ثنائية البطولة والجبن

الرئيسية » ملفات خاصة » انتفاضة القدس » ثنائية البطولة والجبن
فلسطين30

منذ زمن ليس بالقصير، ونحن نشهد حال أمتنا الناقدة المنظّرة، تلك الأمة التي لم تتعلم من ويلاتها مع الحروب والاستعمار إلا إلقاء اللوم على كل من له شأن داخل الإطار.

فسقف توقعاتها مرتفع، ولا يلبيها إلا الزج بشبابنا في ساحة البطولة المغوارة، والتصفيق لهم من بعيد، مع احتساء كأس الشاي الساخن وهم يقدمون دماءهم وشبابهم وأعمارهم فداء للقدس والأقصى، وكذلك رشقهم بالشتائم والسب واتهامهم باللامبالاة والجبن إذا لم يشاركوا ويخرجوا للدفاع عن مقدساتهم!!

ثنائية أصبحت تثير في نفسي حالة من الغضب والاستنفار الشديدين. فنحن نلعب دور (رد الفعل) منذ سنوات طويلة جدا.

نعم، فغالبيتنا يلعبون دور حارس المرمى الذي يحاول صد الضربات واللكمات، ثم يأخذ فترة استراحة ثم يعود لصد الضربات.

أفكر ملياً متى ستتخلى أمتنا عن ثوب الفلسفة لتنزل على الميدان فتققن وتنظم و تدعم؟

"لا يصح اختزال الإنسان فينا إلى القدر الذي يجعل الأرض أو المبنى أو حتى السمعة والصيت أغلى من روحه عندما نتبنى فقط ردات الفعل العاطفية التي تجعلنا نخسر الكثير مقابل القليل"

لا أدري، ولكني أثق أن غالبيتنا لا تملك خطة ولا رؤية، بل تمتلك فقط (ردات الفعل).. وماذا بعد، يعود كل إلى بيته ليشاهد نشرة الأخبار ويأكل الفستق مع زوجته وأولاده.

فمن يبالي بذاك العشريني الذي سقط نتيجة خذلانهم وتقصيرهم؟ أو بذاك الذي سيقضي بعدها ربيع عمره في سجون الأنذال معرضاً لأقسى أنواع التعذيب؟ من سيفكر بخطوةٍ عمليةٍ بعيدةٍ عن الشجب والاستنكار؟ من سيلوح بحل مقنن ذا رؤية واضحة؟

إن (الإنسان) أغلى من (المبنى)، والمسجد الأقصى ليس مجرد (مبنى) بل هو بمثابة الراية المرفوعة والتي لو سقطت_لا سمح الله_ سيكون الثمن والوقع النفسي والوجودي علينا غال جداً ومؤلم جداً، ولكن هذا لا يعني أيضاً اختزال الإنسان فينا إلى القدر الذي يجعل الأرض أو المبنى بكل قيمته المعنوية والدينية والعقائدية والتاريخية أو حتى السمعة والصيت أغلى من روحه عندما نتبنى فقط ردات الفعل العاطفية التي تجعلنا نخسر الكثير مقابل القليل، بل القليل جداً.

يكفينا استنكاراً لكل الوسائل التي يقوم بها شبابنا سواءً أكانت مقاومةً إلكترونيةً، أو مظاهرات شجب واستنكار، يكفينا اختزالاً لفكرة المقاومة بأنها مقاومةً مسلحةً_مع شديد إيماننا بها_ إلا أن الأمة تسعى لتقديم شبابنا كقرابين للارؤية واللاتخطيط، حتى تستريح ضمائرها الخامدة التي لا تريد إزعاجها.

"من حقي أن أقول: إن شباب الأقصى ليسوا محض تصفيق عالمي للبطولة وأن دماءهم غالية، فلا تستخدموها لإخماد ضمائركم"

أنا لا أملك أي حل ولا أملك أي خطة لمن سيبدأ بطلب الحلول كالعادة، أنا فقط أفكر.

ومن حقي أن أقول: "إن شباب الأقصى ليسوا محض تصفيق عالمي للبطولة، وأن دماءهم غالية، فلا تستخدموها لإطالة سباتكم".

من حقي أن أفكر بأن كل التضحيات التي تقدم في ضوء اللارؤية ستبقى تذبحنا وتهدم الإنسان فينا بصمت.

شعبنا وشبابنا ليسوا أمواتاً ولا جبناءً كما يتهمهم مصفقو الفيس بوك _كالعادة_
الذين يكتبون "وينكم عن الأقصى" و"الأقصى بانتظاركم" وهم يحتسون الشاي في ربوع ديارهم الدافئة العامرة.

إن شبابنا مستعد للتضحية بكل ما يملك، بكل شيء، شريطة أن يشعر بأنه يسير باتجاه رؤية صحيحة، ووجهةٍ وضاءة، فنراه اليوم يقدم ذاته للأقصى بعدما شعر أن دماءه تقدم لأجل نتائج حقيقية، لا من أجل أشباه فرص للتظاهر وسد الألسنة الناعقة!.

"متى سنسمح لأنفسنا بالتفكير في مشاريع فكرية ونضالية طويلة الأمد ولكنها مجدية حتى لو لم نلمس آثارها السريعة؟"

فمتى سنكون نحن الفعل لا رد الفعل؟ متى سنسمح لأنفسنا بالتفكير في مشاريع فكرية ونضالية طويلة الأمد ولكنها مجدية حتى لو لم نلمس آثارها السريعة؟

هذا لا يعني أنني أطلب من شبابنا إلى ذلك الوقت ترك الأقصى وحيداً، فالمقاومة بكل أشكالها تسمو بالإنسان وتحرره ذاتياً وتطهره، والمبادرات الفردية قامت بانتشالنا ولا أحد ينكر ذلك، وكل واحد منا يعرف موقعه وطريقة مقاومته!

ولكنني أستنكر على أمتي الزج بهم بثنائية (البطولة والجُبن).

يستحضرني في هذا المقام نص من مذكرات ثيودر هرتزل (مؤسس الحركة الصهيونية) في أعقاب مؤتمر بازل 1897م إذ يقول:
"لو أردت أن أختصر مؤتمر بازل في كلمة واحدة -وهذا ما لن أفعله صراحة- لقلت في بازل أسست الدولة الصهيونية، ولو أعلنت اليوم ذلك لقابلني العالم بالسخرية والتهكم ولكن بعد (خمس) سنوات على وجه الاحتمال، وبعد (50) سنة على وجه التأكيد سيرى هذه الدولة جميع الناس".

وفعلاً، ذلك ما حدث ففي عام 1902م، أي بعد عقد المؤتمر بخمسة سنوات تمت هجرة اليهود الأولى إلى فلسطين، وفي عام 1947م أي بعد المؤتمر بخمسين سنة تم اصدار قرار انسحاب القوات البريطانية من فلسطين وتسليمها للصهاينة قبل النكبة بعام واحد فقط حيث احتل الكيان الصهيوني 78% من أراضي فلسطين باستثناء الضفة وغزة والقدس الشرقية!.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتبة فلسطينية، مختصة بالتربية و مهتمة بالشأن الفلسطيني.

شاهد أيضاً

مسؤولية التعلم ولو في غياب “شخص” معلم

ربما من أوائل ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن العلاقة بين المعلم والمتعلم، قصيدة …