في التعاون سبل نجاح كبيرة عززها القرآن الكريم، وأثبت الجدوى منها واقع الحياة اليومية؛ فالمنظومة المتكاملة من النسيج الاجتماعي والمعادلة السياسية تراكم فعال، وتجارب تؤدي إلى تطور يبحث عنه الكثيرون ممن قرروا الاستفراد والإقصاء.
السفينة التي تبحر في بحر المعرفة والحياة لا يجب أن يترك فيها من يريد أن يثقبها متجاهلا مصير وتبعات تلك الخطوة التي تهلكه وتهلك من عليها جميعا.
في التجربة العملية ومن خلال المفهوم الديني الذي هو منهاج حياة، فإن المؤمنين بنيان مرصوص، كما أنهم كالجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، والتعاون في البر والتقوى أمر رباني كما هو الأمر الذي منع التعاون في الإثم والعدوان؛ ليكون ذلك مدخلا في بناء مجتمع سليم بعيد عن الإشكاليات التي تتوسع لتصبح فيما بعد انقسامات وخلافات وحروبا أهلية وغيابا لبرامج التنمية والتطور، وكل ذلك جاء من أسس فكرية خاطئة لدى فرد معين أو حزب وحركة ومجموعة.
" يكمن الخطأ المتكرر والاستراتيجي في تغييب العقل، وتعزيز البطش، والسيطرة الفردية، وإقصاء الآخر وملاحقته، والحرب عليه؛ لتنفيذ أجندات شخصية تارة، وحزبية تارة أخرى"
وفي الساحة العربية والإسلامية ومنها الفلسطينية، ماذا لو كان لدى الفرد القائد ذاك الفكر المنير الذي يستمد من القرآن الكريم أولا، ثم التجربة التاريخية وحالة القياس الحالية مع الدول الأخرى؟ فهل سنشهد تلك الأنهر من الدماء، أم سنشهد طفلا على الشاطئ غريقا يبحث عن أمل فقده في وطنه؟ أم أن عائلة دوابشة في فلسطين ستحرق بعد أن أحرق الضمير وكبلت وسائل الاستفراد والملاحقة والإقصاء يد الوحدة والقوة والمقاومة؟!.... وكثيرة هي النماذج التي آلت في المحصلة لما حذر منه رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، حيث تداعت الأمم علينا كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها وليس من قلة حتى لا يجد الفاشلون مبررا لمعاناة المسلمين.
يكمن الخطأ المتكرر والاستراتيجي في تغييب العقل، وتعزيز البطش، والسيطرة الفردية، وإقصاء الآخر وملاحقته، والحرب عليه؛ لتنفيذ أجندات شخصية تارة، وحزبية تارة أخرى. حتى أصبحنا في مهب الريح تتلاطم بنا الأمواج كالطفل السوري إيلان، أو ألسنة اللهب تحرق الإرادة كما عائلة دوابشة في فلسطين. فأينما توجد الديكتاتورية ومحاربة الدين والمسلمين وإقصاء كلمتهم وإنجازاتهم، تجد الفشل والفشل والفشل.. قتل وفقر وتشريد وإذعان وإذلال فكرامة تبنى بالشراكة على أساس المصلحة الوطنية، تهدمها معاول الهرولة وراء سراب سلام هنا، أو ديكتاتورية هناك، لتكون في المحصلة ويلات لا يخرج من دوامتها الشعب في كل بقعة جغرافية تفتقر للشراكة الحقيقية وليست الوهمية التي يتخلى عنها البعض حينما لا تكون في مزاجه وحساباته الشخصية، وهنا نتحدث عن شراكة تبنى على أسس متينة تعيد للأمة كرامة وهمة وإبداعا.
"في ظل ما تتعرض له البلدان الإسلامية، حري أن تقام الشراكة لا بين شعوب مقهورة وأنظمة فاسدة، بل شراكة الضمير الحي والوطني المشرف ضد تلك الفئة"
وفي فلسطين نموذج نأخذه مثلا لا حصرا، فإن الشراكة تتضارب مباشرة مع مصالح الاحتلال في أي مرحلة كانت؛ فكان الاستفراد والتسلط والظلم وسائل تغيب فيها نتائج شراكة أرادها الشعب. فتم تجاهل الشعب وإرادته والمضي في تطبيق قرارات فردية صدرت دون مشاورات أو وحدة وإجماع، فكانت النتيجة فشلا يجمله أصحابه بفشل أقبح، حتى باتت الضفة الغربية قصة ألم لا تنتهي، فقتل واعتداء دون مقاومة أو مواجهة بل أصحاب قرار الاستفراد ودفن الشراكة قالوا أخيرا إن تلك الخطوات كانت سلبية وما "أوسلو" إلا خطيئة كبيرة؛ هذا بحسب قيادات السلطة التي استفردت وغيبت الفصائل وهاجمتها، وبات الحوار الداخلي لديها، مكروها والسلام مع الاحتلال واجبا.
وهذا النموذج سبقته بعقود أنظمة عربية استبدادية توريثية مصالحية، جعلت بلدانها فقيرة ومواطنيها جائعين مشردين لا قيمة لهم في العالم؛ وجوازات سفرهم تحولت إلى دعوة لمن يشاهدها بأن ينكل بهم ويحتقرهم، بعد أن كان مجدهم يرعب أوروبا والعالم.
بالشراكة الحقيقية تطور وازدهار وبناء الحضارة التي تتهدم يوما بعد يوم؛ فكم هدر من الوقت والمال من أجل الاستفراد لدى البعض، وطمس إرادة الشعوب، إلا أنه تمتع بوقت قصير. وهذا لا يلغي الفكرة العامة والمتجددة في التاريخ، أن صوت الشعوب يعلو مهما حاول البعض إسكاته. ومن هنا وفي ظل ما تتعرض له البلدان الإسلامية، كان حريا أن تقام الشراكة لا بين شعوب مقهورة وأنظمة فاسدة، بل شراكة الضمير الحي والوطني المشرف ضد تلك الفئة؛ حتى لا تستغل الشراكة من جديد في تعزيز الاستفراد والتسلط وتقدم كسفينة نجاة لهم، فالذي لا يفهم الشراكة لا يستطيع أن يطبقها إلا في مصالحه.