الفرح بين المشروع والممنوع

الرئيسية » بصائر تربوية » الفرح بين المشروع والممنوع
images

الفرح طبيعة إنسانية، لا يستطيع المرء عيشاً بدونها، ولا يملك ترفا لتركها. وقد اعتبر علم النفس الحديث أنَّ الفرح من الانفعالات الأساسية للنفس البشرية، وهي: الحزن، الفرح، الحب، الكره، الرّغبة، التعجب.

وقد جاء الإسلام لينظم شؤون الحياة بكل تفاصيلها فهل توجد ضوابط شرعية للفرح؟ وهل هناك فرح مذموم وآخر مشروع؟

قد يقول قائل: تريدون أن تقيدونا حتى بالفرح، نقول: نعم، فكم جرت علينا الانفعالات من ويلات سواء في حالة الفرح أو الحزن والغضب، فما يفيدنا فرح يؤدي إلى الأذى أو الضرر أو حتى الموت. لذا فنحن أحوج ما نكون إلى ضبط انفعالاتنا في زمن تميز بالاضطراب والخلل في كل شيء، فالبعض تجده غليظا فظا لا يظهر فرحا، أو سرورا، ويعيش في نكد، وينغص على من حوله حياتهم، والبعض الآخر يبالغ في فرحه، ويسرف في التعبير عنه إلى درجة الإسفاف.

وباستعراض آيات القرآن الكريم وما ورد في السنة من نصوص نجد أن الفرح ثلاثة:

الأول: فرح محمود: وهو يتعلق بالفرح لتحصيل أمر ديني ينفع المسلم في دنياه وآخرته ومنه:

1- أن نفرح بهدايتنا للإسلام الدين الخاتم واتباعنا للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وأن الله تعالى أنقذنا بذلك من النار: {قل بفضل الله وبرحمته فليفرحوا هو خيرٌ ممَّا يجمعون} [سورة يونس:58].

2- الفرح بنصر الله تعالى للمؤمنين، وهزيمة أعداء الدين وتحقيق التمكين لدين الله في الأرض {ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله* ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم} [سورة الروم:4-5]، وهو معنى عزيز على نفس المؤمن الصادق؛ لأنه في شوق حقيقي لهذا النصر. وأما المنافق فيظهر الفرح بانتصار أعداء الإسلام أو بهزيمة المؤمنين والتضييق على الدعاة العاملين.

"الفرح المتوازن هو خيرٌ لصاحبه، كما أنّه أبعد عن إثارة الحسد والغيظ عند الآخرين ممن لم يحصل على ما حصلت عليه"

الثاني: فرح مذموم: وفي الإجمال هو فرح بما يغضب الله أو بما يضر صاحبه خاصة في الآخرة ومنه:

1- الفرح بالمال الذي يؤدي بصاحبه إلى الطغيان والإعراض عن ذكر الله مثل قارون: {إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين} [سورة القصص: 76].

2- الفرح بالمعصية كمن يفاخر بالزنا ويحدث بما فعله.

الثالث: فرح مباح: وهو الفرح الذي يلازمنا عند تحصيل أمر محبب إلى نفوسنا أو تحقيق إنجاز سعينا إليه في أي أمر من أمور الدنيا، ومنه ما ورد في حديث الرجل الذي وجد دابته بعد أن أضاعها "لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ، فَلَاةٍ فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَأَيِسَ مِنْهَا، فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ، إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا"، ثُمَّ قَالَ: "مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ" (رواه البخاري).

وهذا الفرح المباح هو مدار حديثنا ونلاحظ أنَّ الحديث لمز من جانب خفي بالرجل الذي أخطأ من شدة الفرح بما يجعلنا نتفكر في انفعالاتنا عندما نفرح وهل هي منضبطة أم أنها منفلتة تحتاج إلى تحكم لكي لا تنعكس سلبا علينا.

