يمثل مشهد حرق الطفل الدوابشة، حدثاً فظيعاً تستنكره كل الضمائر الحية، وأصحاب العقول السليمة، خصوصاً كون الطفل لم يتجاوز العامين من العمر، في مشهد يعبر عن حقد دفين، ووحشية صهيونية مقيتة، تذكرنا بكل الجرائم التي ارتكبها هذا العدو المجرم خلال عقود عديدة، منذ وجوده على هذه الأرض المباركة.
ما جرى في قرية "دوما" في نابلس، ليس حدثاً عابراً، بل جريمة تضاف إلى سلسلة طويلة من الجرائم، بدءاً من دير ياسين، وكفر قاسم، مروراً بمجازر صبرا وشاتيلا وجنين والخليل وغيرها، وانتهاء بقتل الآلاف في غزة وهدم بيوتهم، وحرقهم بالصواريخ والقذائف.
بعد حرق الطفل الدوابشة، سارع المجتمع الدولي لتحميل "المتطرفين" من المستوطنين اليهود المسؤولية عن الفعل، ولم يطالب أي أحد بإصلاح الفكر اليهودي، أو مراجعة تعاليم التوراة، أو يحمل الفكر الأيدولوجي لهم أية مسؤولية عن الفعل وتبعاته على الرغم من النصوص الصريحة الواضحة، التي تدعوا إلى القتل والتدمير، والاستعباد والتخريب.
"لا فرق بين متطرف ويميني ويساري، فكلهم صهاينة أذاقوا شعبنا الويلات، وسفكوا دماءهم وارتكبوا أبشع الجرائم بحقهم."
إن عملية الحرق التي تمت، لم يقم بها مجموعة من المتطرفين، بل قام بها أتباع التوراة التي تدعو صراحة إلى القتل وسفك الدماء. ولا فرق بين متطرف ويميني ويساري، فكلهم أذاقوا شعبنا الويلات، وسفكوا دماءهم وارتكبوا أبشع الجرائم بحقهم.
اليهود.. قساة القلوب
يقول الله عز وجل: {ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون} [البقرة:74].
ويقول الله تعالى: {فبما نقضهم ميثاقهم لعنّاهم وجعلنا قلوبهم قاسية} [المائدة:13].
فهاتان الآيتان فيهما تصريح عن طبيعة اليهود، الذين يتصفون بقساوة القلب، وانعدام الرحمة والشفقة عندهم.
يقول الشيخ محمد رشيد رضا في تفسير المنار: " بل هي أشد قسوة من الحجارة؛ إذ لا شعور فيها يأتي بخير، ولا عاطفة تفيض منها بعبرة، والحجارة ليست كذلك؛ لأن منها ما يفيض بالخيرات، ومنها ما يكون موضع ظهور آثار القدرة الإلهية في الجمادات".
ويقول سيد قطب في الظلال: "ومهما حاولوا -مكراً- إبداء اللين في القول عند الخوف وعند المصلحة، والنعومة في الملمس عند الكيد والوقيعة، فإن جفاف الملامح والسمات ينضح ويشي بجفاف القلوب والأفئدة..".
ولقد نتج من قساوة قلوبهم، أن حرفوا كتاب ربهم "التوراة" وجعلوه تبعاً لنفسياتهم ورغباتهم، ووحشيتهم في تعاملهم مع أعدائهم ومحاربتهم لهم. ومن ذلك:
"جاء في التوراة: أما مدن الشعوب التي يهبها الرب إلهكم لكم ميراثا (والمقصود بها فلسطين) فلا تَسْتَبْقوا فيها نَسَمَة حية، بل دمروها عن بكرة أبيها"
- جاء في (سفر تثنية الاشتراع) في (الإصحاح العشرين): "وحين تتقدمون لمحاربة مدينة فادعوها للصلح أولا. فإن أجابتكم إلى الصلح واستسلمت لكم، فكل الشعب الساكن فيها يصبح عبيدا لكم. وإن أبت الصلح وحاربتكم فحاصروها، فإذا أسقطها الرب إلهكم في أيديكم، فاقتلوا جميع ذكورها بحد السيف. وأما النساء والأطفال والبهائم، وكل ما في المدينة من أسلاب، فاغنموها لأنفسكم، وتمتعوا بغنائم أعدائكم التي وهبها الرب إلهكم لكم. هكذا تفعلون بكل المدن النائية عنكم التي ليست من مدن الأمم القاطنة هنا".
