إضاءات على المنهج السياسي للحركة الإسلامية

الرئيسية » حصاد الفكر » إضاءات على المنهج السياسي للحركة الإسلامية
2رائد صلاح الاقصى

سلفا أقول: كما نحرص على أن يكون فهمنا وفكرنا وخطابنا ومواقفنا ومعاملاتنا وآدابنا إسلامية، كذلك نحرص على أن يكون فهمنا السياسي وفكرنا السياسي وخطابنا السياسي وسلوكنا السياسي إسلاميا. وحتى نتحقق بذلك فلا بد أن ننضبط أولا في هذا (الفهم والفكر والخطاب والسلوك السياسي) بالسند الشرعي.

وعندما نطمئن إلى أن السند الشرعي يجيز لنا أن نتبنى هذا (الفهم والفكر والخطاب والسلوك) السياسي؛ عند ذلك نخطو خطوة أخرى، ونبحث عن المصالح والمفاسد فيما نريد أن نتبناه.

وهذا يعني أننا لا نتبنى منهجا سياسيا يقوم على الرأي فقط، أو على تقدير المصالح والمفاسد فقط، أو على الهوى والرغبة في مناكفة الآخر.

ولذلك لا بد من سند شرعي أولا. ولا أقصد أننا في حاجة إلى سند شرعي في كل خطوة نخطوها، لأن هناك الإجراءات المحض، الواضح جوازها، والتي يرجح اتباعَها دراسةُ الجدوى من ورائها فقط، مثل أن ننظم مظاهرة أو اعتصاما أو مهرجانا أو مسيرة أو مؤتمرا من عدمه. فهذه كلها إجراءات محض لها ارتباط بالمنهج السياسي، ولكن يرجح القيام بها دراسة الجدوى.

وفي المقابل هناك المفاهيم السياسية التي قد تكون من الثوابت أو المتغيرات. فمثل هذه المفاهيم السياسية لا يمكن أن نخضعها لدراسة الجدوى فقط، بل لا بد من السند الشرعي لكل منها، قبل أن نخوض في دراسة جدواها.

وحتى يكون مدلول (السند الشرعي) واضحا لا اختلاف عليه لا بد من إخضاع ذلك للمنهج الفقهي للحركة الإسلامية؛ علما أن النظر في المصالح والمفاسد هو جزء من النظر الفقهي. أما غير النظر الفقهي الشرعي فهو يتناول المكاسب والخسائر فقط. وهذا شيء مختلف عن المصالح والمفاسد بمفهومها في الإسلام. وأنا على يقين أننا إذا ما تمسكنا بهذه الأصول، مُصرّين على الالتزام بهذا المنهج الفقهي، ومصرين أن يكون هذا المنهج هو مرجعنا في كل سند شرعي نحتاج إليه لكل قضية سياسية في حاجة إلى (سند شرعي)، ومصرين أن نقدم (السند الشرعي) أولا؛ قبل الخوض في دراسة المصالح والمفاسد، ومصرين أن نتبع ذلك –أي بعد وجود السند الشرعي- بإجراء دراسة جماعية وفق نظام الحركة الإسلامية حول المصالح والمفاسد في كل قضية سياسية في حاجة إلى (سند شرعي)، بعيدا عن التفرد بالرأي الفردي، حتى لو وجد (سندا شرعيا). أنا على يقين أننا إذا صممنا على التمسك بكل هذه الأصول فستحسن الحركة الإسلامية أن تتجاوز كل ما تتعرض إليه من مواقف وتحديات سياسية بموقف واحد وصف واحد، حتى يأتي أمر الله تعالى. وأنا على قناعة أننا لو كنا قد أخضعنا قضية الكنيست إلى هذه الأصول عندما درسناها أول مرة في منتصف التسعينيات لما حدث الانشقاق في الحركة الإسلامية.

ولذلك لا بد من الاستفادة من هذه التجربة، رغم مرارتها وتداعياتها المؤسفة. ثم لا بد للحركة الإسلامية أن ترسم لها منهجا سياسيا منضبطا برسالة الحركة الإسلامية التي رسمت فيها لنفسها ولأبنائها ولأنصارها وللمتواصلين معها؛ ما هو هدف وجود الحركة الإسلامية؟ وما هو منهج عملها؟ وماذا يميزها عن غيرها؟ وبذلك يجتمع في المنهج السياسي للحركة الإسلامية السند الشرعي أولا، ثم رسالة الحركة الإسلامية.

ومن المعروف أن الحركة الإسلامية صاغت لنفسها رسالة راشدة وشاملة تقول فيها علانية إنها (تسعى نحو تمكين المجتمع الفلسطيني في الداخل والحفاظ على هويته، وتعزيز صموده، وفقا للقيم الإيمانية والثوابت الوطنية، بأساليب مؤسسية إبداعية، وشراكة مجتمعية، دعما للقضايا الفلسطينية والعربية والإسلامية والإنسانية). ولدى قراءة هذه الرسالة وتدبرها نجد أنها تمد المنهج السياسي للحركة الإسلامية بالمفاهيم التالية:

1. يهدف المنهج السياسي للحركة الإسلامية إلى تمكين المجتمع الفلسطيني في الداخل، وليس إلى تمكين خاص للحركة الإسلامية فقط. وهذا يعني أن هدف هذا المنهج السياسي أوسع من حدود مصلحة الحركة الإسلامية. وهذا يعني أن تمكين الحركة الإسلامية هو مطلب ضروري، كي تقوى الحركة الإسلامية على تمكين كل المجتمع الفلسطيني في الداخل. وهذا يعني أن كل ما تفعله الحركة الإسلامية من عمل متواصل وشامل، يجمع بين التربوي والدعوي والمؤسساتي والسياسي والإعلامي والشعبي والمحلي والعالمي، يهدف في نهاية المطاف إلى تمكين كل المجتمع الفلسطيني في الداخل.

2. ويوم أن تقول الحركة الإسلامية في رسالتها (... لتمكين المجتمع الفلسطيني في الداخل ) فهي تعني ما تقوله. وهي تدرك مدلوله وتقصد هذا المدلول. وهذا يعني أنها تسعى لتمكين المجتمع الفلسطيني في الداخل، بكل مركباته الدينية. فهناك المسلم وهناك المسيحي وهناك الدرزي. ولذلك فإن المنهج السياسي للحركة الإسلامية يعلنها حربا لا هوادة فيها على الطائفية العمياء.

3. وهذا يعني كذلك أنها تسعى لتمكين المجتمع الفلسطيني في الداخل بكل تعددياته السياسية، ما دامت هذه التعدديات تدور في دائرة هوية هذا المجتمع وقيمه وثوابته الفلسطينية. ومن الواضح للحركة الإسلامية أن هناك الحركة الإسلامية في مشهد التعدديات السياسية لهذا المجتمع، وهناك غيرها من أحزاب وحركات سياسية في هذا المشهد. ومع هذا الوضوح فإن الحركة الإسلامية تدرك أنها تسعى نحو تمكين هذا المجتمع في الداخل بكل هذه التعدديات السياسية، التي قد تخالف الحركة الإسلامية في مواقفها السياسية، ولكن تبقى جزءا من مجتمعنا في الداخل الفلسطيني، وتبقى القيم والثوابت الوطنية قاسما مشتركا يجمعنا مع هذه الأحزاب والحركات بهدف تمكين مجتمعنا. ولذلك فإن المنهج السياسي للحركة الإسلامية يعلنها حربا لا هوادة فيها على العصبية الحزبية المتحجرة.

4. ومن الواضح للحركة الإسلامية أنها تطمع في تمكين مجتمعنا في الداخل الفلسطيني على قاعدة (الشراكة المجتمعية)؛ كما ورد ذلك في رسالة الحركة الإسلامية. وهذا يعني أن الحركة الإسلامية لا ترضى لنفسها ولا لغيرها سياسة الاستفراد أو التسلط أو إقصاء الآخر في مسيرة تمكين مجتمعنا في الداخل الفلسطيني. ولذلك فالحركة الإسلامية ترحب -مبدئيا- بكل خطوة تقوم على قاعدة (الشراكة المجتمعية) مع كل مركبات مجتمعنا؛ الدينية والسياسية التي تجمعنا معها القيم والثوابت الفلسطينية، من أجل التعاون على تمكين مجتمعنا الفلسطيني.

5. ولأن الحركة الإسلامية تسير وفق هذه القناعات الواضحة فإنها تؤمن بضرورة دوام التواصل مع كل المركبات الدينية والسياسية في الداخل الفلسطيني، والتي تجمعنا معها الثوابت الفلسطينية، بعيدا عن لغة التخوين أو الإقصاء أو التجريح أو التسفيه. وبطبيعة الحال بعيدا عن لغة الطائفية العمياء أو الحزبية المقيتة.

6. في الوقت الذي تؤكد فيه الحركة الإسلامية في هذه الرسالة أنها تعمل على تمكين المجتمع الفلسطيني في الداخل الفلسطيني؛ فإنها تؤكد أن هذا التمكين لا يمكن أن يتحقق إلا إذا جرى تركيز جهد راشد ومتواصل ودائم من أجل الحفاظ على هوية وقيم وثوابت هذا المجتمع الوطنية. وهذا ما دفع الحركة الإسلامية إلى أن تصدر ميثاقا اجتماعيا في عام 2000 هدفت من ورائه إلى ضبط هذه الهوية والقيم والثوابت، ولا تزال الحركة الإسلامية تتمسك بهذا الميثاق وتدعو كل مركبات مجتمعنا الدينية والسياسية في الداخل الفلسطيني أن تلتقي عليه.

