غادرنا رمضان تاركاً في دنيانا أنفاسه الروحانية، وبركات لياليه العشر. طويت صفحات العمل الصالح فيه، والآمال تحدو كل مسلم أن يكون عتيقاً من نار جهنم، مقبولاً في زمرة الأطهار العتقاء.
لكن رحيل رمضان لا يعني انتهاء موسم العبادة، فرمضان مرحلة تأهيل يُعوّد فيها المسلم نفسه وجسده على أداء الطاعة ويجدد فيه عهده مع الله بأن يكون سباقاً مسارعاً للخير. إلا أن البعض يركن ويتكاسل ويعود لسابق عهده من التقصير بمجرد انتهاء آخر صلاة تراويح.
هل الاستزادة من الطاعات مقرونة بشهر رمضان؟
يقول ماجد أحمد في حديثه الخاص لبصائر أن المساجد وخلال يومين بعد انتهاء الشهر الكريم كانت شبه فارغة، بعد أن كانت ملآى بالمصلين في شهر رمضان المبارك، الأمر الذي يؤكد أن الكثير من الناس يقرنون العمل الصالح بحلول الشهر الكريم، وينسون أن الأجر يستمر في كل الأيام والأوقات، وهذه الظاهرة محزنة.
أما هناء فتتعجب من الأفراد الذين ينفقون أموالاً طائلة على دورات اكتساب المهارات التي لا تتجاوز أسبوعاً ويحرصون على أن تصبح بالنسبة لهم نمط حياة، ويتجاهلون رمضان وهو فرصة تدريب حقيقية يجب أن يخرج بعدها المسلم وقد اكتسب شخصية جديدة يرضى عنها الله عز وجل.
رمضان دورة تدريبية:

يفتتح الخطيب والداعية محمود الناطور حديثه لبصائر قائلا: شهر رمضان المبارك هو عبارة عن دورة تدريبية مكثفة تكرر لمدة شهر في كل سنة، وقد ضاعف الله فيها الأجر وصفد الشياطين منحة منه وفرصة للتائبين والعائدين لطاعته عز وجل.
ويضيف الناطور: على المسلم أن يخرج من رمضان وقد اكتسب مهارات جديدة في أداء الطاعات وأن يستثمر عمره ووقته بإقامة ما فرض الله عليه من واجبات على أتم وجه، وأن يعطي النافلة حقها دون إنقاص، ومن أهم النوافل قيام الليل وتلاوة القرآن الكريم والصدقة ولو بالقليل من المال وهذا غذاء روحي لصاحبه.
ويستطرد الناطور فيقول: وإلى جانب الحرص على أداء العبادات فمن الواجب على المسلم أن يكون حريصاً أيضا على أدائه السلوكي، فكما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قرآنا يمشي على الأرض، لذلك على المسلم أن يحافظ على خلقه الحسن ويصحب الأخيار المعينين له على ذلك.
الحسنة تتبع الحسنة
أما الدكتور تيسير الفتياني المحاضر في جامعة العلوم التطبيقية، فيرى أن من أدرك نعمة صيام شهر رمضان فقد أدرك نعمة كبيرة ربّانية أنعم الله بها عليه، ويجب أن يشكر المسلم ربه على هذه النعمة الجزيلة وذلك بالاستمرار على الطاعة وعدم التهاون والتوقف عنها بعد انتهاء شهر رمضان المبارك، وللأسف فإننا نجد البعض يتهاونون في العبادة بمجرد انتهاء الشهر الكريم وينقطعون عن المساجد ويهجرون القرآن الكريم وهذا دليل على عدم قبول العمل.

ويؤكد الفتياني على أن من أهم إشارات قبول العبد هو استمراره على الطاعة والدوام عليها، فالحسنة تتبع الحسنة، وفي التحفيز على اتباع شهر رمضان المبارك بالعمل الصالح أشار النبي إلى أهمية صيام أيام الست من شوال، فأبواب الخير مفتوحة لمن أراد الاستمرار على فعل الخير.
ومن صور العبادات التي تحفظ للعبد طاعاته يشير الفتياني إلى أهمية أداء الصلاة في المسجد والحفاظ على ورد يومي وعدم ترك ركعات النوافل والرواتب وتحري الابتعاد عن كل ما يغضب الله من إيذاء للناس وعقوق الآباء وأخذ الربا والشحناء والنميمة والبغضاء وقطيعة الأرحام بل عليه أن يكون صاحب قلب واسع ممتلئ بالجميع.
ويشير الفتياني إلى أن تحسين العلاقة مع الله عز وجل يتطلب أيضا سعي العبد لتحسين علاقته بالعباد، فالمصلي يجب أن تنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر، وللأسف فإن البعض يظن أنه يفعل الخير عندما يدافع الضعفاء للوصول إلى الصف الأول أو يختم القرآن مرات عديدة وهو قاطع لرحمه هاجراً لأبويه، ولا يدري أن أعماله لن تقبل طالما هو مشاحن مبغض؛ فالشحناء تمنع قبول الصيام وتجعل الشخص معلقاً إلى أن تخرج الشحناء من قلبه ويستقيم حاله تجاه إخوانه، ولذلك نقول أن حسن الخلق أثقل شيء في الميزان، والأولى به أن يكون مع ذوي القربى، مع الوالدين والزوجة والأبناء والأهل والأقرباء وسائر الخلق سواء في رمضان أو بعد انتهاء رمضان.