ماذا تغير بعد مرور خمسة عشر عاماً على انتفاضة الأقصى؟؟

الرئيسية » ملفات خاصة » انتفاضة القدس » ماذا تغير بعد مرور خمسة عشر عاماً على انتفاضة الأقصى؟؟
شهدت انتفاضة الأقصى مقتل ما يزيد عن 1000 يهودي، وجرح 4500 آخرين، ناهيك عن الخسائر الاقتصادية الوخيمة التي أنهكت الاحتلال.
شهدت انتفاضة الأقصى مقتل ما يزيد عن 1000 يهودي، وجرح 4500 آخرين، ناهيك عن الخسائر الاقتصادية الوخيمة التي أنهكت الاحتلال.
شهدت انتفاضة الأقصى مقتل ما يزيد عن 1000 يهودي، وجرح 4500 آخرين، ناهيك عن الخسائر الاقتصادية الوخيمة التي أنهكت الاحتلال.

في الثامن والعشرين من شهر أيلول/ سبتمبر من العام 2000، انطلقت الشرارة الأولى لواحدة من أعظم الثورات في تاريخ فلسطين الحديث، والتي برهنت على أن الشعب الفلسطيني لديه إرادة قوية، وصمود أسطوري، وهو يقف أمام الاحتلال وجبروته بكل ما أوتي من قوة، موقعاً فيه الكثير من الخسائر، ومعيداً لهذا الشعب حياته وروحه، التي سعى الكثير لسلبها، خصوصاً بعد اتفاقية أوسلو وما تبعها من تفاهمات ومعاهدات.

كانت شرارة تلك الانتفاضة قد انطلقت من داخل القدس، عقب محاولة الإرهابي "شارون" اقتحام المسجد الأقصى، وما أعقبه من مواجهات واشتباكات، انتقلت بسرعة إلى كافة الساحات والميادين الفلسطينية.

ورغم أن الشعب الفلسطيني قد قدم الكثير من التضحيات، حيث استشهد في الفترة بين 28/9/2000 و 8/2/2005 ما يقارب 4400 شهيد، و48000 جريح. إلا أنه أثبت أنه قادر على مواجهة الاحتلال، ولديه القدرة على تحرير أرضه لو مهدت له السبل وتلقى الدعم الكافي، ويكفي أن أشير إلى أن تلك الفترة قد شهدت مقتل ما يزيد عن 1000 يهودي، وجرح 4500 آخرين، ناهيك عن الخسائر الاقتصادية الوخيمة التي أنهكت الاحتلال.

ماذا تغيّر؟؟

"بعد خمسة عشر عاماً تتشابه الظروف إن لم تكن أشد وأقسى، وأصبح الوضع الداخلي أكثر سوداوية وصعوبة عما كان عليه عام 2000"

بعد خمسة عشر عاماً تتشابه الظروف إن لم تكن أشد وأقسى، فالانتهاكات للقدس ما زالت مستمرة، ولعلنا نستذكر ما حدث في القدس اليوم من اقتحام وفرض للتقسيم الزماني في الأقصى. كما أن تدنيس المقدسات ومصادرة الأراضي واعتقال الفلسطينيين أصبح أكثر مما كان عليه قبيل اندلاع الانتفاضة. بالإضافة إلى ظهور زيف وهم السلام، فالسلطة الفلسطينية لم تعد لها أية هيبة على مناطقها، حتى المناطق الخاضعة لسيطرتها بالمطلق والتي تسمى مناطق "أ"، أصبح اليهود يدخلونها دون أي تنسيق، وعلى الأمن الفلسطيني أن يختبئ في أي مكان حتى تنهي قوات الاحتلال ما تريده في مناطق "الدولة الفلسطينية المستقلة".

بالإضافة إلى ما سبق، فإن الوضع الاقتصادي لم يعد كما هو عليه عام 2000، فالآن يحارب الفلسطيني في راتبه، وتقسوا عليه الضرائب وغلاء المعيشة، وتدمر مشاريع الفلسطينيين من قبل مشاريع الصهاينة، أو المتنفذين من أبناء الشعب الفلسطيني.

مما سبق يظهر أن الوضع الداخلي الفلسطيني بات أكثر سوداوية وصعوبة، لكن في المقابل نضيف إلى كل ما تقدم ما يزيد الطين بلة، ويجعل الصورة أكثر قتامة وسوادا، وهو الوضع الأمني الداخلي الذي بات أكثر تشدداً من ذي قبل، من حيث قمع الناس، وكبت الحريات، وزيادة حالات الاعتقال والتعذيب والفصل الوظيفي بسبب الانتماء السياسي، والتفاخر بذلك على الملأ، وشجع عليها حالة الردة على الحرية خصوصاً في مصر، وما صاحبها من توجه رسمي عربي يحارب أي فكر أو مبادرة تقوم على مقاومة الاحتلال ومحاربته.