7. ولأن الحركة الإسلامية تدرك سلفا أنها تعمل على تمكين كل مجتمعنا في الداخل الفلسطيني، بكل مركباته الدينية والسياسية على قاعدة (الشراكة المجتمعية)، فإنها تتمسك بضرورة دوام التواصل بينها وبين كل هذه المركبات؛ سواء كانت دينية أو سياسية. وحتى لو طرأت خلافات ما بين الحركة الإسلامية وبين بعض هذه المركبات؛ فلا بد من تجاوز هذه الخلافات والحفاظ على دوام التواصل مع كل هذه المركبات.

8. وعلى ضوء كل ما تقدم فإن الحركة الإسلامية كانت -ولا تزال- ترحب بإقامة مؤسسات إبداعية تقوم على قاعدة الشراكة المجتمعية مع كل مركبات مجتمعنا الدينية والسياسية في الداخل الفلسطيني، بهدف تمكين هذا المجتمع وتعزيز صموده، ولذلك استجابت الحركة الإسلامية فورا لإقامة مؤسسة (دار الوفاء) التي تضم أعضاء من كل مركبات مجتمعنا في الداخل الفلسطيني، والتي ستعمل على إقامة متحف يهدف إلى الحفاظ على تاريخ فلسطين وتاريخ نكبة فلسطين، وما مر على شعبنا الفلسطيني وعلى لاجئيه وشهدائه وأسراه.

9. وعلى ضوء كل ما تقدم فإن الحركة الإسلامية ترى في لجنة المتابعة العليا الهيئة النموذجية، التي تستطيع أن تجمع في داخلها كل مركبات مجتمعنا السياسية في الداخل الفلسطيني، وهي الهيئة النموذجية التي تستطيع ترسيخ قاعدة (الشراكة المجتمعية) بين كل هذه المركبات، والعمل على ترسيخ الأساليب المؤسسية خلال سعينا الهادف للحفاظ على هوية مجتمعنا في الداخل الفلسطيني وتعزيز صموده وفقا للقيم والثوابت الوطنية. ولذلك فإن الحركة الإسلامية ترى في لجنة المتابعة مشروعا وطنيا وليست مجرد هيئة تنسيقية أو مطلبية، ويجب أن تضع لها إستراتيجيات تعمل على ضوئها، بعيدا عن العمل العفوي القائم على ردود الفعل. ولذلك فإن الحركة الإسلامية ترى من الواجب انتخاب لجنة المتابعة برئيسها وأعضائها انتخابا مباشرا من قبل كل جماهيرنا في الداخل الفلسطيني. وهذا ما سيصنع لها شخصية اعتبارية؛ محليا وعالميا.

10. الذي تتوخاه الحركة الإسلامية من لجنة المتابعة العليا أن تصوغ مرجعية سياسية تحفظ علينا كل ثوابتنا الفلسطينية، وتقينا من آفة الإقصاء كأسلوب تعامل بين مركبات مجتمعنا السياسية في الداخل الفلسطيني، وأن تصوغ لجنة المتابعة مرجعية قيمية تحفظ علينا ثوابتنا الفلسطينية والعروبية والإسلامية، وتقينا آفة التفلت السلوكي.

11. وحتى تنجح الحركة الإسلامية في أداء دورها الراشد والمتقدم، على ضوء كل ما تقدم، فقد عكفت على بناء أقوى وأوسع منظومة من المبادرات الأهلية التي تصب في دور تمكين مجتمعنا في الداخل الفلسطيني بكل ما يحتاج إليه من مقومات النهوض والتقدم. إلى جانب ذلك لا تزال الحركة الإسلامية تصبو إلى تحقيق مشروعها الكبير الذي اختارت له اسم (المجتمع العصامي)، والذي تهدف فيه إلى حسن جمع قدراتنا المالية والعلمية، مع ما تبقى لنا من أرضنا، لبناء كل ما يحتاج إليه مجتمعنا الفلسطيني من مؤسسات أهلية لا بد منها كمقومات لنهضته وتقدمه في كافة مناحي الحياة.

