الصهاينة والتوصيف الفقهي.. رؤية شرعية

الرئيسية » ملفات خاصة » انتفاضة القدس » الصهاينة والتوصيف الفقهي.. رؤية شرعية
اليهود12

منذ الاحتلال الصهيوني لفلسطين، وخصوصاً بعد اتفاقية أوسلو والتي شكلت منعرجاً خطيراً في مسار القضية الفلسطينية، فإن المؤامرات وصور الاستسلام وتخذيل الهمم والعزائم ما زالت مستمرة، تحت شعارات سياسية، أو إنسانية، أو حتى دينية!!

وتشتد هذه الدعوات، كلما اشتدت المعاناة بالكيان الصهيوني، وتكبد الخسائر المتتالية، ودبت حالة الرعب في نفوس الصهاينة المحتلين، علها تشكل دعماً لهم، وطعنة في ظهر المقاومين الذين يجودون بأغلى ما يملكون في سبيل الله وتطهير هذه الأرض من دنس الغزاة.

ومنذ توقيع السلطة اتفاقيات السلام مع اليهود المحتلين، والدعوات المشبوهة المتسترة باسم الدين مستمرة، بدءاً من اعتبارهم أهل ذمة وعهد، مروراً بالتشكيك في مقاومتهم، إما بذريعة قتل الأبرياء، أو بعدم الجدوى وفوات المصلحة، أو بعدم وضوح الراية، وانتهاء باعتبارهم غير حربيين، يعطونا الكهرباء والأمن، ولا يجوز خيانتهم بمحاربتهم وطعنهم.

"تشتد هذه الدعوات، كلما اشتدت المعاناة بالكيان الصهيوني، وتكبد الخسائر المتتالية، ودبت حالة الرعب في نفوس الصهاينة المحتلين"

العجيب في الموضوع، أن من يستخدم النصوص الدينية لنشر روح الاستسلام بين الناس، يغفل عن بدهيات شرعية يعلمها طلاب المدارس، بأن الاعتداء على الأرض سبب لكون الجهاد فرض عين على أهل ذاك البلد، بل يتغافل عن حقائق يعرفها الأطفال قبل الكبار أن اليهود قتلة مجرمون، لا عهد لهم ولا ذمة.

عموماً، كشفت انتفاضة القدس المباركة، عن بعض تلك الترهات -لأنها لا ترتقي لتصل للرأي والاجتهاد- وأبرزها أن اليهود أهل كتاب، ذميون لا يجوز التعرض لهم وقتلهم، طالما أنهم لم يقاتلونا، الأمر الذي يستدعي أن نضع النقاط على الحروف، في بيان بطلان هذا الادعاء، وتفنيده والرد عليه.

ما التوصيف الفقهي لليهود؟؟

قسم علماء المسلمين في كتبهم غير المسلمين إلى ثلاثة أصناف رئيسة، وهم الذمي والمستأمن والحربي.

فالذمي هو الذي يعيش في الدولة الإسلامية بمقتضى عقد الذمة، وهو أقرب ما يكون إلى الجنسية في وقتنا الحالي، حيث يتمتع الذمي بكافة الحقوق كما حال المسلم، ومطالب بالكثير من الواجبات التي تتشابه مع المسلم، إلا أنه يختلف من حيث بعض أحكام دينه الخاصة.

أما المستأمن، فهو الكافر الذي يدخل الدولة الإسلامية بموجب إذن من الحاكم أو صاحب السلطة، وهو يشبه في وقتنا المعاصر صاحب التأشيرة من جنسية مختلفة، حيث يدخل إلى دولة غير دولته بعد الحصول على الموافقة من قبل سلطات الاختصاص، بحيث يحترم قوانين البلد التي يدخلها، ولا يعبث أو يخل بأمنها.

"التوصيف الفقهي واضح بين، وهو أن اليهود على أرض فلسطين محتلون حربيّون؛ لأنهم سيطروا على أرض المسلمين بالقهر والقوة"

في حين أن الحربي مختلف عما سبق، فهو غير المعاهد والمستأمن، وهو من يقاتل عامة المسلمين، أو يغلب على منطقة معينة من مناطق المسلمين، أو يحارب الدولة ولا تربطه معها عهد أو ميثاق.

ونص الفقهاء على أن المستأمن يكون حربياً إذا خالف عقد الأمان، بأن نقض العهد، وسعى لإفساد الأمن، أو احتلال جزء من البلد، وكذلك الحال في الذمي فهو يتحول إلى حربي، وينتهي عقد ذمته لذات السبب السابق.

قال الكاساني من فقهاء الحنفية في كيفية تحول الذمي إلى حربي: ".. أن يغلبوا على موضع فيحاربون، لأنهم إذا فعلوا ذلك، فقد صاروا أهل الحرب، وينتقض العهد".

وقال النووي: "ولو قاتلونا أو امتنعوا عن الجزية، أو من إجراء حكم الإسلام انتقض".

وذكر ابن القيم عدداً من الأمور التي ينتقض بها عقد الذمة، منها: "الإعانة على قتال المسلمين، وقتل المسلم والمسلمة، وقطع الطريق عليهم..الخ".

إذن التوصيف الفقهي واضح بين، وهو أن اليهود على أرض فلسطين محتلون حربيّون؛ لأنهم سيطروا على أرض المسلمين بالقهر والقوة، ناهيك عن قتل وإزهاق الأرواح التي تقدر بعشرات الآلاف إن لم يكن أكثر من ذلك. وحكم الحربي في الإسلام أنه مهدر الدم والمال، فلا حرمة لدمه طالما أنه بقي على أرض المسلمين، ولا شرعية لوجوده؛ لأن حاله كحال من يغصب شيئاً، فهو لا يحل له بأي حال، بل يجب رد المغصوب إلى صاحبه.

محاربة المعتدين..

"يجب دفع المحتل بكل ما يمكن دفعه، فالممكن والمقدور عليه، هو ما يدفع به المسلم عدوه، سواء بالسكين أو بالصاروخ، أو بالكلمة والموقف والدعم بالمال"

يقول الله عز وجل: {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين}، ويقول أيضاً: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم}. فالله تعالى أمر بقتال من يقاتلون المسلمين ويبدؤونهم بالقتال. والمقصود بالعدوان كما يعرفه الزحيلي رحمه الله: "هو حالة اعتداء مباشر، أو غير مباشر، على المسلمين، أو أموالهم، أو بلادهم، بحيث يؤثر في استقلالهم، أو اضطهادهم، وفتنتهم عن دينهم، أو تهديد أمنهم، وسلامتهم، ومصادرة دعوتهم، أو حدوث ما يدل على سوء نيتهم بالنسبة للمسلمين".

ومن المعلوم أن الفقهاء متفقون على أن العدوان يستلزم دفعه ورده، فالفقهاء يرون بجميع مذاهبهم بوجوب قتال الدفع عند احتلال أرض من بلاد المسلمين. بكل ما هو ممكن، ومقدور عليه.

قال الكاساني: "إذا عم النفير بأن هجم العدو على بلد، فهو فرض عين، يفترض على كل واحد من آحاد المسلمين ممن هو قادر عليه".

وقال الخطيب الشربيني في مغني المحتاج: "..وجب على كل منهم الممكن، أي الدفع للكفار بحسب القدرة".

وقال ابن قدامة في المغني: "ويتعين الجهاد في ثلاثة مواضع، منها: إذا نزل أهل الكفر في بلد، تعين على أهله قتالهم ودفعهم".

إذن نخلص من كل ما تقدم إلى استنتاجات في غاية الأهمية تتمثل بما يأتي:

1- اليهود حربيون، لا حرمة لدمائهم، طالما أنهم يحتلون هذه الأرض، فيجوز قتلهم واستهدافهم، ولا عصمة لدمائهم طالما أن العلة موجودة، وهي الاحتلال واغتصاب الأرض والمقدسات.

2- يجب دفع المحتل بكل ما يمكن دفعه، فالممكن والمقدور عليه، هو ما يدفع به المسلم عدوه، سواء بالسكين أو بالصاروخ، أو بالكلمة والموقف والدعم بالمال.

3- إن الدعوات التي ينشرها بعض المحسوبين على العلم، هي دعاوى تتنافى مع النصوص الشرعية، وتشذ عما اتفق عليه الفقهاء، وهي إما تتصف بالجهل وعدم الصحة، أو أنها مشبوهة تستلزم موقفاً حازماً لرفضها وبيان بطلانها.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتب فلسطيني، متخصص في الشريعة الإسلامية والسياسة، مهتم بالإعلام والتربية والتعليم.

شاهد أيضاً

إلى أي مدى خُلق الإنسان حرًّا؟

الحرية بين الإطلاق والمحدودية هل ثَمة وجود لحرية مطلقة بين البشر أصلًا؟ إنّ الحر حرية …