“داعش” تستهدف “حماس” بداعي الجهاد وتطبيق الشريعة!

الرئيسية » بصائر الفكر » “داعش” تستهدف “حماس” بداعي الجهاد وتطبيق الشريعة!
داعش-حماس7

لا يعرف لهم أحدٌ أي تاريخ جهادي أو نضالي تجاه قضايا الأمة التي باتت تتعرض لأكبر هجمة في تاريخها، بعد مائة عام من زوال دولة الخلافة الجامعة، وهو الحدث الذي جعل الأمة شراذم متباعدة؛ بل ومتناحرة، ثم تجدهم يتحدثون عن سادة المقاومة في هذا العصر، والذين يقفون على أهم ثغر من ثغور الأمة في هذه المرحلة الحساسة من تاريخها!

صدم المقطع المصوَّر الأخير الذي بثه تنظيم الدولة "داعش"، والذي يتوعد فيه "حماس"، بسبب "عدم تطبيقها الشريعة" في قطاع غزة، ويتعهد فيه بـ"اقتلاع دولة اليهود من جذورها، والاستيلاء على غزة".

الطريف أن رسالة التنظيم التي حملت عنوان "رسالة إلى أهلنا في بيت المقدس"، شملت فقرة يقول فيها المتحدث باسم التنظيم "حماس لا شيء في حساباتنا"، بينما هي كل شيء الآن في حسابات العدو الصهيوني، وحلفائه في المنطقة والعالم، وبينما يسعى الجميع إلى التواصل مع "حماس" باعتبار أنها مفتاح الحل فيما يخص الشأن الفلسطيني، على مختلف المستويات الداخلية والخارجية، والأمنية والسياسية والعسكرية!

"الطريف أن التنظيم الذي يتوعد بـ"اقتلاع دولة اليهود" لم يشهد له منذ الإعلان عن تأسيسه، أي نشاط ضد دولة الكيان الصهيوني الغاصب"

الطريف أن التنظيم الذي يتوعد بـ"اقتلاع دولة اليهود" لم يشهد له منذ الإعلان عن تأسيسه، أي نشاط ضد دولة الكيان الصهيوني الغاصب؛ بينما تسعين بالمائة من الحدود بين سوريا وبين فلسطين المحتلة عام 1948م، تقع تحت سيطرة التنظيم وتنظيمات أخرى شبيهة به، بينما لم يسمع أحدٌ طلقات رصاصهم وصواريخهم تنطلق ضد بني صهيون وجيشهم.

يأتي هذا الموقف من التنظيم الغامض النشأة والأصل، ليستكمل العديد من الأمور الأخرى التي وقعت منه، وتؤكد على تهافت حجته، وبطلان مزاعمه فيما يقول عن تطبيق الشريعة وإعلان دولة الخلافة، وقتال أهل الباطل.

ومن بين هذه الأمور، المعاناة التي يلاقيها منه أهل السُّنَّة في العراق وسوريا، ومناطق نفوذه الأخرى في العالم العربي، والتي شملت حتى اغتيال علماء الدين والأساتذة الجامعيين، وكان آخرهم الأستاذ بجامعة تكريت، الدكتور أحمد على القيسي، بعد رفضه مبايعة التنظيم.

ويساوي البعض بين ما يتعرض أهل السُّنَّة في العراق وسوريا على أيدي الميليشيات الشيعية، وبين المعاناة التي يتعرضوا لها على أيدي التنظيم، إلا أنه تبقى ملاحظة مهمة فيما يتعلق بسلوك التنظيم إزاء أهل السُّنَّة في المناطق التي يستولي عليها مقاتلوه، وهي أن الإخوان المسلمين لهم جانب خاص من الجرائم التي يرتكبها "داعش".

فلا يمكن فصل حديث "داعش" في المقطع المصور الأخير عن "حماس"، عن سلوكها تجاه أعضاء الحزب الإسلامي العراقي والأكاديميين المنتمين إلى الإخوان المسلمين في المناطق التي اجتاحوها في العراق، ولا إزاء المقاتلين المنتمين إلى الإخوان المسلمين، في الفصائل التي تحارب نظام بشار الأسد في سوريا.

كما يبدو الموقف واضحًا في أن الإخوان المسلمين ودعوتهم ورموزهم أحد أهم أهداف التنظيم، في أكثر من مقطع مصوَّر صدر عن التنظيم "يكفِّرون" فيه الرئيس الشرعي في مصر، الدكتور محمد مرسي، ويتوعدون الإخوان المسلمين في مصر "لو تم لهم التمكين" من أرض الكنانة.

"يبدو الموقف واضحًا في أن الإخوان المسلمين ودعوتهم ورموزهم أحد أهم أهداف التنظيم"

ولا أحد يدري أيها له الأولوية، جهاد أعداء الدين والأمة، وصدهم عن ثغورها، أم الحديث عن "قطع رقاب" أبناء الدين الواحد.

تظهِر هذه الأمور على مستوى الفقه والممارسة من جانب التنظيم، العديد من الاختلالات المفاهيمية التي قادت إلى اختلالات الممارسة، سواء فيما يتعلق بمفهوم الجهاد وأولوياته، أو ما يتعلق بمفهوم التعامل إزاء الآخر المسلم.

تُعتبر هذه المتناقضات العظيمة الشأن التي تقع فيها جماعات السلفية الجهادية، و"داعش" أحد أخطرها على مستوى التنظير الفكري أو الممارسة الفعلية على أرض الواقع، من بين أهم –أسوأ– الظواهر التي ابتُليَتْ بها الحركة الإسلامية والمشروع الإسلامي في النصف القرن الأخير.

فلقد أسست أوضاع التي تمر بها الأمة الإسلامية منذ عقود طويلة، إلى عدد من الظواهر السلبية التي بدأت في إحداث شكل من أشكال التآكل في البنية المفاهيمية والقيمية للشعوب المسلمة، أو على الأقل لشرائح منها، في ظل عملية التشويش المنظمة التي تتم حول المفاهيم الأصيلة والسليمة للدين، من أطراف معروفة للجميع، سواء أنظمة أم خصوم آخر قابعين في عواصم الاستعمار والاستكبار العالمي.

فكان لغياب قنوات تلقين المفاهيم الأساسية السليمة للدين، وعلى رأسها الجهاد، دور في استعادة الأمة لظواهر غيبها التاريخ، وظن الكثيرون أنه لا عودة لها، مثل الخوارج مكفري المسلمين، ولكن ليس المسلمين مرتكبي الكبيرة هذه المرة، ولكن تكفير المسلمين المخالفين لهم في الرأي والمنهج، بالرغم من اتفاق الجميع على قولة "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، والتي تعصم المسلم إزاء أخيه المسلم، دمه وماله وعرضه، كما قال "صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم" في حديثه الصحيح.

ولعل أبسط مظاهر هذه الاختلالات في المفاهيم عند هؤلاء القوم، ما يدعونه حول مفهوم الجهاد، والذي يقتصر لديهم على القتل –وليس القتال والفارق بين المفهومين كبير– بينما الجهاد أوسع من ذلك كثيرًا، ويشمل مختلف وسائل التربية وأطر الحركة الأخرى، غير الحركة في الميدان.

ودليلنا في ذلك قوله تعالى: {فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52)} [سُورة "الفرقان"]، هذه الآية مكِّيَّة، ونزلت في السنوات الأولى للبعثة، وسبقت موقف وقع بين الرسول الكريم "صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم"، وبين أصحاب بيعة العقبة الثانية، في السنة الثالثة عشرة للبعثة، لما استأذنوه في قتال أهل الشرك والكفر في مكة المكرمة؛ فقال: "إننا لم نؤمر بذلك"، وقال مسلم إن المقصود بذلك: "القتال".

كما أن الكثيرين يتساءلون عن هذه الشريعة التي يقولون أنهم يطبقونها، بينما هم لا يفعلون شيئًا سوى ممارسة القتل على نطاق واسع لكل مخالف لهم، وليس لكل مخالف لأحكام الشريعة؛ حيث إن ما يزعمون أنهم يطبقونه ليس من الشريعة في شيء؛ فعلى أبسط تقدير لم يسمع أحدٌ عبر تاريخ دولة الخلافة الإسلامية عن تطبيق عقوبة القتل على شاربي الخمر أو السارقين.

"داعش لا تقوم بتطبيق الحدود وفق المنطق الفقهي السليم، وبالاشتراطات التي تحقق المقاصد التي نزلت الشريعة الإسلامية لحفظها"

وحتى فيما يتعلق بمسألة تطبيق الحدود، باعتبارها الواجهة الأبرز لمفهوم تطبيق الشريعة – بالرغم من أن تطبيق الشريعة أوسع بكثير من مسألة الحدود – فإن التنظيم حتى في مسألة تطبيق الحدود؛ لا يقوم بذلك بمنطق الفقه السليم القويم، والذي يطبق الحدود في موضعها وبملابسات الموقف وظروفه، وبالاشتراطات التي تحقق المقاصد التي نزلت الشريعة الإسلامية لحفظها.

لا يخفى على الكثيرين علامات الاستفهام التي صاحبت ظهور التنظيم وتوسعه المفاجئ على النحو الذي تم في غضون الأشهر القليلة الماضية، ولا يخفى على أحد عظيم التأثير السلبي لـ"داعش" على ثورات الشعوب العربية ضد أنظمة الفساد والاستبداد.

ولعله يبقى تساؤل أخير حول مغزى مقطع "داعش" الأخير حول "حماس"، وحول الموقف من الجهاد ضد الكيان الصهيوني، بينما لا يخفى على الجميع موقف التنظيم الثابت من الكيان الصهيوني، والذي عبروا عنه ف بيان صدر في تموز/ يوليو 2014م، بأن التنظيم لم يؤمر بقتال الكيان الصهيوني لأن الله تعالى في القرآن الكريم "لم يأمرنا بقتال الكيان الصهيوني أو اليهود حتى نقاتل المرتدين والمنافقين"!

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
"باحث مصري في شئون التنمية السياسية والاجتماعية، حاصل على بكالوريوس في العلوم السياسية والإدارة العامة من جامعة القاهرة عام 1997م، كاتب في موقع "بصائر"، عمل سكرتيرًا لتحرير مجلة "القدس" الشهرية، التي كانت تصدر عن "مركز الإعلام العربي" بالقاهرة، وعضو هيئة تحرير دورية "حصاد الفكر" المُحَكَّمة، له العديد من الإصدارات، من بينها كتب: "أمتنا بين مرحلتين"، و"دولة على المنحدر"، و"الدولة في العمران في الإسلام"، وإيران وصراع الأصوليات في الشرق الأوسط"، وأخيرًا صدر له كتاب "أسس الحضارة والعمران في القرآن الكريم"، وله تحت الطبع كتاب بعنوان "الدولة في العالم العربي.. أزمات الداخل وعواصف الخارج".

شاهد أيضاً

التدجين الناعم: كيف يُختطف وعي الأمة؟ (2-2)

تحدثنا - بفضل الله تعالى- في الجزء الأول من هذا الموضوع عن:- توطئة عن الموضوع. …