المبادئ الخمسة لنشر الدَّعوة عند الإمام أبي الأعلى المودودي

الرئيسية » بصائر الفكر » المبادئ الخمسة لنشر الدَّعوة عند الإمام أبي الأعلى المودودي
s2alm6uw_0-528x360

"إنّني لا أعرف رجلاً أَثَّرَ في الجيل الإسلامي الجديد، فكريًّا وعمليًّا مثل المودودي، فقد قامت دعوته على أسس علميَّة، أعمق وأمتن من تلك التي تقوم عليها الدعوات السياسية، أو ردود فعل للاستعمار الأجنبي، وكانت كتاباته وبحوثه موجهة إلى معرفة طبيعة هذه الحضارة الغربية، وفلسفتها في الحياة وتحليلها تحليلاً علمياً، قلَّما يوجد له نظير في الزمن القريب، ولقد عرض الإسلام ونظم حياته وأوضاع حضارته وحكمة سياسته وصياغته للمجتمع والحياة، وقيادته للركب البشري والمسيرة الإنسانية في أسلوب علمي رصين، وفي لغة عصرية تتفق مع نفسية الجيل المثقف، وتملأ الفراغ الذي يوجد في الأدب الإسلامي من زمن طويل".

بهذه الكلمات يلخّص العلاّمة الشيخ أبو الحسن الندوي شخصية وفكر ودعوة الإمام أبي الأعلى المودودي [1903-1979م] مؤسّس الجماعة الإسلامية في شبه القارة الهندية، التي كان لها الأثر الطيّب في أغلب الأقطار العربية والإسلامية، ولأهمية دراسة فكر هذا الإمام ومنهجه، نعرض في هذه الأسطر الموجزة أبرز المبادئ والأساليب التي اعتمدها في الدعوة إلى الله سبحانه:

"الداعية مهمته مقاومة الأمراض الشائعة في المجتمعات، لا مقاومة المرضى الذين أصيبوا بتلك الأمراض إمّا بعدم الأخذ بالتدابير الوقائية، أو بتناول الأطعمة الفاسدة"

المبدأ الأوّل/ أسلوب الفلاَّح: فالداعية عن الإمام المودودي مثل الفلاح الذي يختار قطعة من الأرض ويمهدها للزراعة: يحرثها بالمحراث، ويصفيها من الحشائش ثم يسقيها بالماء فيوزع فيها البذر، وينشر فيها السماد، ويرش فيها المبيدات للحشرات، ثم يتعهدها بالحراسة ويتابع سقيها عند اللزوم، ويواصل في هذا الشأن ليله بنهاره إلى أن يستوي الزرع على سوقه فيحصده إذا شاء الله أن يحصد.

والدعوة كذلك تحتاج في رأي الإمام إلى نفس العملية الفلاحية، والجهد الشاق، والنفس الطويل، والرعاية الدائمة، واختيار نماذج من البشر لإصلاحها وجعلها قاعدة متينة للدّعوة.

المبدأ الثاني/ أسلوب الطّبيب: إنّ الدعوة هي عبارة عن معالجة أبناء آدم من الأمراض العقيدية والخلقية الفردية منها والاجتماعية. وكما لكل مرض دواؤه ولكل مريض وصفته، فكذلك أنَّ الداعية عليه أن يراعي نفس الطريقة: يصف المرض ويدرس طبيعة المريض ثم يختار له الدواء. وإذا كان المريض مصاباً بعدة أمراض فيأخذ الطبيب المرض الأخطر قبل الخطير، وأمّ الأمراض هي الشرك بالله بأنواعه؛ {وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّـهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ}. [الحج:31].

فعلى الداعية أن يعالج هذا الداء الفتاك بالحكمة والموعظة الحسنة. ولا يكون كالطبيب الذي لم يتعلم من معهد الصيدلة إلاّ إبرة واحدة يطعمها كل من يراجعه: لا يفرق بين المريض بالأنفلونزا وبين المريض بالسل، ولا بين الصغير والكبير، ولا بين من طبيعته صفراوية ومن طبيعته سوداوية حسب تعبير الأطباء.