" في هذه الذكرى يدرك الاحتلال والسلطة على حد سواء، أهمية الوضع الاستراتيجي للضفة الغربية في أية ثورة أو انتفاضة قادمة"

وفي هذه الذكرى يدرك الاحتلال والسلطة على حد سواء، أهمية الوضع الاستراتيجي للضفة الغربية في أية ثورة أو انتفاضة قادمة، وبحسب الإحصائيات الصهيونية، فإن 39% من القتلى اليهود في الانتفاضة سقطوا داخل مناطق الـ48، في حين سقط 31% منهم داخل حدود الضفة الغربية. مما يعني أن فتح جبهة جديدة للمقاومة في الضفة يسبب تدميراً للبنية الأمنية التي يسعى الاحتلال ومن يعاونه لفرضها، ولهذا ينبغي إسكات أي صوت مقاوم حتى لو كان باستهداف راشقي الحجارة بالرصاص الحي!!

السلطة والواد الآخر

وعلى خلاف دور أية سلطة في الوقوف إلى جانب قضايا شعبها وحريته، فإن السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية تعيش في واد آخر غير ما يعرفه الشعب الفلسطيني منذ عقود، وهذه الثقافة الجديدة والدخيلة على قاموس الشعب الفلسطيني عبّر عنها رئيس السلطة محمود عباس قبل عدة أيام، عقب لقائه بالرئيس الفرنسي، حيث قال تعقيباً عما يجري في القدس من انتهاكات: "إن ما يجري في منتهى الخطورة ولا نريد له أن يستمر لأنه إذا استمر فإن البديل هو الفوضى، والبديل هو انتفاضة لا نقبلها ولا نريدها، لذلك علينا أن نطالب نتنياهو وقف هذه الانتهاكات التي تجري في القدس وبالتالي أن يوقف الاستيطان الذي يعتبر غير شرعي بلغة جميع العالم، لنهيئ الظروف للمفاوضات"

إن هذا الكلام الصادر من رأس هرم السلطة الفلسطينية يمثل مفارقة حقيقية لما تربى عليه الشعب الفلسطيني وما يعانيه، من خلال:
1- اعتبار القضية الفلسطينية محصورة بمجموعة من الانتهاكات في القدس، أو بضع مبانٍ على أرض هنا أو هناك، في حين يتغاضى عباس عن الجرائم التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني، كحرب غزة الأخيرة، أو حرق عائلة الدوابشة، أو حتى قتل الشهيدة هديل الهشلمون في الخليل بدم بارد.
2- خلو الخطاب من التهديد أو التصعيد، بل يتعجب المرء أن يتمثل خطابه بحالة من الاستجداء وتقديم النصيحة، وكأنه يتآمر مع الاحتلال ضد شعبه وهو ما يحدث على أرض الواقع.
3- التحذير من المقاومة والانتفاضة، حتى لو كانت رداً على حالات تدنيس المقدسات، وقتل الفلسطينيين وحرقهم، والتلويح بخيار السلام المتهاوي منذ بدايته.

ربما يستغرب البعض من تصريحات عباس التي لا تصب إلا في مصلحة الاحتلال، لكن الحقيقة أن عباس ومن معه يدركون أن أية انتفاضة قادمة ستستهدف السلطة واليهود معاً؛ لدور السلطة في قمع أي تحرك ضد اليهود، وافتخارها بالتنسيق الأمني، ناهيك عن مواقفها السياسية المخزية المتجددة، والتي كان آخرها تعاون عباس مع السيسي وسلطة الانقلاب في مصر، على خنق غزة، وإغراق حدودها بماء البحر!!

" إن الشعوب حينما تثور لا يمكن لأحد أن يتحكم بها وبمطالبها، وعلى مقدار الضغط والقمع يكون الانفجار وردة الفعل، بالإضافة إلى أن الجماهير لا تضع نصب أعينها أية اعتبارات أو تفاهمات سياسية"

إن الشعوب حينما تثور لا يمكن لأحد أن يتحكم بها وبمطالبها، وعلى مقدار الضغط والقمع يكون الانفجار وردة الفعل، بالإضافة إلى أن الجماهير لا تضع نصب أعينها أية اعتبارات أو تفاهمات سياسية، بل هي تسبق القيادات والنخب السياسية، وهو ما يخشاه اليهود والسلطة معاً.

عموماً، ينبغي علينا أن نستذكر أن انتفاضة الأقصى لم تكن الأولى ولا الأخيرة في مسيرة الثورة الفلسطينية ضد الاحتلال، وفي الوقت نفسه فإن الشعب الفلسطيني لن يعدم أية وسيلة للقيام بانتفاضة جديدة أخرى، والتي ستكون مغيرة للكثير من الأوضاع التي فرضت عليه، ونقطة تحول جديدة في التاريخ الفلسطيني.

ختاماً.. إن الثقافة الثورية للشعب الفلسطيني لا يمكن أن تموت، مهما حاول البعض قتلها أو إضعافها، لكنها في الوقت نفسه لن تكون قادرة في يوم وليلة على تحريك الجموع، وتغيير الأوضاع، وإنما هي حصيلة مشاعر مكبوتة، وقهر وغضب لما يحدث على أرض فلسطين المباركة، وسرعان ما تنفجر في وجه من يحاول إخمادها وكبتها.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتب فلسطيني، متخصص في الشريعة الإسلامية والسياسة، مهتم بالإعلام والتربية والتعليم.

شاهد أيضاً

إلى أي مدى خُلق الإنسان حرًّا؟

الحرية بين الإطلاق والمحدودية هل ثَمة وجود لحرية مطلقة بين البشر أصلًا؟ إنّ الحر حرية …