من الطبيعي للجمعيات النسائية العاملة في الحقل الدعوي، أو القطاعات النسائية في الحركات الإسلامية، أن تنشط في تحفيز الفتيات على الالتزام بالحجاب واللباس الشرعي، من خلال الدروس الدينية والأنشطة المتنوعة المرغّبة بالحجاب، ومنها حفلات التكريم للفتيات أو النساء الملتزمات حديثاً بالحجاب.. وهذا جهد تشكر عليه هذه الجمعيات، حيث تعيننا نحن الأهل في توجيه بناتنا نحو الالتزام.
وكم وقعت سابقاً من مواجهات طلابية واجتماعية بسبب الحجاب، بين أنظمة (مثل تركيا وتونس وفرنسا سابقاً) وبين الطالبات اللاتي كنّ تمنعن من دخول الصروح العلمية أو المؤسسات الرسمية بحجابهنّ، فينزع الغطاء عن رؤوسهن عنوة.. وكلنا سمع قصة أول نائبة محجبة دخلت البرلمان التركي (مروة قاوقجي) التي استفزّت بفعلها هذا النواب العلمانيين وبدأوا بالضرب على طاولاتهم، تعبيراً عن رفضهم لرؤية متحجبة في البرلمان.
الحجاب قديماً كان عنوان هوية للملتزمات في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، ونحمد الله أن زالت الغمّة وارتفع الاستبداد الاجتماعي والأمني، وبات متاحاً للفتاة أن تختار ما تلبس، دون أن تتعرض لملاحقة قانونية أو إيذاء اجتماعي.
لكن ما نشهده اليوم من تمييع لمفهوم الحجاب في مجتمعاتنا، واختزال التزام المرأة بقطعة قماش توضع على الرأس دون أن يترجم سلوكاً، أو الاقتصار على غطاء الرأس فيما لباس الجسد بعيد كل البعد عن الضوابط الشرعية، فضلاً عن المستحضرات التجميلية التي تغطي وجه الفتاة.. وطبعاً لا نغفل هنا الإشارة إلى دور الإعلام في تعميم نماذج مشوّهة للفتاة المتحجبة، ساهمت في صناعة هذه الظاهرة.
"الواقع الحالي يفرض على جمعياتنا النسائية أن تعيد النظر في عناوينها، وأن لا تساهم في اختصار التزام الفتاة بحجاب الرأس"
لكن هذا الواقع يفرض على جمعياتنا النسائية والقطاعات النسائية في الجمعيات أن تعيد النظر في عناوينها، وأن لا تساهم في اختصار التزام الفتاة بحجاب الرأس.. وكثيراً ما نسمع عناوين لأنشطة نسائية: "حجابي غيّر حياتي.. حجابك أغلى من دمي.. حجابك تاج على رأسك... الخ"، فنجدها تركز على غطاء الرأس فقط، وتدور الحملات التوعوية والترغيبية على لفظة "الحجاب"، دون الالتفات إلى مقاصد الحجاب، وأهمها الحشمة والستر.. ستر ليس شعر الرأس فقط.
لقد بتنا نرى متحجبات في الشوارع، فنكاد نقول: ليتها ما تحجبت.
إن جمعياتنا والقطاعات النسائية مدعوّة – أمام هذا الواقع المستجدّ - إلى ابتكار عناوين أكثر شمولاً من غطاء الرأس، لنركز على مقاصد الحجاب وليس الشكل.
صورة المرأة
أيضاً مما يلفت الانتباه في بعض الأنشطة النسائية الدعوية، تلك النرجسية في تصوير المرأة والمبالغة في دورها في المجتمع، فنسمع عناوين لأنشطة نسائية: "شموخ المرأة - المرأة نجمة في سماء المجتمع – المرأة القدوة – المرأة نصف المجتمع وهي ربّت النصف الآخر فهي المجتمع كله – المرأة التي تهزّ السرير بيسارها تهز العالم بيمينها... الخ".
وللصراحة لست أدري ما الذي يدفع جمعياتنا النسائية الإسلامية لهذا الخطاب؟!
قد أفهم الدوافع التي تنطلق منها الجمعيات هنا، وهي دفع الشبهة المثارة حول واقع المرأة في الإسلام، بأنها ليست مضطهدة ولا منتقصة الحقوق، بل هي نجمة وشامخة وصانعة الرجال...
لكن هل تعي جمعياتنا أنها بهذا الخطاب تفصل المرأة عن المجتمع، وكأنها جاءت من كوكب آخر، فيترتب على الجمعيات أن تنظم حملات إعلامية لتعريف المجتمع بأهمية المرأة ودورها!!
"إذا أرادت جمعياتنا أن تبرز موقع المرأة في ديننا الإسلامي، فلتقدّم للمجتمع نماذج مشرقة يتحدث إنجازها عن نفسه"
أليست المرأة أحد مكوّنَين أساسيين في المجتمع: الرجل والمرأة؟ المجتمع لا يقوم بالرجل وحده، وأيضاً لا تستقيم الحياة ولا يقوم المجتمع بالمرأة وحدها. فلمَ هذه المبالغة بتعظيم موقع المرأة.
ولا أسمح لنفسي أن أذكر ما يقوله البعض في التحليل النفسي لخلفيات هذا الخطاب.. ولا أظنه صحيحاً. لكني أقول:
إذا أرادت جمعياتنا أن تبرز موقع المرأة في ديننا الإسلامي، فلتقدّم للمجتمع نماذج مشرقة يتحدث إنجازها عن نفسه.. فلتقدّم المرأة الأديبة الملتزمة، والمرأة الإعلامية الملتزمة، والمرأة العالمة الملتزمة، والمرأة المتفوقة الملتزمة... فهذا أنجع وأكثر أثراً في تكوين صورة نمطية إيجابية عن المرأة الملتزمة.
وفق الله جمعياتنا والأقسام النسائية في عملها، وأعانها على مهمتها الصعبة.