12. إن كل ما ورد أعلاه من أصول سياسية وقيمية تنطلق كلها من الرسالة التي حددت الحركة الإسلامية فيها الدور المنشود لها في الداخل الفلسطيني. ومن الواضح أن كل ذلك لا يلغي تمسك الحركة الإسلامية الدائم بحق نقد الآخر على قاعدة أدب النقد، بعيدا عن التجريح وتوزيع صكوك "التقدمية" و"الرجعية"، أو صكوك "الوطنية" و"الخيانة"، أو صكوك "الغفران" و"الحرمان".

13. الحركة الإسلامية تدرك بوعي، لا ضبابية فيه ولا تلعثم، أنها قررت وفق كل ما تقدم الانحياز إلى مجتمعنا في الداخل الفلسطيني، وإلى كل ما يحتاج إليه من أصول سياسية وقيمية تجمع ولا تفرق، وتبني ولا تهدم. وقررت الحركة الإسلامية في نفس الوقت الحفاظ على نصاعة دورها ونقاوتها، ولذلك ترفض مبدئيا الانخراط في أدوات اللعبة الرسمية (الكنيست)؛ ذلك السراب الذي أغرق مجتمعنا في وهم متواصل على مدار عقود عجاف مرت عليه، سمع فيها جعجعة ولم يرَ طحنا. وهذا لا يلغي جاهزية الحركة الإسلامية المبدئية لخوض انتخابات السلطة المحلية العربية، أو انتخابات لجان الآباء ولجان الطلاب في المدارس والجامعات أو انتخابات لجنة المتابعة العليا.

14. لأن الحركة الإسلامية ترفض مبدئيا الانخراط في أدوات اللعبة الرسمية (الكنيست)، فهي ترفض تلقائيا -وتدعو كل مجتمعنا في الداخل الفلسطيني أن يرفض تلقائيا- مبدأ الانصهار في المجتمع الإسرائيلي والقبول بالخدمة المدنية أو الشرطة الجماهيرية أو الخدمة العسكرية، أو الخدمة الأمنية على كافة أشكالها وأدواتها ومسمياتها. ولا يمكن لها أن تنسجم أو تتعايش مع المشروع الصهيوني ومع إفرازاته في يوم من الأيام.

15. الحركة الإسلامية تدرك أنها في اللحظة التي تصر فيها على تمكين مجتمعنا في الداخل الفلسطيني، بكل مركباته الدينية والسياسية، فهي تصر على مبدأ التواصل مع شعبنا الفلسطيني وعالمنا العربي وأمتنا المسلمة وحاضرنا الإنساني. وتصر على مبدأ نصرة القضايا الفلسطينية والعربية والإسلامية والإنسانية. ولذلك فإن زوال الاحتلال الإسرائيلي، وقيام الدولة الفلسطينية، وتحرير القدس والمسجد الأقصى، وعودة كل اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم وبيوتهم التي هجروا منها ومقدساتهم، وتبييض السجون الإسرائيلية من آخر أسير حرية فلسطيني؛ هي قضايا لا رجعة فيها، ولا بديل لها، ولا تفاوض عليها. وبنفس الدافع كانت الحركة الإسلامية من أول من بارك الربيع العربي، وكانت -ولا تزال- تناصر حق الشعوب العربية والمسلمة في استعادة شرعيتها وانتخاب قيادتها.

16. الحركة الإسلامية تؤكد -قبل كل ما ورد أعلاه وبعده- أن اليقين والتفاؤل يملأ عليها عقلها وقلبها ومشاعرها،وأنه كان -ولا يزال- لها قناعات لا تنازل عنها تبشر بأننا على أبواب خلافة عالمية على منهاج النبوة؛ تملأ الأرض قسطا وعدلا بعد أن ملئت ظلما وجورا. وستكون القدس المباركة هي العاصمة العالمية لهذه الخلافة العالمية القادمة. وهذا يعني الانتصار الحتمي للمشروع الإسلامي والبديل الحضاري الإسلامي، بعد الفشل المريع لكافة المشاريع الأرضية على كافة أسمائها ومناهجها.

17. إن كل ما مضى لا بد أن يفهم في ظل مفهوم أساس راسخ؛ وهو أننا حركة إسلامية نؤمن بالإسلام عقيدة وعبادة وشريعة ومنهج حياة. هذا هو فهمنا الوسطي للإسلام الذي نؤمن به ونعمل له. وهذا يعني أن الإسلام نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعا؛ فهو دولة ووطن وأمة، وهو خلق وقوة وعدالة، وهو ثقافة وقانون وعلم وقضاء، وهو مادة وثروة وكسب، وهو دعوة وفكرة، كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة سواء بسواء.

معلومات الموضوع

مراجع ومصادر

  • فلسطينيو 48
اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

قراءة سياسية في عبادة الصيام

عندما نضع الصيام في سياق العبادة في الإسلام نجد أن العبادة وسيلة تحقق غايات عليا …