حظوظ النفس مَهْلكة وفي الإخلاص نجاة

الرئيسية » بصائر تربوية » حظوظ النفس مَهْلكة وفي الإخلاص نجاة
IKHLAS

  في المجالس العامّة واللقاءات الخاصّة يُكثرُ من الحديث عن أعماله وما لاقاه في سبيل الدّعوة والعمل لها من تعبٍ ونَصَب، ويحبُّ أن يوجّه له الثناء والمدح، فتراه مبتهجاً مسروراً تتشرّف نفسه لصوت مادح ومقالة ثناء..

وفي الحديث عن الأعمال الجماعية التي شارك فيها كفرد، فإنّه ينسب النجاح إليه، وأنّه صاحبُ الفكرة، وأنّه فكّر وقدّر وخطّط ونفّذ .. وتستشرف نفسُه لدِرع وشهادة تقدّم إليه، ويبرزها في بيته والحديث عنها في المحافل!! .. ويعمل على إبراز نفسه في كلّ مجالات الحياة حتّى وإن كانت بعيدة عن تخصّصه، فإن تحدّثوا في السياسة أقحم نفسه كأنّه محلّل سياسي، وإن ذُكر الاقتصاد والتجارة فهو الخبير، وإنْ ذكرت المسائل الفقهية والفتاوى فهو المتخصّص، وإنْ ذكر العمل الخيري والإغاثي، فله باعٌ في التواصل مع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، فلا يدع مجالاً إلاّ وله مشاركة شخصية مميّزة وحضور لاسمه فاعل ومحبّة في الحديث عن أعماله وحبٌّ في إبراز نفسه..

إنَّها حظوظ النّفس الّتي قال عنها ابن قيّم رحمه الله : (لاشيء أفسد للأعمال من العُجب ورؤية النفس). ويقول مسروق: (كفى بالمرء جهلاً أن يُعجب بعمله).

لا تعارض بين أنَّنا مطالبون بالتميّز والإبداع والتحصيل وتجويد الأعمال في مختلف المجالات وشتّى مناحي الحياة، وبين أنَّنا مطالبون بتجويد الباطن وتحسين السريرة، ومن جمع بين الأمرين فقد حاز الفضيلة، يقول الإمام ابن قيم : (إنَّ بين القلب وبين الرّب مسافة، وفيها أمور تمنع وصول العمل إليه من كبر وإعجاب وإذلال ورؤية العمل ونسيان المنّة، وعلل خفية لو استقصى في طلبها لرأى العجب، ومن رحمة الله تعالى سترها على أكثر العباد إذ لو رأوها وعاينوها لوقعوا فيما هو أشدّ منها من اليأس والقنوط والاستحسار وترك العمل وخمود العزم وفتور الهمَّة).

وقد يكون حال من غلبته حظوظُ نفسه، كحال من لبس حلّة فأعجب بنفسه، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : ((بينما رجل يتبختر في حلّة قد أعجبته نفسه إذ أمر الله الأرض فأخذته، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة)). [متفق عليه].

يقول الإمام ابن قيّم الجوزية في كتابه القيّم "مدارج السَّالكين": (كم في النفوس من علل وأغراض وحظوظ تمنع الأعمال أن تكون لله خالصة، وأن تصل إليه؟ وإنَّ العبد ليعمل العمل حيث لا يراه بشر البتة، وهو غير خالص لله، ويعمل العمل والعيون قد استدارت عليه نطاقاً، وهو خالص لوجه الله، ولا يميز هذا إلاَّ أهل البصائر وأطباء القلوب العالمون بأدوائها وعللها).

يقول ابن عطاء الله السكندري: (حظّ النّفس في المعصية ظاهر جليّ، وحظّها في الطاعة باطن خفيّ، ومداواة ما يخفى صعبٌ علاجه). وذلك أنَّ حظوظ النفس في الطاعات لا يعرفها ولا يشعر بها إلاّ صاحبها، إن وجدت واستقبلها صاحبها استقبالاً حسناً، بعثت في نفسه النشوة ما تتقاصر المعاصي عن تحقيق مثله!

إنَّ تربية النفس وتعويدها على إخلاص العمل لله سبحانه هو السبيل إلى قتل حظوظ النفس والإعجاب بالأعمال وحبّ إظهارها أمام الناس، لأنَّ مفتاح دعوة الرّسل والأنبياء عليهم السّلام: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}. [البينة:6].

يقول الإمام ابن تيمية: (إنَّ الإخلاص أهم أعمال القلوب المندرجة في تعريف الإيمان، وأعظمها قدراً وشأناً، بل إنَّ أعمال القلوب عموماً أكبر وأهم من أعمال الجوارح، ولا يغترّ المسلم فإنَّ أداء الطاعة بدون إخلاص وصدق مع الله لا قيمة له ولا ثواب، بل صاحبها متعرّض للوعيد الشديد، وإن كانت هذه الطاعة من الأعمال العظام كالإنفاق في وجوه الخير وقتال الكفار وغيرها).

وكان الحسن رضي الله عنه يقول: (رَحِمَ الله رجلاً لم يغره كثرة ما يرى من الناس. ابن آدم .. إنَّك تموت وحدك، وتدخل القبر وحدك، وتبعث وحدك، وتحاسب وحدك).

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …