هي واحدة من تلك الظواهر غير الصحية التي قد يصاب بها العامل في الحقل الدعوي والتي قد تدفع به نحو أودية سحيقة من الإحباط واليأس واللامبالاة، وهو نفسه لا يستطيع أن يعيش بها لأن سنة الله في كونه لا تقبلها، فالتجديد والتحسين والتغيير هو الثابت المرغوب في دورة حياة الإنسان، فما بالنا بالداعية الذي هو الثقل الذي يحفظ الأرض أن تميد بالناس فهو الطليعة والقدوة ومحرك الناس ودافعهم للخير.
ولكن قد يُصاب الداعية بهذه الظاهرة خلال حلقة حركته اليومية وفي ظلال تكرار المهام فيها، واستهلاكه لثقافته ومعلوماته.
إن روتينية الأعمال وألفتها في الحقل الدعوي قد يفقدها أبهتها وجمالها، وإن استهلاك الجهود في الحركة اليومية كفيل بتوجيه العمل الدعوي إلى أسرة الركود والجمود والتوقف، وهذا ما بات يشعر به جزء كبير من أبناء العمل الإسلامي، بالإضافة إلى قصور بعض الوسائل والخطط وفشلها في تحقيق الآمال والطموحات، مما يؤدي ذلك إلى انعكاسات سلبية على الدعاة العاملين؛ حيث إن هذه الآفة تجعل صاحبها ينصرف عن الجد والاجتهاد، والحرص والمتابعة، وتحقيق كثير من الطموحات العظام التي يسعى لها كل إنسان، بل وإن هذه الظاهرة التي تقود بتزايدها وتراكمها إلى اليأس والركود والضعف، وإلى ضعف الإنتاجية وعدم التفاعل مع الأنشطة والفعاليات المختلفة بل والغياب عنها لأبسط الأعذار وأقلها شأنا لديه.
"روتينية الأعمال وألفتها في الحقل الدعوي قد يفقدها أبهتها وجمالها، وإن استهلاك الجهود في الحركة اليومية كفيل بتوجيه العمل الدعوي إلى أسرة الركود والجمود"
ومن أسباب الملل الدعوي:
1) عدم وضوح أهداف العمل الدعوي على صعيد المراحل الجزئية وليست النهائية.
2) صراع القديم والحديث والتشبث بالافكار القديمة وبالأنماط الجامدة في إدارة العمل.
3) استنزاف الجهود بأعمال يومية وإدارية، دون انجازات جديدة تذكر.
4) قتل الوسائل الدعوية بسوء التنفيذ وشح التجديد والإبداع فيها.
5) استطالة الطريق من بعض العاملين ومن استطال الطريق ضعف مشيه.
6) الجهل وعدم استشعار أهمية ما يقوم به.
7) وجود الخلافات التي لا تليق بالعمل الدعوي وأبناءه.
8) عدم تقدير الكفاءات والقدرات التي يتحلى بها الداعية.
9) ضعف الانسجام والتجانس بين الدعاة في وحدات العمل المختلفة.
"من أسباب الملل الدعوي عدم تقدير الكفاءات والقدرات التي يتحلى بها الداعية"
وعلى الداعية أن يحارب كل ما يدفع به وبإخوانه إلى الملل والضجر والسأم، عليهم أن يرفضوا الجمود ويفروا منه، ليواصلوا المسير في درب الارتقاء، وعليهم أن ينتفضوا على روتينية الأعمال خشية إصابتهم بجفاف يخسرون فيه أنفسهم قبل الناس من حولهم.
ويبقى في كتاب الله الزاد والهدى، فالمتأمل قوله تعالى: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين الذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون} سيجد أن "هذا القلب البشري سريع التقلب، سريع النسيان، وهو يشف ويشرق فيفيض بالنور، ويرف كالشعاع؛ فإذا طال عليه الأمد بلا تذكير ولا تذكر تبلد وقسا، وانطمست إشراقته، وأظلم وأعتم! فلا بد من تذكير هذا القلب حتى يذكر ويخشع، ولا بد من الطرق عليه حتى يرق ويشف؛ ولا بد من اليقظة الدائمة كي لا يصيبه التبلد والقساوة".
لذا هي دعوة للتجديد والتطوير وطرق أبواب التغيير بين الحين والآخر، فإن البقاء على الجمود والقديم، والثبات على الوسائل البدائية، ما هي إلا لهواة جمع التحف، وذلك سبب في تخلف العمل الدعوي وفقده لأهم أهدافه.
"لا بد من تصفير المشكلات والخلافات لتنقية الأجواء من أية ملوثات معيقة للعمل"
وللتخلص من هذا المرض فعلى القائمين على العمل الإسلامي والعاملين فيه بكافة مستوياته أن يقوموا بمهمة التجديد والتطوير على مختلف مسارات العمل الحركية منها والتربوية، ومن وسائل علاج هذه الظاهرة:
1) توضيح وشرح الأهداف للدعاة في كل مرحلة من المراحل المختلفة.
2) العمل على إحداث الإبداع في الوسائل المعمول بها وتجديدها.
3) تشجيع الأفكار الجديدة ونزع هواجس الخوف من تجريب الجديد.
4) تدعيم وتقوية البناء الأخوي لتحقيق الانسجام بين الدعاة أنفسهم.
5) تصفير المشكلات والخلافات لتنقية الأجواء من أية ملوثات معيقة للعمل.
6) دراسة ظروف الأفراد لرصد هذه الظاهرة.
7) القيام بعمل دورات خاصة بالابتكار والتجديد لجميع المسؤولين.