الشورى ركيزة استقرار تحتاج للسمت الحسن

الرئيسية » بصائر الفكر » الشورى ركيزة استقرار تحتاج للسمت الحسن
الشورى25

هذه الكلمة التي تفيض بها آيات ربنا وكانت سنة نبينا ترجمة عملية حية لها وكذا الحال في هدي أصحابه الكرام وسلف الأمة الصالح، هذه الكلمة التي طالما ترددت على ألسنة أهل اللغة والفقهاء والمفكرين والساسة، هي سمة من سمات المجتمع وخصيصة من خصائصه، التي نشأ وترعرع عليها.

وقضية الشورى واحدة من أهم القضايا التي لا غنى للحياة الإنسانية الكريمة عنها فهي ضرورة حياتية ذات مكانة مهمة ومنزلة رفيعة في الفكر الإنساني عامة، والفكر الإسلامي خاصة، ولا سيما في زماننا هذا الذي شهد ضروباً من الاستبداد الفكري، والتعنت السياسي، والظلم الاجتماعي.

"الحديث عن الشورى جاء قبل بناء الدولة، وسبق الحلال والحرام، وهذا يعني أنها منهج لحياة المسلم في أطوارها المختلفة"

ولقد وردت في كتاب ربنا ثلاث آيات في الشورى واحدة منها وردت في سورة الشورى لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [الشورى:38]. وسورة الشورى هي سورة مكية والحديث عن الشورى فيها له أهمية خاصة ودلالة عظيمة، فالحديث عن الشورى في الإسلام جاء قبل بناء الدولة وسبق الحديث عن الحلال والحرام وهذا يعني أن الشورى منهج لحياة المسلم في أطوارها المختلفة في الفرد والأسرة والمجتمع والدولة والأمة دون اقتصارها على المدلول السياسي لها فقط.

وليست الشورى مقصورة بهذه المواضع الثلاث في سور البقرة وآل عمران والشورى فالآيات القرآنية تحتوي الكثير على مما يدلل على الشورى بألوان وصور أخرى مختلفة، كقوله تعالى: {وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق:6] وهو لون من ألوان الشورى.

والشورى: هي استخلاص الآراء بعد التحاور فيها ومناقشتها ليخرج الناس بسديد الرأي وحكيم القرار وبصالح القول الذي يؤدي إلى مصلحة الأمة بأحوالها العامة ومختلف شؤونها، دون أن ينفرد الإنسان كائن من كان برأيه في الأمور التي تحتاج إلى عقول أخرى لتشاركه مهما أوتي من سعة العلم والقوة والمنصب والنفوذ.

إِذا بلغ الرأيُ المشورة فاسْتَعِن بِرأي نصِيحٍ أونصِيحَة ِ حَازِمِ
ولا تَجْعل الشُّورَى عليك غَضَاضَة مكانُ الخوَافِي قُوَّة ٌ لِلْقَوَادِم

الشورى ذات السمت الحسن

"لا بد من الحديث عن وسطية الشورى "ذات السمت الحسن الوسط التي نعنيها، البريئة من قيل وقال وإحراج الرجال، البعيدة عن المراء والرياء"

مع اتساع معاني الشورى والتغني بها والتذرع بها أحيانا لأجل القعود والنفور والسلبية، وحتى لا يكون مبدأ الشورى لمجرد المظهر والاستعراض وحتى لا تفتقر للجديد، كان لا بد من ترشيد معنى الشورى ومفهومها في داخل الأطر التنظيمية للحركات الإسلامية والجماعات المختلفة؛ كي لا تتيه سفينة الشورى في خضم أمواج البحار العاتية ولكي لا تبحر بعيدا أو يتجرأ أحدهم على خرق السفينة بسهم الشورى المسموم، فكان لا بد من الحديث عن وسطية الشورى "ذات السمت الحسن الوسط التي نعنيها، البريئة من قيل وقال وإحراج الرجال، البعيدة عن المراء والرياء، فكما أن نفس الداعية تتمنى أن لا يصدمها احتكار الآراء، فإن نفس القائد ترغب أن لا يكون هناك إسراف في تدخل المستشار تصير به الجماعة جماعة قول أكثر مما هي جماعة عمل، وكلا الرغبتين حق، والتعادل بينهما واجب، وقد يكون لعنصري الحزم والسرعة في اتخاذ القرارات مثل أهمية الآراء الصائبة الكامنة فيها".

