أحزان أمتي ومآتمها كثيرة، ففي كل يوم لنا مصاب وبلوى تشيب لها الرؤوس وتدمع لها العيون، فكيفما نظرت ترى دماء تسال وبيوتا تسقط، وبلداناً تسلب أو ظالما يتغطرس ويتجبر، ومؤمنين مستضعفين لا حيلة لهم إلا الدعاء والصبر على الابتلاء. حتى أصبح الحزن مكتوباً على وجوه كثير من المسلمين، فقلما تجد فرحاً أو سروراً، بل واستهجنه جمع من المسلمين فهو لا يليق بالمؤمن الذي يشعر بأمته، حتى لو كان ذلك الفرح والسرور هو العيد الذي جاء بعد عبادة وطاعة، فترفع الدعوات لا للعيد والفرحة، بل يجب أن يبقى الهم والغم على وجوه المؤمنين.
لكن العيد جاء عنواناً للفرح والسرور والسعادة والبهجة، بعد شهر من الصيام والقيام، وليس معنى ذلك أن نتخلى عن هموم أمتنا، بل هو من باب الطاعة لله تعالى وتطبيق سنته –صلى الله عليه وسلم-فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قدمَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- المدينةَ ولهم يومانِ يلعبونَ فيهما، فقال: ((ما هذانِ اليومانِ؟))، قالوا: يومان كنا نلعبُ فيهما في الجاهليةِ، فقال رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((إن اللهَ قد أبدلَكم بِهما خيرًا منهما؛ يوم الأضحى، ويوم الفطر(( [رواه أحمد والنسائي].
وللفرح فوائد عظيمة وجليلة ويجب علينا أن ندعو الناس-وإن كانوا مصابين مهمومين- للفرح والسرور بالعيد ومن فوائد ذلك ما يلي:
أولاً: العيد فرصة للتسلية والتسرية عن النفس مما أصابها، فالفرح والسرور دواء للقلوب المكلومة المجروحة، فلو تركت النفوس تعيش أحزانها من غير تخفيف عنها أو تسرية فلربما قتلها الحزن، أو أصابها بمرض عضال تزيد حزنها عجزاً وهماً، فيأتي الفرح فيسموا بالنفس في عوالم الروح فيجلوا ما بها من كدر وغم.
ثانيا: الفرح يزيد من قوة النفس وتحملها وصبرها على ما أصابها، فلقد تُلقي كلمة عذبة لإنسان مكلوم فتخفف عنه ما به، وتزيد من عزمه وهمته على تحمل ما به من مصاب، فيكمل المسيرة والجهاد بعزم وهمة عالية.
"الفرح بالعيد موافق للفطرة الإنسانية المجبولة على حب السعادة والسرور، فالنفس تتغير بتغير الأحوال"
ثالثاً: إن الفرح بالعيد يجدد أمل الأمة بالنصر المجيد، ويكأنّ العيد يخبر أمتي بأن الحزن ليس مكتوباً عليها بل هناك فسحة للفرح والبهجة والسرور، ولعل سرور النصر يكون شبيها بسرور العيد، فهو فرح بعد جهاد وطاعة لرب العباد.
رابعاً: الفرح بالعيد موافق للفطرة الإنسانية المجبولة على حب السعادة والسرور، فالنفس تتغير بتغير الأحوال، فصاحبها يضحك ويبكي، ويفرح ويحزن، إلى غير ذلك من الأحوال.
خامساً: أغلب أمتي من الصغار والأطفال الذين لم يحملوا الهموم والأحزان، ومن حقهم علينا أن نسعدهم ونشعرهم بالبهجة والسرور وأعظم فرصة لذلك هو العيد، فيوسع المسلم على أهله وأبنائه، فها هم أبناء الغوطة في دمشق رغم البراميل المتفجرة، والمنازل المهدمة واليتم والحرمان، إلا أنهم فتحوا للعيد أبوابهم وأسعدوا أبناءهم، وكذلك أبناء غزة العزة الذين ضربوا أعظم مثال في ذلك.
سادساً: الفرح بالعيد والسرور نكاية للعدو الذي تسبب في كثير من نكباتنا، فترى قلوبهم تتقطع غيظاً وحقداً من هذا المشهد البهيج.
ختاماً.. أمتي العيد عنوان الفرح والسعادة والسرور، فلا تجعلي من أعيادك مآتم للبكاء والحزن والهموم، بل ارسمي صورة للسعادة والبهجة، وبشري صغارك وشبابك بسعادة قادمة، في أيام فرح نصلي فيها صلاة العيد في ساحات المسجد الأقصى الشريف.