إنّ من نعم الله سبحانه وتعالى على المسلمين أن أنزل عليهم القرآن، القرآن الذي يشكل للمؤمنين نهج حياة ودستور، والقرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. ومن روائع آيات هذا الكتاب العزيز، قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ (3)﴾ [سورة الطلاق]، في هذه الآية العظيمة من كتاب الله سبحانه وتعالى نجد شرط ووعد ومكافأة.
لو أخذوا بها لكفتهم
فحقق الشرط لتستحق الوعد وتنال المكافأة، فالشرط في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ﴾، والوعد في قوله: ﴿يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا﴾، والمكافأة في قوله تعالى: ﴿وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾، ولو أن الناس أخذوا بها لكفتهم، فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا ذر إني لأعرف آية لو أن الناس كلهم أخذوا بها لكفتهم ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ (3)﴾ [رواه الإمام أحمد والنسائي وابن ماجه].
فتقوى الله سبحانه وتعالى تجعل لك من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ويرزقك الله من حيث لا تحتسب، فمن يتق الله في اختيار زوجته، يجعل الله له مخرجًا من الشقاء الزوجي، ومن يتق الله في تربية أولاده يجعل الله له مخرجًا من عقوقهم، ومن يتق الله في كسب المال يجعل الله له مخرجًا من إتلاف المال، من يتق الله في تطبيق الشرع الحنيف في صحته يجعل الله له مخرجًا من الأمراض العضال، فهذه الآية تكتب عليها مئات الصفحات، وآلاف الصفحات، ما دمت في طاعة الله فلك ألف ميزة وميزة.
طاعة الله عز وجل
والتقوى في أبسط معانيها طاعة الله عز وجل، أن تطيع الله إن أطعته فيما تعلم، كفاك الله ما لم تعلم، إن أطعته فيما تستطيع كفاك ما لا تستطيع، وعرفها الصحابي الجليل علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "التقوى هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل".
وقال ابن عباس رضي الله عنه: "المتقون الذين يحذرون من الله عقوبته في ترك ما يعرفون من الهدى، ويرجون رحمته في التصديق بما جاء به"، وقال طلق بن حبيب رحمه الله: "التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله".
الوعد والمكافأة .. تتحققان بالصيام
وأعظم مدرسة تتحق فيها التقوى، مدرسة الصيام قال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٨٣)﴾ [سورة البقرة]، ففائدة الصيام الكبرى وحكمته العليا، أنه يعد نفس الصائم لتقوى الله تعالى بترك شهواته الطبيعية المباحة الميسورة امتثالًا لأمره واحتسابًا للأجر عنده، فتتربى بذلك إرادته على ملكة ترك الشهوات المحرمة والصبر عنها فيكون اجتنابها أيسر عليه، وتُقَوّى على النهوض بالطاعات والمصالح والاصطبار عليها فيكون الثبات عليها أهون عليه، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: "الصيام نصف الصبر" [رواه ابن ماجه]، وهذا معنى دلالة "لعل" على الترجي، فالرجاء إنما يكون فيما وقعت أسبابه، وموضعه هنا المخاطبون لا المتكلم، ومن لم يصم بالنية وقصد القربة لا ترجى له هذه الملكة في التقوى.
فليس الصيام في الإسلام لتعذيب النفس لذاته بل لتربيتها وتزكيتها، فمن خلال الصيام تتحقق التقوى، وإذا تحققت التقوى عند المؤمن نال الوعد الإلهي، وإذا نال الوعد الإلهي، حصل على المكافأة من حيث لا يحتسب.. فالصيام ميدان عظيم من ميادين التقوى.