وإن كثرة تعليق الأمور على اتخاذ قرار شوري ولو كانت صغيرة وإطالة مناقشة الخطط مع منفذيها قبل إقرارها، كل ذلك أدّى وما يزال يؤدي إلى إنتاج دعاة فضوليين، يكثر لغطهم ويقل عملهم وبالتدريج تنصبغ مجالسهم بصبغة الغيبة، وخشونة الألفاظ، حتى تكون تهورات اللسان أمراً مستساغاً، وتُغتال فضائل المجالس التي شهدت بها قواعد التريية الإيمانية اغتيالاً، ويصبح الداعية المشارك فيها قليل الاحترام لعناصر الرعيل الأول، كثير الجرأة عليها، وأقرب إلى سوء الظن والغمز، طويل النقاش، عريض التحدي !

نعم إن الشورى حق، وتطييب خواطر الصاعدين حق، وإشراك المنفذ في صناعة القرار حق لكن ذلك كله إنما يكون في الحدود الوسطى، وبالإنصاف لا بالهوى، وبالمعروف ولمصلحة الدعوة لا لمجرد التطلع، وإذا لم نتقيد بالضوابط في الممارسات الشورية فإن الأذواق ستفسد، ويكثر الصخب الذي يرهق الثقة المؤهل للتقدم، فينزوي، حفاظاً على عِرضه وسمعته، ولئلا يقسو قلبه عبر قيل وقال.

فوائد وإيجابيات

ولتطبيق الشورى والأخذ بها لها الكثير الكثير من الفوائد التي تنعكس إيجابيا على المجتمعات والتنظيمات والحركات المختلفة ومنها:

" تحقيق الشورى يعمل على توزيع المسؤولية، وتقسيم الأدوار ويدفع الجميع لتحمل العبء وهم التفكير والعمل"

- يذكر لنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه فوائد الشورى فيقول: (في المشورة سبع خصال، استنباط الصواب، واكتساب الرأي، والتحصن من السقطة، وحرز من الملامة، ونجاة من الندامة، وألفة القلوب، واتباع الأثر).

- الحد من ظاهرة تقديس الأشخاص الذين يفرضون هيمنتهم على مصير الأمة، والكيانات الإسلامية التي تحاول إصلاح المجتمع والدولة.

- تحقيق الشورى يعمل على توزيع المسؤولية، وتقسيم الأدوار ويدفع الجميع لتحمل العبء وهم التفكير والعمل.

- خير وسيلة للكشف عن الكفاءات والقدرات، وبها يظهر الأكفياء وتستفيد الأمة من كفاءاتهم.

- الشورى من الأمور التي تضمن سلامة الجماعة من التصدع والشقاق، فحين يصادم الناس هذه السنة الاجتماعية تظهر فيهم الخصومة والشقاق، وتتوسع الهوة بين المستويات التنظيمية المختلفة، وتنشأ عندئذ الديكتاتوريات والاستبداد في كل المؤسسة كبيرة كانت أو صغيرة.

إن ممارسة الشورى والالتزام بضوابطها وآدابها تحتاج منا إلى فهم ووعي، كما تحتاج منا إلى الشجاعة والقدرة على ضبط النفس، وكما يقول الإمام البنا رحمه الله: (وأعظم الشجاعة الاعتراف بالخطأ والإنصاف من النفس)، وهي أيضًا تحتاج منا إلى الصبر الجميل وسعة الصدر حتى تؤتي الشورى ثمارها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران:200]، (وما تشاور قوم قط إلا هدوا لأرشد أمرهم) الإمام النسفي.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
مدون أردني مهتم بالشأن التربوي

شاهد أيضاً

ظاهرة “تدجين الشعوب” بين حيلة الطغاة ورضوخ البغاة (2-2)

تحدثنا - بفضل الله تعالى- في الجزء الأول من هذا الموضوع عن:- توطئة عن الموضوع. …