انتفاضة القدس.. طريق الاصطفاف الوطني الفلسطيني

الرئيسية » ملفات خاصة » انتفاضة القدس » انتفاضة القدس.. طريق الاصطفاف الوطني الفلسطيني
الانتفاضة 2710

بالرغم من كل المعوقات، فرضت انتفاضة القدس نفسها على الحدث الإقليمي والدولي، ويبدو ذلك من خلال الكثير من المواقف التي دعت إليها الولايات المتحدة، وحالة العصبية والخرق التي تتحرك بها دولة الكيان الصهيوني اللقيط، وتنادي جنود إبليس من كل حدب وصوب لأجل إفشال الانتفاضة التي أعتبرها بمثابة حدث مقدس لا يجوز المساس به، على الأقل احترامًا لأرواح شهداء قدموا أرواحهم عفو الخاطر، من دون أي هدف سياسي أو مصلحة أو أي شيء؛ إلا دفاعًا عن مقدساتهم وأعراضهم، وهو ما لا يملك أي إنسان إلا أن ينحني له احترامًا وتقديرًا؛ حيث لا يوجد دليل مصداقية أكثر من أن يضحي الإنسان بحياته، وهو صامت لا يقول حتى اسمه!.

"أهم ما يمكن الحديث عنه في هذه المرحلة، هو كيف يمكن توظيف الانتفاضة من أجل إعادة توحيد الصف الفلسطيني، وتحقيق الاصطفاف الوطني؟"

وتتعدد الأمور والملفات والقضايا التي فتحتها الانتفاضة الجديدة، ولكن ربما أهم ما يمكن الحديث عنه في هذه المرحلة، هو كيف يمكن توظيف الانتفاضة من أجل إعادة توحيد الصف الفلسطيني، وتحقيق الاصطفاف الوطني، بعد طول انقسام طال المستويات السياسية الأعلى، ولم يصل إلى القاعدة الجماهيرية العريضة، ولكنه يظل مؤثرًا في بعض القواعد الفصائلية.

يكتسب هذا الأمر أهميته من أنه يرتبط بقضية استمرارية الانتفاضة بالفاعلية الملائمة؛ حيث إنه من الملاحظ أن الشباب الفاعل في الانتفاضة، أكثريته من القواعد الجماهيرية للقوى الإسلامية، مثل حركة "حماس" و"الجهاد الإسلامي في فلسطين"، بالإضافة إلى الحركة الإسلامية في فلسطين المحتلة عام 1948م، مع بعض القواعد الشبابية للفصائل اليسارية، بينما تغيب بعض قواعد حركة "فتح"، وباقي المكون الاجتماعي والطيف السياسي الفلسطيني.

كان لإعلان قيادة حركة "فتح" في بداية الانتفاضة، وبدء السلطة في القيام بدورها المشؤوم، بموجب اتفاقيات أوسلو، في ضبط الوضع الأمني في الضفة الغربية المحتلة، أبلغ الأثر في عدم اكتساب الانتفاضة الزخم الجماهيري اللازم حتى الآن.

وزاد من تأسيس هذه الحالة، قيام بعض الأقلام السوداء في بعض وسائل الإعلام والصحف الفلسطينية والعربية، بالطعن في الانتفاضة، وتصويرها على أنها "فصائلية" تسعى من خلالها "حماس" وحلفائها في الداخل المحتل عام 1948م، وفي أراضي الـ67، إلى تحقيق مصالح تخصها، وذلك خلافًا للواقع؛ فبالرغم من أن الحركة تدفع الجزء الأكبر من الثمن البشري والسياسي من دماء وأرواح أبنائها، وحريتهم، وأموالهم، وتعمل أطرها الإعلامية أكثر من غيرها؛ إلا أنها تبقى حريصة كل الحرص على وضع ذلك الجهد في إطار الكل الفلسطيني العام.

ومن ثَمَّ؛ فإن تطوير الانتفاضة ضد العدو الصهيوني، يتطلب عملاً أكثر قوة ومماثلاً في صعوبته للحرب الحالية مع الجيش الصهيوني والمستوطنين اليهود، ولكن على الجبهة الداخلية.

"من بين أهم الأمور التي يجب أن يستند عليها مشروع الاصطفاف الوطني، هو تحقيق الإجماع، أو التوافق العام على أقل تقدير"

وكمبدأ عام؛ فإنه من بين أهم الأمور التي يجب أن يستند عليها مشروع الاصطفاف الوطني، هو تحقيق الإجماع، أو التوافق العام على أقل تقدير، وأن يقترن بفتح المجال العام وليس غلقه أو تضييقه؛ حيث إن ذلك أحد أهم مصادر قوة وشمول هذه النوعية من الأطر السياسية والاجتماعية.

وهذه العبارة الأخيرة تتضمن أحد أهم شروط نجاح الإطار المطلوب، وهو البعد الاجتماعي؛ حيث إنه من دون حاضنة جماهيرية؛ أثبت التاريخ أنه لا يمكن لأي مشروع سياسي أن يلاقي النجاح، وهو أمر بينته تجارب مختلفة في التاريخ، فلم تنجح دعوة الإسلام نفسها – وهي دين الله تعالى – في الخروج من حيِّز مكة المكرمة الضيق، إلا من خلال حاضنة سياسية واجتماعية، نهضت في المدينة المنورة.

لذلك؛ فإن الجهد المطلوب، سياسيٌّ وإعلاميٌّ، ويتضمن توجيه رسالة إلى القواعد الجماهيرية للشعب الفلسطيني؛ تدعوه إلى المشاركة بقدر ما يستطيع أيِّ فردٍ تقديمه؛ كلٌّ بحسب ظروفه وقدرته، في الدفاع عن مقدساته وأعراضه، مع توحش الآلة العسكرية والأمنية الإسرائيلية، في النيل من أرواح وأعراض شباب وفتيات فلسطين لمجرد الانتقام أو لمجرد الشك.

إن الأقصى ليس "حماس"، والقدس ليست فصائلية، والشهيدة الهشلمون لا تخص خالد مشعل ولا رمضان عبد الله شلح ولا رائد صلاح، والتلميذة مجهولة الاسم التي فقدت يدها برصاص الإجرام الصهيوني، لا تمت بأية صلة قرابة لإسماعيل هنية.

كل هذه الأمور، هي بنك أهداف صهيوني محض، فلا يفرِّق الرصاص الصهيوني بين جسد فتحاوي أو حمساوي، ولو أراد جندي صهيوني التسلية والترفيه عن نفسه؛ فإنه يطلق النار على أقرب طفل أو أي جسد "فلسطيني" متحرك بالقرب منه، وهو ما حدث فعلاً باعتراف جنود صهاينة، خلال العدوان على غزة صيف العام 2014م؛ حيث قال جنود صهاينة إنهم قتلوا فلسطينيين مدنيين لم يكونوا يشكلون أدنى خطر على حياتهم أو على وحداتهم، ولكن كان الأمر أقرب إلى إفراغ شحنات نفسية لديهم!

"الانتفاضة يجب أن تضم الكل الفلسطيني؛ لأن ما يجري فيها يؤثر على هذا الكل الفلسطيني، وليس على "حماس" أو "الجهاد" فحسب!"

زجاج الأقصى المتراكم على الأرض، وخشب المنابر المحترق، في أيام الانتفاضة الأولى؛ هل هو فصائلي؟!.. إطلاقًا.. إنه إرث المسلمين بالكامل، وثأرهم المكين، وبالتالي؛ فإن الانتفاضة يجب أن تضم الكل الفلسطيني؛ لأن ما يجري فيها يؤثر على هذا الكل الفلسطيني، وليس على "حماس" أو "الجهاد" فحسب!

إذًا؛ لتكن انتفاضة القدس جامعة، يتحرك فيها المجموع الفلسطيني، كله بلا استثناء، على الأرض، في سبيل هدف وطني المفترض أنه محل إجماع للشعب الفلسطيني.
إن وسائل الإعلام الصهيونية بالكامل الآن، على اختلاف ألوان طيفها السياسي بين يمين ويسار؛ ظهرت فيها أصوات قوية، ولها وزنها، ومن بينها موظفون سابقون في الجيش والمخابرات، تطالب الحكومة الصهيونية بالانسحاب من الضفة الغربية لتفادي الحالة الراهنة التي منعتهم من السير في شوارعهم بأمان!

إذًا، هدف الانتفاضة هو تحرير جزء من فلسطين، ولذلك فإن أي تقاعس من جانب أي فلسطيني عن أداء دور ما فيها؛ إنما هو إدانة له، والشعب الفلسطيني أثبت عبر تاريخه أنه – دائمًا – سليم البوصلة!..

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
"باحث مصري في شئون التنمية السياسية والاجتماعية، حاصل على بكالوريوس في العلوم السياسية والإدارة العامة من جامعة القاهرة عام 1997م، كاتب في موقع "بصائر"، عمل سكرتيرًا لتحرير مجلة "القدس" الشهرية، التي كانت تصدر عن "مركز الإعلام العربي" بالقاهرة، وعضو هيئة تحرير دورية "حصاد الفكر" المُحَكَّمة، له العديد من الإصدارات، من بينها كتب: "أمتنا بين مرحلتين"، و"دولة على المنحدر"، و"الدولة في العمران في الإسلام"، وإيران وصراع الأصوليات في الشرق الأوسط"، وأخيرًا صدر له كتاب "أسس الحضارة والعمران في القرآن الكريم"، وله تحت الطبع كتاب بعنوان "الدولة في العالم العربي.. أزمات الداخل وعواصف الخارج".

شاهد أيضاً

إلى أي مدى خُلق الإنسان حرًّا؟

الحرية بين الإطلاق والمحدودية هل ثَمة وجود لحرية مطلقة بين البشر أصلًا؟ إنّ الحر حرية …