التاجر الذكي هو من يستغل مواسم البيع والشراء وإقبال الناس على الأسواق؛ فيعد العدة ويشحذ الهمم حتى يربح ربحاً وفيراً. هذا حال من أراد ربح الدنيا، أما تاجر الآخرة فعليه أن يكون أكثر حرصاً على مواسم الخير والطاعات، ففيها تتجلى نفحات الله تعالى، فمن اغتنم فقد فاز فوزاً عظيماً، ومن ضيع وتكاسل فقد خسر خسراناً مبيناً.
ومن أعظم هذه المواسم ربحاً هو رمضان، فتتضاعف فيه الأجور، وتكثر فرص الربح والغنيمة، وقد عد النبي- صلى الله عليه وسلم- من ضيعه بأنه خاسر، فعن أنس بن مالك، يقول: ارتقى رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر، فقال:... رغم أنف امرئ أدرك شهر رمضان فلم يغفر له، فقلت: آمين "[رواه بن حبان].
ولخسارة رمضان أسباب، تضيع الوقت وتثبط عن العبادة والطاعة، وعلى المسلم الفطن الحذر من الوقوع فيها، حتى يخرج من هذا الموسم فائزاً بالمغفرة والرضوان، ومن هذه الأسباب ما يأتي:
1- الانشغال بتكنولوجيا العصر الحديث وما أفرزته من أدوات مفيدة في حين وضارة في حين آخر، فتأكل الأوقات وتضيع بركتها، فهو بين التلفاز وبرامجه المتنوعة، وبين وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، وأما العبادة فعند وقت فراغه المملوء بهذه الوسائل التي اشغلته في ليله ونهاره، علاوة على أن ترجع عليه هذه الأدوات بالإثم والخسارة.
2- الانشغال بالطعام والشراب والتحضير له بشكل مبالغ فيه، فيكفي الإنسان قليل الطعام، فترى على مأدبة أحدهم ما يكفي عائلة ممتدة، ثم يرمي ما زاد من طعامه، فيخسر ماله ووقته، ويضيع عليه اغتنام الطاعة والعبادة.
3- من أخطر ما قد يتعرض له المؤمن "الانتكاس في شهر رمضان" فقد بدأ بهمة عالية ثم بدأت همته تضعف مع مرور الوقت واعتياد الشهر الفضيل؛ حتى يعود لعاداته القديمة وتكاسله في الطاعة والعبادة، فرمضان ليس عادات وتقاليد بل هو إيمان وعبادة تدفع المسلم للعمل من أول الشهر لآخره.
4- الانشغال بالأسواق والتحضير للأعياد، وخاصة في العشر الأواخر من رمضان، فخسر ليله في السوق ونهاره بالنوم، وضاعت عليه أعظم ليالي الشهر وليلة القدر التي هي خير من ألف شهر.
5- الانشغال بالدنيا وزينتها ومن ذلك السهر الطويل والانغماس في الملذات والإكثار من الشهوات.
اقتراحات عملية:
وحتى يتجنب المسلم الوقوع فيما سبق، ويضيع الأوقات والمواسم الخير هذه بعض الاقتراحات:
1- احرص كل الحرص على الوقت في رمضان، وفوّت الفرصة على من يعبث بوقتك عن طريق تلك البرامج التي ملأت الشاشات، واجعل زياراتك لمواقع التواصل الاجتماعي بنية نشر الخير وشحذ همم الناس، وأن تكون كالغارة قصيرة لا طويلة.
2- لا تشغل نفسك بكثرة الملذات، فرمضان جاء لكبح جماح الشهوات، واجعل زادك من الطعام ما يقوي جسدك على العبادة والطاعة، ويكفي القليل منه.
3- حتى لا يدخل عليك الملل أو تثبط همتك وعزيمتك، لا تجعل العبادة في رمضان عشوائية بل خطط للعبادة في رمضان، واجعل خطتك مرحلية، فمثلاً قسم الشهر لثلاثة أقسام أو ستة أقسام، واجعل لكل قسم مهمات وطاعات، ولا تجعلها متشابهة بل نوّع فيها، واجعل الخطة تصاعدية، فكلما مر قسم من الخطة شعرت بإنجاز مما يدفعك للعمل والطاعة بشكل عجيب.
4- إذا شعرت بقلة العزم وانخفاض الهمة ارجع وابدأ من جديد، ولا تقل فات الفوت عن كسب رمضان، فيوم في رمضان خير من شهر في غيره، ولا تصل لحالة من اليأس بل ارفع همتك عالية، فهذا شهر العتق من النيران.
5- اجعل زيارتك للأسواق سريعة وحبذا لو كانت قبل العشر الأواخر من رمضان، وحدد الهدف من الخروج للسوق ولا تطلق العنان لنفسك في السوق، فذلك أدعى للمحافظة على الأوقات.
6- اجعل اهتمامك بالعشر الأواخر أعظم، وهيئ نفسك لمضاعفة الجهد والعبادة فيها، ففيها ليلة خير من ألف شهر.
ختاماً.. إن المضيع من فاتت عليه الفرص، وخسر المواسم وفضائل الأزمان، والذكي من اغتنم رمضان بالطاعة والعبادة، فهي الشغل الشاغل له، فلا يلتفت حوله إلى ما يشتته ويبعده عن هدفه من وراء هذا الشهر ألا وهو العتق من النيران.