الحرية ليست مجرد شعار يُرفع، ولا حجابٍ يُرمى، ولا دينٍ يُشتم، ولا نبيّ يُستهزأ به. بل هي عقيدة وطريق، يتمسك بها من عقلها وفهمها، هي رقي فكرٍ وحضارة، وبناء مستقبلٍ زاهر، ينعُم بالأمن والراحة.
ومن الواضح أن عقولنا قد أتخمت بهذا المصطلح، وبتنا نطلبه ليلاً نهاراً، ونحن نجهل معناه ومغزاه، فما هي الحرية؟! وهل هي مطلقة بلا حدود؟
معنى الحرية..
الحرية هي: قدرة الإنسان على فعل الشيء أو تركه، بإرادته الذاتية، وهي ملكة خاصة يتمتع بها كل إنسان عاقل، ويصدر بها أفعاله، بعيداً عن سيطرة الآخر عليه.
وهي ليست مطلقة كما يعتقد البعض، فلو كانت كذلك، لفسدت الأرض، وسادت الفوضى في كل مكان، فلها حدود معينة، إن تجاوزناها فقد تعدينا على حقوق غيرنا، فمّما يقال: (تنتهي حريتك عندما تبدأ حرية الآخرين).
والقرآن هو أفضل مربٍ ومعلم، فقد قال تعالى: {لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي}، [البقرة: 256].
وفي ذلك، دلالة على: أن الله تعالى ترك الحرية للناس، في الدخول للإسلام من عدمه، كل حسب مشيئته وقراره، ومن أبى الدخول فهو في أمان، فماله مصون، وعرضه محفوظ، على ألّا يكشف عورات المسلمين، في سلم أو حرب.
"من لا يملك حرية في التعبير والفعل، فهو إنسان أبكم، لا يتحمل المسؤولية، وقدراته قليلة، ومجال إبداعه محدود، وسقف طموحاته منخفض أو معدوم"
لماذا الحرية؟؟
إن الحرية في حياة الإنسان، هي ركن وأساس لا تستمر الحياة بدونها، فمن منا يحب أن يكرهه أحد على فعل معين غير مقتنع به!!
ومن لا يملك حرية في التعبير والفعل، فهو إنسان أبكم، لا يتحمل المسؤولية، فقدراته قليلة، ومجال إبداعه محدود، وسقف طموحاته منخفض أو معدوم؛ لأن المسؤولية منوطة بتوفر الحرية، فإن غابت الحرية غاب كل شيء!!.
وبالحرية، يزيد الإبداع لدى الناس، فباب الإبداع لا يغلق، والإبداع يكون بكافة المجالات الفنيّة والعلميّة والثقافيّة وغير ذلك، لهذا السبب فالحرية مطلوبة جداً.
وتكمن أهميتها في تداول الأفكار وتبادلها بين الناس، فلا يكون هناك فكرة واحدة محددة، بل أن يوجد الجيد من الأفكار، والرديء، الحسن والسيء، الغث والسمين، هو بحد ذاته توسيع للأفكار والمدارك، وسبب لتعميق الإيمان بالفكرة وزيادة القناعة لها وتأييدها.
من التاريخ..
في عهد الصحابة رضوان الله عليهم، قد حدث الكثير من الوقائع والقصص، التي تبين أن الحرية حق للإنسان، سواء كان مالكاً أو مملوكاً، فقيراً أو غنياً، صغيراً أو كبيراً.
ومما يُروى، أن الصحابي ربعي بن عامر، رضي الله عنه، في معركة القادسية، بُعث رسولاً إلى رستم، (قائد الفرس)، فدخل عليه وقد زينوا مجلسه بالجواهر الثمينة، واللآلئ النفيسة، وعليه تاجه، وقد جلس على سرير من ذهب، أما ربعي فقد دخل بثياب بسيطة، وفرس قصيرة، ولم يزل راكبها حتى داس بها على طرف البساط، ثم نزل وربطها بالوسائد، وأقبل وعليه سلاحه ودرعه، فقالوا له: ضع سلاحك! ، فقال: إني لم آتيكم بل أنتم من دعوتموني، فإنما تركتموني هكذا وإلا رجعت!
"الشرع ما جاء إلا لتحرير الإنسان من عبادة العباد، ومن عبادة الهوى والنفس، والابتعاد عن الشهوات الزائفة، لترقى روحه وتسمو، وتتحرر من كيد الشيطان ومكره"
فقال رستم: ائذنوا له، فقالوا له: ماجاء بكم؟ قال: الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه، فمن قبل ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه، ومن أبى قاتلناه أبداً حتى يأتي وعد الله، قالوا: وما وعد الله؟ قال: الجنة لمن مات على أو قُتل، والظفر لمن بقي.
ولو تأملنا بقول ربعي بن عامر، نجد الحرية واضحة بينة في كلامه، إذ لا عبودية لأحد على أحد، والشرع ما جاء إلا لتحرير الإنسان من عبادة العباد، ومن عبادة الهوى والنفس، والابتعاد عن الشهوات الزائفة، لترقى روحه وتسمو، وتتحرر من كيد الشيطان ومكره، فيعود بالنفع على نفسه ومن حوله، وهذا من صميم دعوة الإسلام ورسالته.
إننا اليوم أحوج ما نكون للدعوة إلى الحرية ونيلها، وتحقيقها، بدءاً من حرية الأرض والمقدسات، مروراً بحرية اتخاذ القرار والسيادة، وانتهاء بحرية الإنسان وانعتاقه من عبودية الشهوات، عبر التربية الصحيحة، التي تجعل منه مؤمناً حقاً، ينهض بأمته ومجتمعه، ويعينها على تحقيق العزة والنصر والتمكين.