- وفيما يتعلق بشعوب (أرض الميعاد) أي أهل فلسطين، ففي (سفر التثنية): (الإصحاح العشرين): "أما مدن الشعوب التي يهبها الرب إلهكم لكم ميراثا، فلا تَسْتَبْقوا فيها نَسَمَة حية، بل دمروها عن بكرة أبيها، كمدن الحثِّيِّين والأموريين والكنعانيين والفرزيين والحويين واليبوسيين، كما أمركم الرب إلهكم، لكي لا يعلِّموكم رجاستهم التي مارسوها في عبادة آلهتهم، فتغووا وراءهم وتخطئوا إلى الرب إلهكم". ثم يعلق شراح التوراة على ما سبق، يقولون: (كيف يمكن لإله رحيم أن يأمر بإهلاك كل المراكز الآهلة بالسكان؟ لقد فعل ذلك لحماية بني إسرائيل من عبادة الأوثان، التي كانت، ولا بد، ستجلب الخراب عليهم وفي الحقيقة، لأن بني إسرائيل لم يقضوا تماما على هذه الشعوب الشريرة كما أمرهم الله، تعرضوا باستمرار لاضطهادهم، وإلى الكثير من سفك الدماء والتخريب، أكثر مما لو كانوا أطاعوا توجيهات الله قبل كل شيء)!!.
- في الباب الرابع والثلاثين من (سفر الخروج) في حق الأمم الست هكذا: "فاحذر أن تعاهد مطلقا سكان تلك الأرض الذين تأتيهم لئلا يكونوا لك عثرة، ولكن اهدم مذابحهم، وكسر أصنامهم، واقطع أنساكهم".
"إن فكر هؤلاء لا ينبع إلا من نصوص كتبوها بأيديهم، تكشف عن حقد دفين، وقساوة في القلوب، وشذوذ في الفطرة، لا ترى في الآخرين إلا عبيداً، أو بشراً لا عصمة لدمائهم، ولا حرمة لأعراضهم"
- في الباب الثالث والثلاثين من (سفر العدد): "مر بني إسرائيل وقل لهم: إذا عبرتم الأردن وأنتم داخلون أرض كنعان، فأبيدوا كل سكان تلك الأرض، واسحقوا مساجدهم، واكسروا أصنامهم المنحوتة جميعها، واعقروا مذابحها كلها. ثم أنتم إن لم تبيدوا سكان الأرض، فالذين يبقون منهم، يكونون لكم كأوتاد في أعينكم، ورماح في أجنابكم، ويشقون عليكم في الأرض التي تسكنونها، وما كنت عزمت أني أفعل بهم سأفعله بكم".
- في الباب السابع من (سفر التثنية) هكذا: "إذا أدخلك الرب إلهك الأرض التي تدخل لترثها، وتبيد الشعوب الكثيرة من قدامك: الحيثي والجرحيثاني والأموراني والكنعاني والفرراني والحواني واليبوساني، سبعة أمم أكثر منكم عددا وأشد منكم، وسلمهم الرب إلهك بيدك، فاضربهم حتى إنك لا تبقي منهم بقية، فلا تواثقهم ميثاقا ولا ترحمهم، ولكن فافعلوا بهم هكذا: خربوا مذابحهم، وكسروا أصنامهم، وقطعوا مناسكهم، وأوقدوا أوثانهم).
مما سبق يتضح لدينا أن الإرهاب الصهيوني الذي يحدث على الأرض المباركة، ليس وليد تطرف، أو ناتج عن حزب أو توجه معين. بل هو نابع من كتابهم المحرف وما يؤمنون به بغض النظر عن مسمياتهم الحزبية أو رؤاهم السياسية.
إن فكر هؤلاء لا ينبع إلا من نصوص كتبوها بأيديهم، تكشف عن حقد دفين، وقساوة في القلوب، وشذوذ في الفطرة، لا ترى في الآخرين إلا عبيداً، أو بشراً لا عصمة لدمائهم، ولا حرمة لأعراضهم.
معلومات الموضوع
مراجع ومصادر
- فقه الجهاد - القرضاوي