"علينا قبل أن ننشئ في أوساط الجماهير حركة إسلامية شعبية أن ننتقي رجالاً يمتازون بصلابة العقيدة وسمو السلوك، ويمتازون بالكفاءات الفكرية حيث يستطيعون القيام بالمسؤولية المزدوجة من إصلاح الأفكار، وقيادة الحركة"

ثم إنّ الطبيب يحارب المرض ولا يحارب المريض. والداعية مهمته مقاومة الأمراض الشائعة في المجتمعات، لا مقاومة المرضى الذين أصيبوا بتلك الأمراض إمّا بعدم الأخذ بالتدابير الوقائية، أو بتناول الأطعمة الفاسدة، أو بمصاحبة المرضى الخطيرين. وفي كل الأحوال فالداعية مدعو إلى أن يعتني بالمرض ويواصل اعتناءه به إلى أن يوفقه الله لعلاجه. ويقول الله عزّ وجل: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَارًا}. [الإسراء : 82].

المبدأ الثالث/ أسلوب التصنيف: لقد صنَّف الإمام المودودي -رحمه الله- الدعوة إلى قطاعات ومجالات آخذاً بمبدأين معروفين: الأوَّل: الرجل المناسب في المكان المناسب. والثاني: لا ينبغي وضع البيض جميعاً في سلة واحدة. وعلى هذا هناك دعوة عامَّة تشمل الجميع وتدخل كل بيت من البيوت من قبل الجماعة الإسلاميّة. ولكن الظروف في باكستان اقتضت تصنيف الدعوة فأنشئت منظمات مختلفة في قطاعات مختلفة، وتولّى الدعوة في كل قطاع من هو أهله في ثقافته وخبرته وظروفه.

المبدأ الرّابع/ الأهم فالأهم: هذا المبدأ من أهم مبادئ دعوة الإمام أخذ به الإمام نفسه طول تاريخ الدعوة. وانطلاقاً من هذا المبدأ خصَّ الإمام بدعوته في البداية الطبقات المثقفة الرّائدة في المجتمع، قال الإمام أبو الأعلى المودودي في خطاب له في عام 1943م: (علينا قبل أن ننشئ في أوساط الجماهير حركة إسلامية شعبية أن ننتقي رجالاً يمتازون بصلابة العقيدة وسمو السلوك، ويمتازون بالكفاءات الفكرية المثالية حيث يستطيعون القيام بالمسؤولية المزدوجة من إصلاح الأفكار، وقيادة الحركة؛ ولذلك لا أستعجل في احتواء الجماهير في الدعوة بل أحاول استقطاب كل جهودي للتأثير في الطبقات المثقفة الرائدة واستخلاص العناصر الصالحة منها تكون هي في المستقبل قادة الشعوب وبناة الحضارة).

"لا تنقص الأمَّة كلمات عن الإسلام متلألئة، وأحاديث في الخلق ممتعة، وحكاياتٌ عن أبطال الإسلام تأخذ باللب والجنان، وإنّما تنقصها النماذج الحيَّة للمثل العليا، ينقصها رجالٌ جسدوا في حياتهم تلك الكلمات"

المبدأ الخامس/ القدوة قبل الكلمة: هذا هو المبدأ الخامس من مبادئ دعوة الإمام أبي الأعلى المودودي، والمراد من ذلك أنَّ الداعية تجسد الدعوة في شخصيتها قبل أن يخرج لها إلى غيره. وأن تكون الجماعة المؤمنة بها في جميع ما تقوم به من الأعمال، وتخطو من الخطوات، وتحقّق من المشاريع مثلاً حيّاً للناس قبل أن تدعوهم إليها؛ وحسب قول الإمام رحمه الله: "لا تنقص الأمَّة الإسلاميّة كلمات عن الإسلام متلألئة، وأحاديث في الخلق ممتعة، وبحوث عن حكمة الدين تضحك على اللؤلؤ والمرجان، وحكاياتٌ عن أبطال الإسلام تأخذ باللب والجنان، وإنّما تنقصها النماذج الحيَّة للمثل العليا، ينقصها رجالٌ جسدوا في حياتهم تلك الكلمات، وصدقوا ما عاهدوا الله عليه، وتنقصها جماعات تصدق أعمالها دعاويها فلا ينطبق عليها قول الله عزَّ وجل: {لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ}. [الصف: 2]".

----------------------------------------------------------------------------------------

*المرجع: كتاب (الإمام أبو الأعلى المودودي) تأليف خليل أحمد الحامدي.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

إلى أي مدى خُلق الإنسان حرًّا؟

الحرية بين الإطلاق والمحدودية هل ثَمة وجود لحرية مطلقة بين البشر أصلًا؟ إنّ الحر حرية …