بينما أتابع الأخبار والأحداث، أخبار فلسطين الحبيبة، والأقصى الأسير، شد انتباهي، ولفت نظري، ما جرى ويجري في المسجد الأقصى الشريف، من حرق ودمار، إبعاد وحصار.
وإذ بخبر عن الأقصى الحزين، على عجل يتصدر الشاشات، فضائيات، بوستات، وتغريدات، وفي زحمة الأحداث والأخبار المتسارعة، شد انتباهي ولفت نظري خبر واحد، توقفت عنده برهة من الزمن، كان الخبر كالتالي: (إصابة المرابطة هنادي حلواني بالاختناق، بسبب استنشاقها الغاز السام)، هي ذاتها التي صدر بحقها قبل أسابيع، قرار من المحكمة الصهيونية بإبعادها عن الأقصى لمدة ستة أشهر.
أعدت قراءته مرات عديدة، وأنا أتأمل كلمة، (مرابطة)، كثيراً ما يتطرق لسمعنا هذه الكلمة، لكننا نجهل معناها ومغزاها، عزمت على الإبحار في هذا المعنى، وبدأت الرحلة، يدفعني حبي للمسجد الأقصى.
فما هو الرباط؟
المعنى العام: هو اللزوم والمداومة والثبات على المبدأ الظاهر حتى الممات.
المعنى الخاص: أن يربط المسلم نفسه في ثغر، يتوقع فيه نزول العدو، وذلك بنية الجهاد، أو الحراسة، أو تكثير سواد المسلمين.
"سمي الرباط رباطاً؛ لأنهم كانوا يربطون الخيول بجوارهم، انتظاراً للمعركة، يدفعون بها على الثغور، فسمي المقام بالثغر رباطاً، وإن لم يكن هناك أي خيل"
قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون} [آل عمران:200] (رابطوا) أي: على مجاهدة أعدائي، وكلما كان الخوف أشد، والخطر أكثر، كان الرباط هناك أوجب وأجزل في العطاء والثواب.
وقد سمي الرباط رباطاً؛ لأنهم كانوا يربطون الخيول بجوارهم، انتظاراً للمعركة، يدفعون بها على الثغور، فسمي المقام بالثغر رباطاً، وإن لم يكن هناك أي خيل.
لماذا الرباط في سبيل الله؟
في الرباط بركات شتى، وخيرات كثيرة، وحسنات تجري كما النهر، فالعين التي تسهر في سبيل الله، وفي حماية الحصون من الأعداء، فتلك عين تحفها رعاية الله، ورحمته، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عَينانِ لا تمَسَّهما النَّار: عينٌ بكت من خشيةِ اللهِ، وعينٌ باتت تحرسُ في سبيل الله" (رواه الترمذي بسند صحيح).
فأي رحمة ومنحة ربانية!! بل إن يوماً في الرباط خير من ألف يوم فيما سواه، كما بين ذلك نبينا الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم.
ولكن، ماذا إن مات المرابط دفاعاً عن أرضه، وعقيدته؟!
فهنيئاً له الشهادة، والقرب من الأنبياء، والصديقين، هنيئاً فقد مات شهيداً، وعاش عظيما،ً ومن أعظم من المجاهد!!!
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من مات مرابطاً مات شهيداً" (رواه ابن ماجه بسند فيه ضعف).
أين الرباط في سبيل الله؟
في سيرة الصحابة رضوان الله عليهم والتابعين أيضاً، نجد أن أكثرهم قد خرجوا من مكة والمدينة، للجهاد في سبيل الله، متجهين إلى الشام وسواحلها، وكثير منهم قد لقى الله شهيداً على ثرى الشام، فأرض الشام أرض مباركة، فيها المسجد الأقصى المبارك، وفيها نجىّ الله موسى عليه السلام وقومه من فرعون، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "ياطوبى للشام، ياطوبى للشام، ياطوبى للشام" قالوا: يارسول الله وبم ذلك؟ قال: "تلك ملائكة الله باسطة أجنحتها على الشام" (رواه الترمذي وأحمد وهو حديث صحيح).
"أرض الشام هي أرض الرباط، فهي أرض الخيرات، والبركات، فأفضل ما فيها ثغورها، والرباط فيها، له عظيم الأجر"
نرى مما سبق، أن أرض الشام هي أرض الرباط، فهي أرض الخيرات، والبركات، فأفضل مافيها ثغورها، والرباط فيها، له عظيم الأجر.
فالمرابطون هم أهل الصبر والمصابرة، أهل التقوى والفلاح، مدحهم الله في مواضع كثيرة، فهم الذين {يحبهم ويحبونه} [المائدة: 54]، هم الذين {رضي الله عنهم ورضوا عنه}، [التوبة: 100]، هم الذين {جاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم}، [الحج: 78]، وهم الذين {ويتخذ منكم شهداء}، [آل عمران: 140].
فكيف إن كان الرباط عند الأقصى؟! وفي قربه سكينة ووقار، وكل يوم، على جنباته، شهيد ابن شهيد، وشهيد ابنه شهيد، فحالهم ينشد مردداً:
أبي أبلغ ثرى الأقصى سلامي***** وقل ما مات لو قتل الشهيد
أبي خذ من دمي قطراً فسطّر ***** به للقدس ما نبض الوريد
فإن جفّ الوريد فصبّ مـــاءً ***** عليه عساه للأقصى يزيد
أبي لا تحجز الطلقات عني ***** أبي لا عشت إن عاش اليهود