فالفرح الذي يلازم حصولنا على المال مثلا قد يدفعنا إلى تعبيرات مذمومة أو الفرح الذي نمارسه في حفلات الأعراس والأعياد من ممارسة لسلوكيات لا تتوافق مع الشرع وهكذا فنحن بحاجة إلى إعادة النظر في تعبيرنا عن الفرح حتى وإن كان الفرح مباحا إلا أننا قد نحزن بعد قليل بسبب نفس الأمر الذي فرحنا من أجله.

"من أعظم الفرح عمل الخير وتقديم المساعدة ومد يد العون، كأن تمسحَ دمعة يتيم، وتزرعَ البسمةَ على شِفاه المحرومين"

وكمثال على ذلك: إنَّ قيادتنا لسيارة حديثة أو جميلة أمر يدخل السرور إلى النفس ولكن تعبيرنا عن ذلك قد يدعونا إلى الوقوع في الحوادث مما يوقعنا في الحزن. لذا فالعاقل من كبح جماح نفسه عند الفرح لأمر دنيوي؛ لأنه قد يتغير في لحظات، فما بين طرفة عين وانتباهتها يغير الله من حال إلى حال وكما قال الشاعر:

ولست بمفراح إذا الدهر سرّني            ولا جازع عن صرفه المتقلب

إنَّ الفرح المتوازن هو خيرٌ لصاحبه، كما أنّه أبعد عن إثارة الحسد والغيظ عند الآخرين ممن لم يحصل على ما حصلت عليه، فما يفرحنا قد يسوء غيرنا ويحزنه، وما أفرحنا اليوم قد يحزننا غدا، فهذا هو حال الدنيا، وأمَّا الآخرة فان الفرح فيها دائم، والسرور والحبور لا يتغير، حيث يأنس المؤمن بلقاء الله، ويتمتع بما أعده تعالى للمؤمنين من نعيم وملذات، كما يأنس بأهله وإخوانه الذين كانوا معه في الدنيا وشاركوه الذكريات الجميلة فيها.

{يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر: 27-30].

{والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين} [الطور:21].

ولعله من المناسب أن نبيّن بعضَ الأعمال التي تؤدّي إلى الشعور بالفرح فنصنع الفرح بأيدينا إن أردنا ذلك وبأقل الكلف الممكنة.

فإنه مما يفرح الإنسان في الدنيا ويدخل السرور إلى نفسه أن يبقى متفائلا مستحضرا الخير الذي أعطاه الله تعالى له ((ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا ومحمَّد صلى الله عليه وسلم نبيّاً ورسولا))، (رواه مسلم).

ومن أعظم الفرح عمل الخير وتقديم المساعدة ومد يد العون، كأن تمسحَ دمعة يتيم، وتزرعَ البسمةَ على شِفاه المحرومين، أو حين تدخل السرور إلى قلب مسلم، أو تواسي مهموما.

وإذا جمَّلتَ باطنَك ونواياك ونقيت قلبَك من الغلِّ والحقد والحسَد، تركَت الفرحةُ بصمةً حقيقيَّةً في نفسِك، وسعادة تتلذذ بمذاقها طويلا.

تفرَح أيضا عندما تُقابِل الناسَ بطلاقة الوجه، والتِماس العُذر، وكفِّ الأذَى، أو تصل من قطعَك، وتعفو عمَّن ظلمك كل ذلك مما يسعد النفس ويفرحها فرحا حقيقيا، فالنفس السوية يسعدها كل ذلك وهو من أهم أسباب الفرح التي تدوم طويلا ويبقى أثرها في النفس وهي أعمال متاحة للجميع بينما أسباب الفرح التي لا يوجد فيها إحسان أو عمل خير تسرع بالزوال؛ لأنها مرتبطة بطبيعة الحياة الفانية.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
حاصل على الدكتوراه في التربية، ومدرب معتمد في التنمية البشرية وبرامج تربية الأطفال. عضو مجلس إدارة جمعية المحافظة على القرآن الكريم في الأردن، ولديه خبرة طويلة في العمل الاجتماعي والإغاثي.

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …