ليس غريبًا أن يشهد الاحتلال بشهادات تعبر عن أخلاقيات المقاومة في ظل معركة استنزاف دامية عمرها أكثر من 60 عامًا، وهذه ليست مصداقية عند الاحتلال وإنما هي الحقيقة الدامغة الملاصقة للمقاومة.
عقب عملية نابلس التي قتل فيها ضابط مستوطن كبير وزوجته المستوطنة على يد مقاوم فلسطيني رفض قتل أطفالهم في نفس الحادثة، اعترف جنرالات الاحتلال ومحللوهم السياسيون أن رجال المقاومة قتلوا المستوطنين من نقطة الصفر، إلا أنهم رفضوا قتل الأطفال المتواجدين في نفس السيارة.
شهادات صهيونية
شهادة "ألون بن دافييد" المراسل العسكري للقناة العبرية العاشرة كانت بمثابة الصاعقة على القيادة الصهيونية المتطرفة؛ حيث قال: "إن منفذ الهجوم اقترب من السيارة، وقتل الزوجين ولم يقتل الأطفال، وهذا ما يفسر بقاءهم أحياء، مضيفًا أنها بمثابة رسالة تعبر عن إنسانيتهم وأنهم ليسوا حيوانات، وأنهم لا يقتلون الأطفال مثلما فعل المستوطنون في دوما مع عائلة دوابشة".
من جهته قال المحلل العسكري بالقناة الثانية الصهيونية روني دانييل إن منفذي عملية "ايتمار" ترجلوا إلى السيارة واقتربوا من الأطفال الأربعة ورفضوا قتلهم وتركوهم بسلام.
وأضاف دانييل: "وكأنهم يبعثون برسالة لنا: (نحن لسنا حيوانات مثلكم ونحن لا نقتل الأطفال مثلما فعلتم في دوما مع عائلة دوابشة)".
لقد أثارت هذه الشهادات الرأي العام الصهيوني المتطرف الذي يبارك قتل الأطفال الفلسطينيين، إلا أنها رفعت من وتيرة أخلاقيات المقاومة التي تعمل من أجل حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، بل هي رسالة للعالم المنافق الذي يصمت على جرائم الاحتلال والتي كان آخرها مقتل عائلة دوابشة حرقًا ومن قبلهم الطفل محمد أبو خضير.
المقاومة.. لا حب القتل
وحول أخلاقيات المقاوم الذي نفذ العملية، قال الدكتور نشأت الأقطش، أستاذ الإعلام في جامعة بيرزيت: "الذي نظم العملية واضح أن لديه رسالة بأنه ليس الهدف هو القتل بحد ذاته، وإنما مقاومة المستوطنين والاحتلال وقد سجل بذلك موقفًا أخلاقيًّا تفوق على الدولة المحتلة التي تصنف نفسها دولة ديمقراطية".
وأضاف الأقطش: "أعتقد ان هذه الرسالة كانت قوية لدرجة أنها أحرجت نتنياهو ولم يعد معه رسالة يقدمها للعالم، فهذا الرجل المقاوم لا يمكن تصنيفه "إرهابي" لأنه لم يقتل من أجل القتل وإنما قتل بهدف توصيل رسالة المقاومة لهذا المستوطن المغتصب وهذه الرسالة كانت قوية لدرجة أنها أحرجت نتنياهو أمام حلفائه وليس لديه ما يقوله".
وتابع: "عندما تقارن الصحافة العبرية بين ما تم في قرية دوما من حرق الأطفال والعائلة، وما تقوم به عائلات المستوطنين من قتل تحت مظلة القانون "الإسرائيلي" الذي يبيح إطلاق النار على الأطفال الذين يلقون الحجارة، من هنا بدات "إسرائيل" تشعر بالحرج من أن هذا المقاوم الذي يصنف "إرهابيًّا" هو ليس إرهابيًّا في الحقيقة، وإنما هو صاحب رسالة وصاحب مشروع وطن وهوية".
وفي ذات السياق أكد علاء الريماوي، المتخصص في الشؤون الصهيونية: "هذا ليس جديدًا على أخلاق المقاومة الفلسطينية، التي عاشت حالة مقاومة أخلاقية، استثنت فيه المس بالأطفال، وهذا كان حاضرًا بالعمليات التي كان ينفذها بعض الاستشهاديين، والتي وصلت إلى مناطق داخل الكيان المحتل؛ حيث تراجعت وألغيت في اللحظات الأخيرة بعد التأكد من وجود أطفال وطلاب مدارس صغار في المكان".
سُموّ المقاومة وانحطاط الاحتلال
وأمام أخلاقيات المقاومة الفلسطينية في حرب المواجهة مع الاحتلال انحطت أخلاقيات الجيش الصهيوني والمستوطنين إلى درجة حرق الأطفال أحياء؛ حيث مارسوا (هولوكوست) ضد أطفال الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع وهذا ما كشفت عنه الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال في تقارير لها، وقد كشف عايد أبو قطيش مدير برنامج المسائلة في الحركة داخل فلسطين عن حجم الانتهاكات الصهيونية ضد الأطفال.
وقال أبو قطيش: "لقد قتل الاحتلال 1996 طفلاً فلسطينيًّا منذ اندلاع انتفاضة الأقصى وحتى اليوم، مشيرًا إلى أنه ما بين عامي 2000- 2005م قتل الاحتلال نحو 700 طفل، وما بين عامي 2005م - 2014م قتل الاحتلال نحو 1296 طفلاً، وفي الحرب الصهيونية على القطاع عام 2008م قتل الصهاينة 350 طفلاً، وفي الحرب الاخيرة على القطاع قتل جراء القصف العشوائي 535 طفلاً.
وأضاف أبو قطيش أن سلطات الاحتلال قتلت 15 طفلاً في الضفة الغربية عام 2014م، منهم 14 طفلاً بالذخيرة الحية، وبحسب تحقيقات الحركة العالمية فإن أيًّا من هؤلاء الأطفال لم يشكل أي تهديد مباشر للاحتلال.
وأكد أبو قطيش أنه بحسب مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (أوتشا) فإن 1477 طفلاً أصيبوا بالرصاص الحي والمعدني المغلف بالمطاط وجراء قنابل الغاز المسيل للدموع في شهر أيلول (سبتمبر) 2015م، غير أن "إسرائيل" غيرت قواعد إطلاق النار، بحيث سمحت بإطلاق النار على المتظاهرين دون ضوابط مما حصد المزيد من الأطفال الفلسطينيين.
تلكم هي صورة المشهد اللا أخلاقي للجيش الصهيوني الذي يقتل الأطفال الفلسطينيين بغير حق ولمستوطنيه الذين لا يعرفون أدنى مستوى للأخلاق السياسية، لكن المقاومة تسمو بأخلاقها وبرسالتها حتى تحرير الأرض والإنسان.
معلومات الموضوع
مراجع ومصادر
- المركز الفلسطيني للإعلام