في رمضان؛ وفي العديد من الدول العربية الإسلامية، تفتح عشرات أكشاك القهوة أبوابها منذ الصباح الباكر، وتقف أمامها بعض المركبات والحافلات، وينزل الركّاب بغير خجل ليشتروا السجائر وبعض المشروبات ويكملوا طريقهم دون أدنى مراعاة لحرمة الفطر في هذه الأيام المباركة؛ الأمر الذي يثير الحزن لانتهاك الحرمات في أيام فضيلة كأيام رمضان!
بألم تشير أم حسن خلال حديثها لـ"بصائر" إلى أن مظهر العُمّال المجتمعين في فسحة بجانب بيتها يومياً لتناول وجبة الإفطار في نهار رمضان يشعرها بالخوف من سخط الله على المكان ومن فيه؛ وتظل طيلة اليوم تكرر قولها ربنا لا تؤاخذنا بما يفعله السفهاء منا؛ متسائلة أين كان أهل هؤلاء عن تربيتهم وتهذيبهم وتعليمهم لأحكام رمضان وفرضية الصيام؟
أما أبو عبد الله فهو يحرم نفسه من الإجازات السنوية طيلة العام ليأخذها في شهر رمضان الكريم تفادياً لرؤية زملائه في العمل وهم مفطرون؛ فسبل النصح والإرشاد لم تأت بنتيجة مرضية الأمر الذي يدفع به للابتعاد عن جو يعصى فيه الله عز وجل.
أما سناء فتعبر عن شعورها بالفرح الشديد بعد 15 عاماً من العشرة مع زوج يفطر في رمضان؛ وصبرها عليه ونصحها المتواصل بالسبل المحببة والمرغبة؛ حظيت في هذا العام بتوبته وصيامه لجميع الأيام تقول: شعور رائع أن يهدي الله عز وجل على يديك من لم يقم بهذه الفريضة من قبل بسبب ضعف الوازع الديني في البيئة التي كان يعيش بها، أنا سعيدة لأن الله استجاب دعائي ومنحني نعمة هداية زوجي الذي ندم وينوي قضاء الأيام التي فاتته بعد انتهاء الشهر الكريم.
حكم من أفطر متعمداً..
يشير الداعية الشيخ إياد أبو تيلخ إمام وخطيب مسجد المهاجرين بعمّان إلى أن من أفطر متعمداً مختاراً في رمضان فعليه أن يسرع بالتوبة إلى الله تبارك وتعالى، وأن يندم على ما كان منه، وأن يقضي ما فاته نادماً، فليس سوى صدق الندم والرجوع إلى الله من دواء له أبداً، وإنه لا يغني عنه لو صام العمر كله وهو غير نادمٍ وغير تائبٍ فلن يفيده ذلك، ولكن صدق ندمه وتوبته ورجوعه إلى ربِّه جلَّ جلاله، فينبغي أن يتدارك حاله وأن يسرع بالندم والتوبة وأن يقضي ما فات عليه.
ويضيف أبو تيلخ إلى أن المفطر في رمضان يعد مرتكباً لكبيرة من الكبائر مادام يعتقد وجوب صوم ويفطر اتباعاً للنفس وللهوى مع إقراره بفرضيته، أما مَنْ أنكر فرضيته، فبإنكاره للفرضية يخرج من الملة والعياذ بالله، ويجب عليه أن يعود سريعاً إلى دائرة ملة الحق والهدى ملة الإسلام، ويوقن بأن الله فرض علينا هذا الصيام بالقرآن وعلى لسان رسوله، وقد أجمع على ذلك الصحابة والتابعون وتابعوهم بإحسان.
وحول السبب الرئيس الذي يدفع بالبعض للتكاسل في أداء فريضة الصيام فهو البعد عن الله ومحاربته بالمعاصي والذنوب وهؤلاء سيعانون ضيقا في الدنيا ونكالاً في الآخرة حيث يقول الله تبارك وتعالى: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا} [طه:124]. مشيراً إلى أن البعد عن الله تبارك وتعالى مخالف للفطرة التي فطر الناس عليها.
