ما إن يقترب شهر رمضان المبارك، بأوقاته الفضيلة، وأجوائه الإيمانية، ومظاهره المرتبطة بالفرحة الغامرة على أفئدة المسلمين، وأنواره الصافية التي تشرق في سماء الأمة الإسلامية، حتى تعاجلنا وسائل الإعلام العربية بالكثير من استعدادتها الخفية منها والمعلنة، لاستقبال الشهر الفضيل، بعضها ما يخدش صفاء الشهر الكريم، وبعضها الآخر يتناسب إلى حدٍ ما مع خصوصية الشهر.
"الإعلام الرمضاني"، هو المفهوم الواسع الذي يطلق على ما تقوم به الجهات الإعلامية من إنتاجٍ إعلامي بهدف بثه للجمهور في الشهر الفضيل، عبر رسالة إعلامية دائماً ما تتسم بالسطحية، خاصة وأن آخر الدراسات العلمية أشارت إلى أن نسبة مشاهدة الناس للبرامج التلفزيونية تزيد في شهر رمضان وبنسبة 30%، عن غيره من أشهر السنة.
يعرف عن "الإعلام الرمضاني"، أنه متشعب الأهداف والرؤى، له تأثيراتٌ عديدة ومحورية على عقل المشاهد، ولطالما كان الناس على دين إعلامهم، فإن ذلك المفهوم دائماً ما يتجلى في شهر رمضان المبارك، حيث تكون المادة الإعلامية دسمة، غاية في الدقة والتعبير، ونسبة المشاهدة بطبيعة الحال تكون أكثر، ما ينعكس بالضرورة على حجم التأثير الهائل الذي يحدثه الإعلام الرمضاني، سواء كان ذلك على مستوى الأفراد أو الجماعات.
إلا أن الصورة ليست دائماً سوداوية، فالتحول نحو الإعلام الهادف منذ عقدٍ من الزمان، أثر بشكلٍ جذري على طبيعة الدورة البرامجية في شهر رمضان من خلال دخول العديد من المؤسسات الإعلامية الهادفة على ساحة الإعلام الرمضاني، لتكون لاعباً رئيساً ومؤثراً فيها، واشتمل هذا التحوّل على ظهور بدايات مبشرة لـ "دراما تلفزيونية ملتزمة" تضع الضوابط الشرعية، وتعطي لقيم الفضيلة اهتماماً كبيراً، دون أن تغفل الأسلوب الدرامي الجاذب في عين إهتماماتها.
في الصورة المقابلة، فإن "الإعلام الرمضاني" الملتزم بحاجة دائمة إلى التوجيه، ومحاولة تجديد بوصلته نحو أهداف وتطلعات الأمة ومعالجة مشكلاتها المختلفة، كي يصبح الإعلام الرمضاني الملتزم أداة مساعدة في تأكيد أحقيته على الشاشة الصغيرة أسوةً ببقية الأعمال الإنتاجية على إختلاف أهدافها، ورؤية القائمين عليها بما يملكونه من ماكينة إعلامية ومالية ونفوذ ليس بالقليل.
وقبل أن نلعن الظلام، مئة مرة، كان لا بد لنا من أن نشعل شمعةً في ظلام الإعلام الفاسد الذي يتغذى ويتسع في أكثر شهور الله رحمة ومغفرةً وإيمانا، فكان أن ظهرت القنوات الإعلامية الهادفة (تلفزيون وإذاعة) لتعيد رسم الصورة النمطية عن الإعلام الرمضاني، في إطار واضح من الثوابت الإسلامية التي تشير جميعاً إلى أن الرسالة الإعلامية الصحيحة يجب أن تركز بصفة أساسية على الهدف الأسمى من الشهر الفضيل وتدعو إلى إعلاء معاني الروح والتجرد والإيمان في نفوس المسلمين، فرمضان سوقٌ مفتوح وبضاعته في متناول الجميع، وعلى اللبيب صاحب الأهداف السامية، أن يعرف كيفية تسويق هذه البضاعة للناس.
من غير المعقول ولا الممكن أن تتناقض الرسالة الإعلامية مع طبيعة الشهر الفضيل، وبالتالي فإن لدى الإعلام الرمضاني الهادف فرصة مواتية لإثبات نفسه على قلة الإمكانات المتاحة طالما أن طبيعة المسلمين ترغب وتهفو إلى كل ما يعكس حقيقة الشهر الفضيل، وليس العكس.
وعليه، فإن للإعلام الرمضاني الإيماني مكانته المتجذرة وأهميته المطلقة، التي تعطي بموجبها أصحاب الرسالة الإعلامية دفعةً معنوية، من خلال كسب الوقت وتغذية الجهد فيما يرفع من القيمة الإيمانية لشهر رمضان بما يتناسب مع متطلبات العصر، ويغوص في أعماق العقول والأذواق ليخرج لنا إعلاماً رمضانياً يؤثر ولا يتأثر.
بات من المطلوب اليوم، أن يتمتع الإعلام الرمضاني الملتزم، بثقافة واسعة، ونظرة عميقة متفحصة في كافة الموضوعات المطروحة في الساحة السياسية والإجتماعية والإقتصادية والتعليمية والصحية، ملماً بكل جوانب واهتمامات الناس، يناقشه ويطرحه بصورةٍ إعلامية ودرامية تحمل الكثير من معانِ الموضوعية والإحترافية، كي تعطي الفائدة المرجوة.
لا يمكن لنا أن نتجاهل جهود الإعلام المنحرف الهائلة في رمضان، (التي ترى في الشهر الفضيل موسمها الخصب)، والأدهى والأمر أن الاستعدادات تجري على قدم وساق للتزاحم على أبواب رمضان قبل قدومه بأشهر؛ ليس لاستنهاض الأمة؛ بل لحَرفها عن توجهها، وكأن الوضع الأليم الذي تعيشه الأمة الإسلامية لا يحتاج إلا إلى الكثير من المسلسلات الهابطة، والأعمال المخلة، لتكون بذلك ردةً عن الدين، وانتكاسةً في معكسر التمكين.