نسفت المخطوطة القرآنية التي تم التأكد مؤخراً من عمرها عبر "الكربون المشع" في جامعة برمنغهام البريطانية، نظرية انتشرت بين مشككين بالقرآن من مستشرقين ذكروا في أبحاثهم أن الكتاب الكريم "لم يكن موجوداً زمن النبي محمد، بل تمت كتابته فيما بعد لتبرير الفتوحات الإسلامية".
إلا أن فحصها أكد أن كاتب الآيات عليها قد يكون من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام وعاصره، أو كتب الآيات عليها في وقت لم يكن قد مر على وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر من 13 سنة، أي زمن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه بشكل خاص.
الرقاقة هي من جلد الغنم أو الماعز، وحدد الفحص عمرها بدقة عالية، تصل نسبة صحته إلى 95.4% من مجال الخطأ، فذكر أن زمنها يعود إلى الفترة بين (568 و645) بعد الميلاد، علماً أن السير النبوية تجمع على أن ولادة الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام كانت في العام 570م، وبعثته بالدين الحنيف بدأت في 610م، ووفاته في 632م بالمدينة المنورة.
أما الكتابة عليها فكانت ربما بخط أحد أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام قبل وفاته، أو بعدها بسنوات لا تتعدى العام 645 ميلادية، لذلك اعتبر البروفسور البريطاني ديفيد توماس، وهو أستاذ مختص بالمسيحية والإسلام بجامعة برمنغهام، المالكة للمخطوطة، أن النصوص "قد تعيدنا إلى أولى سنوات صدر الإسلام" خصوصاً أنها بالخط "الحجازي" المعروف بأنه من أقدم الخطوط العربية، وهو ما يجعلها واحدة من أقدم نسخ القرآن.
شرح البرفسور أيضاً أن العمر التقديري للنصوص "يعني أن من المحتمل جداً أن كاتبها عاش في زمن النبي محمد (..) أو لا بد أنه عرف النبي محمد، وربما رآه واستمع إلى حديثه، وربما كان مقرّباً منه، وهذا ما يستحضره المخطوط"، وفق ما نقل موقع "العربية" عنه من الوكالات ووسائل إعلامية عالمية الانتشار، ومعظمها وصف المخطوطة بأنها "كشف مهم جداً" في عالم كتابة النص القرآني، ومعظمه كان على رقائق من سعف النخل أو الصخور أو جلود الحيوانات، حتى وعظام أكتاف الجمال.
"صفحات قريبة جداً من القرآن الذي نقرؤه اليوم"
مما أشار إليه البروفسور توماس أيضاً، هو أن "هذه الأجزاء من القرآن التي كتبت على هذه الرقائق، يمكن، وبدرجة من الثقة، إعادة تاريخها إلى أقل من عقدين بعد وفاة النبي محمد (..)، إن هذه الصفحات قريبة جداً من القرآن الذي نقرأه اليوم، وهو ما يدعم فكرة أن القرآن لم يعرف إلا تغييراً طفيفا (في الكتابة) أو أنه لم يطرأ عليه أي تغيير، ويمكن إعادة تاريخها إلى لحظة زمنية قريبة جداً من الزمن الذي يعتقد بنزوله فيه"، كما قال.
أما كتابة نسخة برمنغهام، فيعود بحسب ما أكد فحصها بالكربون المشع، إلى العام 645 ميلادي على الأكثر، وهو ما يجعلها حتماً من بين أقدم نسخ المصحف، إن لم تكن الأقدم، وسبب عدم اعتبارها "الأقدم" أن تقنية "الكربون المشع" تعطي مدى زمنياً لفترة كتابة النص، لذلك فعمر عدد من المخطوطات القديمة بالمكتبات العامة والخاصة قد يكون مقارباً لمخطوطة برمنغهام.
مع ذلك فهي "أقدم نص قرآني" استدلالاً، لأنه لا دليل بأن غيره من النصوص هو الأقدم عليها، علماً أن لقب "أقدم النصوص القرآنية" كان للفائف "قرآن صنعاء" قبل فحص مخطوطة برمنغهام، في حين لم تجر أي دولة تزعم امتلاكها لنسخة من المصحف الذي تم جمعه زمن الخليفة الراشدي الثالث، عثمان بن عفان رضي الله عنه، فحوصات مخبرية بالكربون المشع لتؤكد أقدمية نسختها.
وبحسب السير النبوية، وأهمها لابن هشام، فإن عدد من كانوا يكتبون الوحي للرسول بلغ 43 كاتباً، بعضهم انقطع لكتابة القرآن الكريم خاصة، وأشهرهم كان عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبدالرحمن بن الحارث بن هشام، وحنظلة بن الربيع، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح، المعروف بأنه كان أول من كتب الوحي من قريش، فيما كان أولهم من الأنصار أبي بن كعب، رضوان الله عليهم جميعا.
استدراك
من ناحيته علّق الدكتور أيمن سويد على الخبر السابق، بأن هناك فرقاً بين المنهج الغربي والمنهج الإسلامي في التعامل مع المخطوطات. فالمنهج الغربي يعتمد على قدم المخطوطات، في حين أن المنهج الإسلامي يقوم على معرفة كاتب المخطوطة؛ كون الدين لا يؤخذ عن نكرات أو مجاهيل. بالإضافة إلى معرفة المصدر الذي كتب منه صاحب المخطوطة.
وحذر الدكتور سويد من استغلال البعض لبعض الاختلافات التي قد تحدث بين بعض المخطوطات والقرآن الكريم، مشدداًَ على أهمية موافقة تلك المخطوطات للقرآن الكريم، وإلا اعتبرت باطلة ولا قيمة لها.
معلومات الموضوع
مراجع ومصادر
- صحيفة السبيل الأردنية