رمضان في كينيا.. أجواء روحانية رغم التحديات

الرئيسية » بصائر من واقعنا » رمضان في كينيا.. أجواء روحانية رغم التحديات
Muslims-in-Kenya
بقلم : مهدي حاشي - كاتب وباحث

يعتبر الكينيون قدوم شهر رمضان المبارك مناسبة دينية فريدة ينتظر كل فرد بفارغ الصبر للوصول إليها؛ حيث يبدأ الحديث عن الضيف العزيز قبل حلوله وتلهج الألسنة بالدعاء للخالق أن يمد العمر ليحظى المسلم بالمغفرة والعتق من النار، ويسعى الجميع العيش في الأجواء الروحانية التي تصاحب هذا الشهر الكريم رغم التحديات التي تواجه المسلمين.
ويشكل المسلمون في كينيا -التي دخل إليها الإسلام في القرون الأولى من الهجرة– حوالي 35 بالمائة ويتركزون في المناطق الساحلية والشرقية وهم مكوّن أساسي من المجتمع الكيني المتعدّد الأعراق والثقافات، ولهم الحرية الكاملة بممارسة شعائرهم الدينية.

استعدادات مبكرة

ويتم الاستعداد لاستقبال شهر رمضان المبارك في كينيا قبل حلوله بفترة، حيث تقام الدروس والمحاضرات المتعلقة بأحكام الشهر الفضيل في المساجد، وتسهم وسائل الإعلام المختلفة –رغم قلتها في هذا المجال- من خلال بث مواد إذاعية ومقالات صحفية تتناول الصوم وأحكامه ودروسه.

أمَّا المساجد المنتشرة في أرجاء البلاد فتستعد هي الأخرى بطريقتها الخاصة لاستقبال الضيف الكريم من خلال إجراء إصلاحات شاملة في المبنى والأثاث. وعلى سبيل المثال فليس غريبا في مساجد كينيا رؤية كميات من السجاد الفاخر في شهر شعبان ينتظر دوره لتتزين به بيوت الله مع قرب حلول شهر رمضان المبارك.
وتعيش الأسواق في المناطق التي يشكّل المسلمون أغلبية حراكاً غير مسبوق، ويستمر حتّى حلول عيد الفطر السعيد حيث يتسابق التجار على جلب المزيد من المواد الغذائية خاصة التمور.

Muslims-in-Kenya
تلاوة القرآن الكريم في أحد مساجد كينيا

ومن المظاهر التي تسبق قدوم رمضان تجدد التواصل بين الأصدقاء والأقارب لمباركة قرب حلول الشهر الفضيل، وطلب التسامح فيما بينهم والدعاء بالتوفيق في ليلة القدر.
ومع قرب نهاية شهر شعبان يبدأ الحديث عن رؤية هلال رمضان ليحتد النقاش -مجدّداً- حول جدلية من يحق له الإعلان عن بدء الصوم من عدمه وقضية اختلاف المطالع.

مظاهر فرح

وما أن يعلن رؤية هلال شهر رمضان المبارك حتى تعم الفرحة بين أبناء المسلمين في كافة أنحاء البلاد، ليبدأ عهد جديد تسود فيه الأجواء الروحانية. ومن أهم مظاهر الاحتفاء بالشهر ازدحام المساجد بالمصلين الذين يتوافدون عليها خاصة صلاة التراويح حيث تضيق المساجد بالمصلين في معظم الصلوات المفروضة. ومع دخول العشر الأواخر من رمضان تزداد وتيرة ارتياد المساجد لتضاف لها صلاة التهجد كما يزداد الاعتناق بالإسلام بغيره من شهور السنة. وتشكل المساجد -التي يحرص معظمها على ختم القرآن في التراويح- محور النشاطات والفعاليات الرمضانية المختلفة في كينيا.

kenya-ramadan
مراكز تحفيظ القرآن الكريم .. من مظاهر الاهتمام بتربية النشء في كينيا

ويحرص الكثير من الأسر مصاحبة أبنائهم إلى المساجد لحضور صلاة التراويح والنشاطات المصاحبة لها من مواعظ وغيرها. وفي هذا الشهر يزداد الناس قربا ببعضهم في التواصل وتقديم المساعدات، كما تقدّم بعض الجمعيات مساعدات للفقراء وتقوم بإقامة إفطار جماعي بجهود محلية أو بالإنابة عن مؤسسات عربية وإسلامية، لكنه يمكن القول إن العمل الخيري بشكل عام وفي رمضان بشكل خاص ما زال بعيدا عن المأمول لأسباب كثيرة لسنا بصدد نقاشها في هذا المقال.

أمَّا يوم الجمعة في رمضان فهو مختلف عن غيره من الأيام حيث تكتظ المساجد بالمصلين، ويلاحظ بشكل لا تخطئه العين المظاهر الإسلامية وسط نيروبي، ويمتلئ الجامع الكبير في قلب العاصمة بالمصلّين لتسمح البلدية بإغلاق الشوارع الملاصقة للصلاة فيها.

وتكتمل الفرحة بيوم العيد الذي يعتبر يوما مشهودا -في بلد يشكل المسلمون فيه أقلية- حيث تقام صلاة العيد في الساحات العامة ويتدفق المصلون مع أطفالهم في مشهد لا يمكن رؤيته إلا في العيدين، ويحرص السياسيون على تسجيل مواقفهم في المحفل بطريقة لا تخلوا من إيصال رسائل لمن يعنيه الأمر مفادها أن المسلمين قوة لها حضورها في المشهد الكيني.

kenya
في إحدى ساحات كينيا .. خطبة العيد

تحديات ماثلة

لكن الحديث عن الفرحة والأجواء الرمضانية المميّزة لدى مسلمي كينيا لا يمكن أن ينسينا بعض التحديّات التي تواجههم، ومن بينها ارتفاع الأسعار خلال الشهر الفضيل بسبب جشع بعض التجار، وازدياد متطلبات رمضان مع انتشار الفقر بين الكثير من أبناء الأقلية المسلمة.

غير أنَّ التحدي الأكبر يتمثل بالمشكل الأمني التي تواجهها البلاد بشكل عام ومناطق المسلمين بالأخص، وقد رفعت الحكومة حظر التجوال عن مقاطعات تمركز المسلمين بمناسبة حلول شهر رمضان، كما جددت حركة الشباب تهديدها بشن هجمات على كينيا بمناسبة رمضان مما يضع المسلمين في وضع لا يحسد عليهم.
ومن التحديات الماثلة أمام المسلمين تعدّد المرجعيات الدينية والسياسية خاصة في القضايا التي تمسهم بشكل خاص، وأكبر مثال على ذلك تحديد بداية شهر رمضان التي يختلف الناس حولها بسبب تنافر المرجعيات ممَّا يربك إجازة العيد الذي أعطتهم الحكومة للمسلمين.

وخلاصة القول: إنَّ رمضان في كينيا يشكل مناسبة لإبراز المسلمين هويتهم وانتمائهم لهذا الدين العظيم وتوظيف العواطف الإيمانية الجياشة بما يخدمه، لتغيير الصورة النمطية السلبية الذي يتعاون على تثبيتها الغلاة من أبنائه والمتربصون من غرمائه.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

من عوامل ثبات أهل غزة

قال تعالى: {مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم …