الأفكار أُمّ البدايات

الرئيسية » بصائر الفكر » الأفكار أُمّ البدايات
education_books

سبقت الدعوة الإلهية جميع الحضارات والتطورات للبحث في أصل الأشياء، وصولاً لبدايات الأفكار فقال عز وجل: {قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق..} [العنكبوت: 20]، كانت الدعوة مفتوحة للجميع للتحرر من الجسد الذهني للأفكار والانتقال نحو خطوات عملية جديدة.

يتحول العالم الغربي اليوم بشكل واضح إلى الجزء الأيمن من الدماغ حيث الجانب التخيلي وإنتاج الأفكار بالحدس، وتداخل الأفكار والتخصصات فيما بينها، فهو ليس بحاجة كبيرة للمهندس المختص الذي يعمل واجبه المنوط به فقط، بل بحاجة للمهندس القادر على توليد الأفكار الجديدة، وكمثال تجلب أمريكا العمالة من المهندسين والمبرمجين من الهند والباكستان ليؤدى الدور المطلوب منهم فقط، في حين تحافظ على مولِّدي الافكار لديها، كما وتفتتح فروع جديدة لشركاتها الأم، وبأفكارها هي في الصين كشركة "Apple".

تبدأ مشكلتنا الأولى كمسلمين وعرب اليوم في عدم قدرتنا على التعامل مع الأفكار الجديدة التي يطرحها الشباب، إذ تبقى الفكرة تراوح مكانها في عالم "التفكير الابتكاري" فتصبح أفكاراً كثيرة دون أي قيمة دون خروجها لواقع تتحول معه لإبداع، مع قدرة هذه الأفكار على التحول لمشروع كبير يرتقي بالاقتصاد العام للوطن.. وما كان للاقتصاد الأمريكي أن ينهض إلا بالأفكار الخلاقة التي أنشأت مشاريع صغيرة حققت من خلالها نمواً وظيفياً، حيث تحدث جهاز الإحصاء الأمريكي أن معظم الوظائف بين عام 2005-1980، كان مصدرها شركات حديثة صاعدة لا يتجاوز عمرها خمس سنوات.

"تحدث جهاز الإحصاء الأمريكي أن معظم الوظائف بين عام 2005-1980، كان مصدرها شركات حديثة صاعدة لا يتجاوز عمرها خمس سنوات"

وتبدأ مشكلتنا الثانية كمسلمين وعرب في عدم قدرتنا توليد أفكارٍ جديدةٍ عابرة للتخصصات، ما أقصده بالضبط تلك الفكرة التي تنطلق من شخص وفق رؤية عدة أشخاص في مجالات مختلفة، كمثال لتوضيح ما نحتاجه "فكرة يطرحها عالم نبات يشارك في إنضاجها مهندس تكنولوجي مع رسام تجريدي في وجود باحث اجتماعي، تصبح الفكرة بعدها عابرة للتخصصات" كمثال "نباتات تكنولوجية".

ولا تبقى الفكرة على حالها إذ تتطور بشكل كبير تتجاوز فيه منشئيها، ويكبر معها المشروع بصورة لا يمكن لمنشئها معرفة تفاصيلها الدقيقة، وإن لم تتجاوز الفكرة منشئيها وتخرج من إطارها الخاص للعام تبقى حبيسة ذهن واحد، محتكرٍ لها وتموت مكانها، فقد وصلت البشرية اليوم لتقدمٍ أنهت فيه البطولات الفردية.

"إن لم تتجاوز الفكرة منشئيها وتخرج من إطارها الخاص للعام تبقى حبيسة ذهن واحد، محتكرٍ لها وتموت مكانها"

أنشأ "مارك زوكربيرغ" الطالب الأمريكي من جامعة "هارفرد" مع اثنين من أصدقائه موقع فيس بوك الشهير بمزيج بين علم التكنولوجيا وعلم الاجتماع الإنساني، تطورت الفكرة وأصبحت مشروعاً كبيراً يحقق أرباحاً كبيرة ويخدم قطاعات مختلفة، ويقدم دراسات مسحية عميقة جداً على مستوى العالم، عبر الوصول للرأي العام بل وهندسته أيضاً.

كذلك "ألبريت أنيشتاين" لم يخترع القنبلة النووية وليس له علاقة بها لكنه أخبر "فرانكلن روزفيلت" رئيس أمريكا أن "عنصر اليورانيوم من الممكن أن ينشطر ليفجر طاقة مدمرة"... كانت بذرة لفكرة "منوية"، أصبحت مشروع كبير اسمه "القنبلة النووية" فاق انيشتاين بكثير، طورته أمريكا في سباق التسلح بينها وبين ألمانيا آنذاك...

فالأفكار عالم مليء خصبٌ جداً لا ينضب، وليس مطلوب منا اليوم أن نعيد اختراع العجلة، فمن غير المجدي اختراع ما تم اختراعه، إلا إذا أضفت عليه شيئاً جديداً يقلل من تكلفته أو يزيد من جودته، هذه قاعدة غاية في الأهمية للأشخاص وفرق العمل التي تسعى جيداً لتوليد الأفكار وتطبيقها.

"لنخرج من أزمة تعاملنا مع الأفكار التي استقرت وثبتت في المجامع العلمية.. علينا الغوص في المجلات العلمية للتعامل مع الأفكار الجديدة الساخنة والتي لم تستقر بعد"

ولكن كيف لنا معرفة أين وصل العلم؟ لنخرج من أزمة تعاملنا مع الأفكار التي استقرت وثبتت في المجامع العلمية، علينا الغوص في المجلات العلمية المحكمة، إذ إنها تسبق الكتب بخمس سنوات على الأقل، ولن تستطيع معرفة أين وصلت مآلات علم الفيزياء أو الفلك أو الهندسة دون الاطلاع على تدرجها، لذلك علينا التعامل مع الأفكار الجديدة التي تثار في المجامع العلمية الساخنة والطازجة، ولم تأخذ شكلها النهائي بعد.

في مؤشر الابتكار العالمي لعام 2014م، احتلت سويسرا والسويد والمملكة المتحدة البريطانية صدارة الترتيب، وذلك في الترتيبات السنوية التي تنشرها جامعة "كورونيل" والمعهد الأوروبي لإدارة الأعمال والمنظمة العالمية للملكية الفكرية.

في هذا السياق يقول المفكر عبد الكريم بكار: "الفكرة حين تنجح تكون قد أدت وظيفتها ويصبح تكرارها من غير معنى بل قد تتحول إلى عبء تماما كما يحصل للجسد حين يبلغ منتهى الضعف فيتحول إلى عبء على الروح فتتخلص منه بمغادرته.. هذه الحقيقة تضعنا أمام معادلة صعبة هي: إما الجمود واجترار الأفكار إلى مالا نهاية وإما التجديد والإبداع لنبقى في حالة من التألق الدائم".

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتب صحافي من غزة حاصل على درجة الماجستير في الاقتصاد السياسي، متخصص في الشأن السياسي والقضايا العامة، وعمل مع العديد من الصحف والمواقع العربية والأجنبية، شارك في كتاب عن "الأسرى الفلسطينيين" نشر بعدة لغات. أعد مجموعة كبيرة من المقابلات الصحفية والتوثيقية مع مجموعة من صناع القرار والقادة الفلسطينيين، وأنجز مجموعة من التحقيقات الصحفية الاستقصائية.

شاهد أيضاً

إلى أي مدى خُلق الإنسان حرًّا؟

الحرية بين الإطلاق والمحدودية هل ثَمة وجود لحرية مطلقة بين البشر أصلًا؟ إنّ الحر حرية …