يعدُّ التواصل ركناً أساسياً من أركان نجاح الداعية والمربّي في مهامه وعمله اليومي، فالتواصل بمثابة الجسر الموصل للآخرين والرّابط الذي يوثّق شبكة العلاقات بين الأفراد والجماعات، فبقدر ما يكون التواصل إيجابياً ومثمراً بقدر ما تكون نتائج الدعوة والتربية كذلك، ولا نبالغ إذا قلنا: إنَّ معيار النجاح والفشل مرتبط ارتباطاً وثيقاً بمدى فهم قيمة التواصل وإتقان مهاراته وأساليبه وامتلاك مفاتيحه، فالداعية والمربّي الناجح هو من يملك القدرة الفائقة لربط اتصالات موفقة وإيجابية مع الآخرين.
ومن هنا يصبح التواصل فريضة دعوية على أصحاب الدعوة امتلاك أسبابها وأساليبها ومهاراتها، وهو في الوقت نفسه ضرورة في العملية التربوية سواء في الأسر للآباء نحو أبنائهم والمؤسسات التربوية نحو الأفراد والعاملين.
المفاتيح العشرة للتواصل الناجح
"معيار النجاح والفشل مرتبط ارتباطاً وثيقاً بمدى فهم قيمة التواصل وإتقان مهاراته، فالمربّي الناجح هو من يملك القدرة الفائقة لربط اتصالات موفقة وإيجابية مع الآخرين"
كسب القلوب وشدّ اهتمام المربّين والمدعوين مهمّة ليس بالسهلة، فيحتاج الداعية والمربّي للوصول إليها جملة من المفاتيح والمداخل المؤثرة فيها، نعرض فيما يلي أبرز المفاتيح وأنجعها، والتي ينبغي أن يتمرّس عليها الداعية والمربّي ويتقنها:
أولاً: الحرص على الانطباع الأول الطيب.
ثانياً: الابتسامة الصادقة.
ثالثاً: القول الحسن.
رابعاً: حسن الإنصات.
خامساً: حسن الخلق وطيب المعاملة.
سادساً: الثناء عليهم بما فيهم من خصال حسنة.
سابعاً: الحرص عليهم وحبّ الخير لهم.
ثامناً: معرفة خلفيات وأحوال المدعوين.
تاسعاً: الاهتمام بهم وزيارتهم والعمل على مساعدتهم.
عاشراً: الهدية والإكرام وتقديم الخدمة.
مع ابن قيم الجوزية .. في مخالطة الناس
يقول الإمام ابن قيم الجوزية في كتابه (بدائع الفوائد): "وإنَّما ينبغي للعبد أن يأخذ من المخالطة بمقدار الحاجة ويجعل النَّاس فيها أربعة أقسام، متّى خلط أحد الأقسام بالآخر ولم يميّز بينهما دخل عليه الشر:
أحدها: من مخالطته كالغذاء لا يستغنى عنه في اليوم والليلة، فإذا أخذ حاجته منه ترك الْخِلْطَة، ثم إذا احتاج إليه خالَطَه، هكذا على الدوام، وهذا الضرب أعزّ من الكبريت الأحمر! وهم العلماء بالله تعالى وأمره، ومكايد عدوه، وأمراض القلوب وأدويتها، الناصحون لله تعالى ولكتابه ولرسوله ولِخَلْقِه، فهذا الضرب في مخالطتهم الرِّبح كله.
القسم الثاني: مَن مخالطته كالدواء يحتاج إليه عند المرض، فما دُمت صحيحاً فلا حاجة لك في خلطته، وهم من لا يستغنى عنه مخالطتهم في مصلحة المعاش وقيام ما أنت محتاج إليه من أنواع المعاملات والمشاركات والاستشارة والعلاج للأدواء ونحوها.
القسم الثالث: وهم من مخالطته كالداء على اختلاف مراتبه وأنواعه وقوّته وضعفه؛ فمنهم من مخالطته كالداء العضال والمرض المزمن، وهو من لا تربح عليه في دِين ولا دنيا! فهذا إذا تمكّنَتْ مخالطته واتّصَلَتْ فهي مرض الموت الْمَخُوف!,ومنهم مَن مخالطته كوجع الضرس يشتد ضرباً عليك فإذا فارقك سكن الألم.
"ابن قيم الجوزية: ينبغي للعبد أن يأخذ من المخالطة بمقدار الحاجة"
ومنهم مَن مخالطته حمى الروح، وهو الثقيل البغيض العقل الذي لا يحسن أن يتكلم فيُفيدك، ولا يحسن أن يُنصت فيَستفِيد منك، ولا يعرف نفسه فيضعها في مَنْزِلتها، بل إن تكلَّم فكلامه كالعِصِيّ تَنْزِل على قلوب السامعين! مع إعجابه بكلامه وفَرَحِه به، فهو يُحْدِثُ مِن فِيهِ كلما تَحَدَّث! ويظن أنه مِسْكٌ يُطيِّب به المجلس! وإن سكت فأثقل من نصف الرَّحا العظيمة التي لا يُطاق حملها ولا جرّها على الأرض!.
القسم الرابع: مَن مخالطته الهُلْك كلّه، ومخالطته بمنْزِلة أكل السّمّ، فإن اتَّفق لأكله ترياق وإلا فأحسن الله فيه العزاء! وما أكثر هذا الضرب في الناس لا كثَّرهم الله، وهم أهل البدع والضلالة الصادّون عن سنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، الدّاعون إلى خلافها، الذين يَصُدُّون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً؛ فيجعلون البدعة سنة، والسنة بدعة، والمعروف منكراً، والمنكر معروفاً".