبة علم، فالصدقة على القريب الفقير صدقة وصلة، وهو أولى بالصدقة من البعيد.
• اجتماع الارحام على وجبة الإفطار دون كلفة أو تكلف، و قد يكون ذلك بالاشتراك في تجهيز الطعام، أو يتم بإحضار كل واحد منهم وجبة إفطاره، أو أنْ يقوم المقتدرين بتفطير الصائمين من الأرحام، وتناول طعام الإفطار في مكان واحد.
• استخدام وسائل التواصل الاجتماعي (الفيس، الواتس،...) لزيادة التواصل ونقل الأخبار من خلال عمل مجموعة يتواصلون من خلالها، وخاصة الأرحام الذين يسكنون في أماكن بعيدة.
• فتح صفحة جديدة بين المتخاصمين والمتهاجرين.