الحركة الاسلامية في الداخل الفلسطيني حركة تملك تاريخا ناصعا من العملين السياسي والاجتماعي- ولا أزعم العصمة والكمال لها حاشا وكلا- فضلا عن دورها الدعوي والتربوي والأنسأني ولا يكاد بيت في الداخل الفلسطيني إلا ودخلته الحركة الإسلامية. إما من خلال إطلالة إعلامية أو اجتماعية أو سياسية أو إغاثية أو دينية أو دعوية، ومنذ أن تأسست في سبعينات القرن الماضي وهذه الحركة تراكم نضالا مميزا مع تجربة ثرية سيكتشف حجمها وكبير أثرها من سيكتب تاريخها، وبفضل سياساتها وعملها، قدر استطاعتها، على حمل هموم الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات وانتصارها لقضايا المستضعفين فقد رسخت وجودها داخل مجتمعها وتفاعلت معه ومع همومه الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية وتركت آثارا لا زالت تداعياتها الإيجابية في كل وبر وقفر .
الحركة الاسلامية تؤمن بمنظومة عقائدية وسلوكية وسياسية، واختارت لنفسها منهجا في مختلف القضايا ذات الصلة بواقعنا المحلي والعام ولم تفرض رأيها على أحد قط واختارت طريقا قد يوافقها البعض وقد يخالفها، بيد أنها أضحت بفضل هذه السياسات، مكوناً أساسياً من المكونات السياسية في الداخل الفلسطيني وكشفت العديد من استطلاعات الرأي عن تأييد لها في الشارع العربي في الداخل الفلسطيني بين مختلف الطوائف المكونة لداخلنا الفلسطيني.
إن تهديد السلطات الإسرائيلية بإخراج الحركة عن القانون هو في حقيقته تهديد لكافة القوى السياسية في الداخل الفلسطيني بما فيها تلك المشاركة في اللعبة السياسية سواء كانت على مستوى الكنيست أو السلطات المحلية، ويدخل في ذلك مكونات العمل الاسلامي والوطني بكل أطيافه ... ويعلم قادة إسرائيل ومخابراتها أن هذه الحركة لا تعمل في السر ولا في الخفاء، كما يعلم قادة إسرائيل أن خطاب الحركة الاسلامية ليس الوحيد في الداخل الفلسطيني المتميز بسقفه العالي في القضايا الوطنية والدينية المتصلة بالمقدسات عموما والمسجد الاقصى خصوصا، إذ العديد من القوى الوطنية في الداخل خطابها عال بل وفي البعض الأحيان لا أبالغ اذ قلت أنه تقدم على الحركة في قضايا معينة .
تهديد إسرائيل دولة ومؤسسات بإخراج الحركة عن القانون، جاء على خلفية أحداث هبة القدس واتهام الحركة بأنها السبب في اندلاع الانتفاضة وهو محض افتئات وافتراء مقارنة بالخطاب الديني الصهيوني اليومي الرسمي والعام، علما أن المتتبع للخطاب الصهيوني الديني الرسمي الممثل بنواب في الكنيست أو وزراء أو مفكرين ومثقفين يخرج بنتيجة واحدة أن المحرض الأول والاخير علينا كفلسطينيين هم دعاة وسدنة وحاخامات المدرسة الدينية الصهيونية واليمين الإسرائيلي، وأن خطاب الكراهية الذي تبثه وسائل إعلامهم العامة والخاصة يجعل هذه الدولة في مصافي الدول الفاشية، هذا الى جانب أن لنتنياهو حسابات خاصة قاربت أن تكون شخصية مع الحركة الاسلامية يعود عمرها الى عام 1998، فضلا عن قناعاته السياسية والايديولوجية تجاه العرب والفلسطينيين عموما والاسلاميين خصوصا.
لن يلحق إخراج الحركة عن القانون الأذى بالحركة الاسلامية بقدر ما سيلحق الاذى بالفلسطينيين في الداخل وفي مقدمتها الاحزاب والحركات لأسباب كثيرة أعرج على بعضها ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر، التمهيد بأن تتغول السلطات تجاه أحزابنا وحركاتنا ومؤسساتنا إذا ما مرَّ الامر مرور الكرام في حالة تحققه، وسينطبق علينا المثل المشهور أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض، وهذا التخريص الإسرائيلي اليومي مقدمة لعودة الحكم العسكري الذي تمهد له الحكومات الإسرائيلية اليمينية منذ عدة سنوات، وسيعود عبر قفازات القانون : قانون الطوارئ وقانون الإرهاب وغيرها من القوانين واللوائح الحكومية، وسيكون البدايات العملية لسياسات تكميم الأفواه ليس على مستوى الحركات والاحزاب فحسب بل وعلى مستوى الافراد، وسيؤسس هذا الاجراء لسياسات الخوف وتعميمه بين عامة الناس ومن ثمَّ اهل السياسة والفكر والنظر، وستتحول الاحزاب الممثلة في الكنيست تحت مختلف الوسائل والاغراءات عندئذ الى سياط مسلط على رقابنا في الداخل سيسعى السلطان الإسرائيلي " الحاكم بأمر.. " الى جعلهم كذلك.
يحسب للنواب العرب في هذه الدورة من الكنيست - وإن كنت من الرافضين مطلقا للمشاركة في الكنيست - أن نشاطهم مميز ومشهود له، وسيكون محل دراسات وأبحاث في السلوك السياسي، خاصة وأنهم رفعوا من وتيرة وقف الخطاب الجماهيري في ظل الاحداث الجارية .
في خاتمة المطاف فإن الابتلاء سنة من سنن التمكين في الارض وهو أداة من أدوات البناء والهدم، هكذا مضت هذه السنة في الحركات والجماعات كمقدمات للبناء " الطهوري " القادم المؤسس لمرحلة قادمة تلوح شهبها في أفق المنطقة القادم.