إن الهجرة النبوية المشرفة موسم عظيم من مواسم الخيرات، فهي نقطة مرجعية في مسار التحولات الحضارية، وهي نبضة في قلوبنا تدفعنا للتغيير والإصلاح الذي نريد، وتمر علينا ذكراها هذه الأيام لنعيش معها بين حركتين ترسمان مشهداً واحداً، حركتان تتشابهان بمقاصدهما من شوق للحرية ورفض للظلم والاستبداد وتحقيق للعدالة والعيش بسلام وأمان، إننا أمام مشهد الحرية والعزة والفداء يرتسم بحركة الهجرة النبوية المشرفة وبحركة انتفاضة القدس في الأرض المباركة.
إن حركة الإنسان قد تختلف من مكان لآخر بحسب واقعه الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي، وتختلف بفاعليتها وبوصلتها، فهناك تحرك إيجابي يسمو بالمرء ويرتقي به وبمن حوله، وهناك حركة سلبية مشحونة باليأس والضعف والهوان، وأي تحرك إيجابي أسمى من هاتين الحركتين.
وإذا ما أردنا أن نقف لربط الحركتين معا [حركة الهجرة وحركة انتفاضة القدس]، وعند محاولة تعريف كلتا الحركتين سنجد بأنهما تقومان على ذات الأسس وتحتويان ذات المعاني، فالانتفاضة: هي حركة شعبية واسعة بهدف مقاومة الاحتلال والثورة على الظلم لأجل تحرير الأوطان، أما الهجرة: فهي انتقال الأفراد –أي حركة- من مكان إلى آخر بهدف التغيير نحو الأفضل لأجل حياة أكثر أمانا واستقرارا، إذن القواسم المشتركة هي: (الحركة – الهدف – الغاية).
1) الحركة:
هي التحول الإيجابي والنهوض، والانتقال من حالة الضعف إلى القوة ومن حالة الجمود إلى الفاعلية، هي إشارة في الزمن الماضي نستمد منه شعاع للمستقبل ونعيشه اليوم واقعا متمثلا بالشعب الفلسطيني الحي، إشارة تعلمنا أن العبثية مرفوضة، وأن السكوت على الظلم لم يعد مقبولا بعد أن وصل الإسلام وأمتلأت به قلوبنا، وهذه الحركة في قلب التاريخ تحيي العزائم وتصنع التاريخ وتوقد الهمم.
2) الهدف:
هو الرغبة الحقيقية في إصلاح الواقع، والإرادة الصادقة للسير نحو التغيير للأفضل، والعمل الجاد المتواصل لإيجاد حياة أفضل، والمضي قدما برفض الظلم والاستبداد والانتقال الجاد الملح من ضيق المساحات إلى سعتها، ومن أرضية الهمة والواقع إلى فضاءات العطاء والفداء والتضحية.
3) الغاية:
هي المبدأ السامي، بعيد المدى، وهي الدافع والمحرك الأول لأي إنسان، أي أنها بمثابة المهمة الكبرى أو الرؤية التي من خلالها سيضع الإنسان أهدافه الخاصة، ويسعى لتحقيقها، وكلتا الحركتين تتفقان في الغاية من تحرير الأوطان والعيش تحت سماء الحرية الواسعة التي تظل الجميع لينعم بالأمان والدفء والعدالة، وايصال رسالة الأمة على أحسن صورة للعالم أجمع.
ومن ملامح هاتين الحركتين، ومما نستلهمه من دروس وعبر ومرتكزات:
1- استشعار معية الله على الدوام وفي مختلف ظروف الأمة وفي أحلك اوقاتها، والتوكل عليه سبحانه والاعتصام بحبل الله جل في علاه.
2- تربية نفوس قوية لا يصيبها الحزن ولا يعتريها اليأس، نفوس حية متوقدة.
3- الشجاعة والقوة وتحدي الباطل وعدم الاستكانة إليه.
4- التحلي بروح الفدائية لتحقيق التغيير والنهضة، وبذل الغالي والنفيس فداء لدين الله.
5- ضرورة الأخذ بالأسباب؛ فهذا الدين لا ينتصر بالمعجزات، ولا بمجرد الدعاء، بل بالمدافعة والتضحية والحركة.
6- ضرورة أن يأخذ الجميع دوره ومكانته في هذه الحركة، والمرأة جزء أصيل ومكون رئيسي في عملية التحرك، فالصحابيات رضوان الله عليهم والمرابطات اليوم هن في نفس المشهد وعلى ذات المسار.
7- عدم استبطاء النصر والاستعجال، ولا مكان لليأس في النفوس، فالفرج قادم لا محالة.
إذن هي الحركة التي لا بد أن نحيا بها، فالإسلام يقوم على مبدأ الحركة الدائمة والحركة الإيجابية، الإسلام دين حركة، وليس دين السكون والجمود، والمسلم فيها خلية نشاط وعمل وإنتاج وعطاء يجعل حياته في خدمة الآخرين وفي سبيل تحقيق غايات الدين الكبرى.