ويؤكد الدكتور أحمد الشحروري أستاذ الشريعة بجامعة الزيتونة الأردنية على أن ضعف الوازع الديني سبب رئيس في انتهاك حرمة الشهر الكريم؛ إلى جانب تقصير الحكومات في ضبط هذه الظاهرة والأفراد في النصح والموعظة السليمة والحكيمة، فهناك نسب ليست بالقليلة من الشباب والفتيات في مجتمعنا تحتاج للتعهد الروحي وإعانتهم على تقوية الوازع الديني في نفوسهم.
ويشير د. شحروري إلى أن دخول رمضان يشكل سجناً كبيراً لضعاف النفوس الأمر الذي يدفع بهم لخرقه وانتهاك حرمته والمجاهرة في ذلك في ظل غياب الرقابة الحكومية الشديدة على ذلك.
ويضيف إلى أن المجاهرة في الإفطار برمضان عمل لا يجوز حتى للمفطر بعذر كالمسافر أو المريض وحتى من عندها عذر شرعي؛ فحرمة رمضان محفوظة ونفوس الصائمين محترمة؛ فالصيام زمان وفعل؛ أما الفعل فهو القيام بالصيام وأما الزمان فهو شهر رمضان لذلك في رمضان هناك من الحرمة ما ليس لبقية الأيام بمعنى؛ لو أن شخصاً أراد أن يقضي رمضان فله الحق في إتمام صيامه أو الإفطار ولا شيء عليه؛ لكن إذا تلبس بالصيام في نهار رمضان فيحرم عليه أن يفطر لحرمة الزمان وهيبته وتشريعه.
ويجزم الدكتور شحروري بأن هذه المشكلة لم تكن موجودة في صدر الإسلام حيث كان الإسلام يطبق وكانت له دولة، فلم يكن هناك مجاهر بالإفطار، وهذا السلوك ينم عن قلة أدب من يقوم به؛ وهنا أشيد بسلوك ملحوظ للنصارى الذين يتهيبون من الأكل والشرب أمام المسلمين مراعاة لمشاعرهم لكن للأسف فإن فسقة المسلمين لا يكترثون ولا يفكرون حتى بمثل هذه الطريقة وهذا يعود للتربية الذاتية.
ونهى الدكتور شحروري نهر المجاهر بالإفطار أو الصياح في وجهه فلربما كان فطره بعذر أو كان جاهلاً ببعض الأحكام؛ والأصل الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة مصداقاً لقوله تعالى: {وجادلهم بالتي هي أحسن} والخشونة ليست طريقاً للنصح والإصلاح.
رأيت من يفطر في نهار رمضان .. ماذا أفعل؟
- تجنب الفضيحة: فلا تقم بفضح أخيك المسلم بين الزملاء والأصدقاء؛ بل اكتم سرّه وحاول أن تتحدث إليه بالحسنى وتعرف الأسباب التي دفعته لذلك فلربما كان مريضاً أو معذوراً أو جاهلاً.
- كرر النصيحة: طالما أنك تنصح بالحسنى، ولا تخجل من تكرار النصح والإرشاد بشكل مباشر وغير مباشر وبالترغيب في فضل طاعة الله في هذه الأيام المباركة.
- دعوة لقضاء يوم إيماني: اطلب من أصدقائك بمن فيهم الذي تعلم أنه يفطر قضاء يوم وليلة في طاعة الله، ولتكن هناك فعاليات إيمانية ومواعظ ترقق القلوب وتحيي في النفوس الاندفاع للطاعات.
- اطلب منه المشاركة في أعمال الخير: تشارك معه في توزيع الوجبات على المحتاجين من الصائمين وإقامة إفطارات لليتامى وكبار السن فمثل هذه الأعمال تشعره بتقصيره بينما يصوم من هم أضعف منه طلباً لرضوان الله.
- لا تُعيّر: فتعيير العبد بالمعصية حتى لو كانت كبيرة تورث في نفسه العناد والمكابرة.
- ادعو له: اجعل له نصيباً من دعائك بأن يهديه الله ويصلح شأنه فهذه أيام مباركة فضيلة وحري بالله أن يستجيب دعوة المسلم لأخيه المسلم في ظهر الغيب.